اخبار تركيا

إسرائيل وأمريكا وتهديد “أبواب الجحيم”: من ينغلق عليه الباب؟

اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والخبير التركينيدرت إيرسانال، أبعادخرق إسرائيل لوقف إطلاق النار في غظة وعودتها لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، مسلطًا الضوء على استحالة الوثوق بها منذ البداية.

وناقش التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، بغض النظر عن الإدارة الحاكمة، مبرزا كيف أن واشنطن تستخدم الإبادة الجماعية كأداة لإعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها.

وتطرق التقرير أيضًا إلى موقف الدول العربية والخليجية المتردد تجاه القضية الفلسطينية، إضافةً إلى المخاوف الإسرائيلية من النفوذ التركي في سوريا، مستعرضا أبعاد التوترات الجيوسياسية بين روسيا وإسرائيل في ظل التطورات الإقليمية.

ويحلل الكاتب في تقريره انهيار المنظومة الدولية في محاسبة إسرائيل، مع تصاعد السياسات الأمريكية لقمع أي انتقاد لتل أبيب، ويؤكد أن “الهدنة التدريجية” ليست سوى مرحلة من مخطط أمريكيإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية.

وفيما يلي نص التقرير:

هل يعد خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار وعودتها لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أمراً مفاجئاً؟ لقد كان الجميع يدرك منذ البداية أنه لا يمكن الوثوق بها. لم تنخدع تركيا أبدًا بـ”سحر” الهدنة، بل كانت حذرة، ولم تتبنَّ حتى التفاؤل الحذر، وإنما نهجت الحذر المطلق في تعاملها مع الموقف.

وكذلك، لم يكن خافيًا على أحد أن أي إدارة أمريكية، حتى وإن أظهرت حدًّا أدنى من الإنسانية في تعاملها مع بقية العالم ، فإنها حين يتعلق الأمر بإسرائيل، تتحول إلى “قاتل متسلسل”. لا فرق هنا بين إدارة ديمقراطية أو جمهورية، فحتى في واشنطن، رغم اعتراف البيت الأبيض مرارًا بأن سياسات تل أبيب تُثقل كاهل السياسة الأمريكية وتضعها في مآزق متتالية، إلا أن هذا لم يغيّر شيئًا.

كما أن إدارة ترامب صرحت خلال الشهر الأخير، وحتى في الأيام القليلة الماضية، أن إسرائيل قد تخرق الهدنة وتعاود الهجوم.

والفرق الوحيد بين الطرفين أن إسرائيل، بقيادة نتنياهو، تتبنى نهج “الذهاب إلى النهاية” كسياسة ثابتة، وهذه السياسة تتعلق بالتوازنات الداخلية ومخططاتها الإقليمية. أما فيما يخص إبادة فلسطين، وغزة، وحركة حماس، فليس لديها أي حدود بل على العكس، هناك رغبة جامحة لتحقيق ذلك بأي ثمن، يمكنكم أن تسموها “جنونًا مسعورًا”.

أما إدارة ترامب، فتنظر إلى “الإبادة الجماعية” كأداة لإعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمخططاتها، حيث ترى أن الحل الأسهل يكمن في تصفية القضية الفلسطينية في مرحلة ما والحفاظ على أمن إسرائيل والانصراف إلى مصالحها دون عوائق.

وبالتالي، لا فرق بين اللحظة التي بدأت فيها الهدنة والوضع الحالي. لا توجد حلول قصيرة الأمد أو حاسمة. الحرب هي الخيار الوحيد المطروح، ولكن لا توجد قوة دولية يمكنها خوض هذه الحرب وفقًا للمعطيات الراهنة. ولهذا، تعود حالة “الاختناق والعجز” لتخيم على الجميع مرة أخرى.

دعونا ننظر أيضاً إلى توقيت العودة إلى الإبادة الجماعية..

قبل أن تستأنف إسرائيل عدوانها مباشرة، جاء الهجوم الأمريكي على اليمن وهو جزء من الخطة التي أشرنا إليها سابقًا. فاليمن يُعتبر، من الناحية الاستراتيجية، امتدادًا لإيران، وطهران لها مكانة خاصة في الأجندة الأمريكية، حيث تُعدّ دائمًا الركيزة الثابتة للتذمر الإسرائيلي.

أما بالنسبة لدول الخليج وبعض الدول العربية، فلطالما بدت ضعيفة في موقفها من القضية الفلسطينية، حيث تُبقي دائمًا على “هامش للمساومة” في علاقاتها مع إسرائيل، خوفًا من تداعيات داخلية وصورة إقليمية غير مرغوبة. فهم يروجون أمام العالم بأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مرهون بحل القضية الفلسطينية، لكنهم في الوقت ذاته يمنحون نتنياهو والإدارة الأمريكية متسعًا من الوقت ومجالًا للمناورة.

أصبحت سوريا أخيرا، واحدة من أكبر المعضلات التي تؤرق إسرائيل وتثير مخاوفها. فعلاقات هذا البلد مع تركيا باتت تُثير القلق إلى حدٍّ كبير. وبحسب تصريحاتهم العلنية، فإنهم يفضلون حتى وجود إيران في دمشق بدلًا من تركيا، باعتباره “أخف الضررين” بالنسبة لهم. فإسرائيل لا ترى في أي تهديد آخر خطرًا أكبر من النفوذ التركي، وهذا يفسر ما يجري مؤخرًا من اضطرابات داخلية في سوريا، والتي لم يعد هناك شك حول الجهات التي تحرّكها.

في السياق ذاته، يعيد الملفان السوري والإيراني إعادة روسيا إلى المشهد من زاوية مختلفة. فمع ظهور ملامح مسار سلام متعثر في أوكرانيا، بدأ المناخ السياسي بين موسكو وواشنطن يشهد بعض التهدئة، ما انعكس بدوره على العلاقات الروسية الإسرائيلية. فبعد أن شهدت تلك العلاقات توترًا جزئيًا في الفترات السابقة، يبدو أن الطرفين يسعيان لإعادة ترميمها قبل أي تغييرات محتملة في إدارة دمشق.

بعبارة أخرة فإن استمرار الحضور الروسي في سوريا، ولو بشكل محدود، بالنسبة لإسرائيل، إلى جانب وجود إيراني “ضمن نطاق معقول”، يساهم في تقويض النفوذ التركي والحد من تصاعد قوة دمشق.

وإحدى القضايا الإشكالية الأخرى تتمثل في الانهيار المتسارع للمنظومة الدولية ومؤسساتها، حيث أن تحقيق العدالة ـ ولو مع الصبر والانتظار ـ أو على الأقل فرض الحدّ الأدنى من القانون، وصل إلى نقطة الانهيار مع إدارة ترامب. ونتيجة لذلك، وقد أدى ذلك إلى تعقيد المساعي الرامية لمتابعة القضايا الدولية المتعلقة بالجرائم الإسرائيلية في المحاكم العالمية أو فرض أي مساءلة حقيقية عليها.

كما أن سياسة الولايات المتحدة في عهد بايدن، التي تقوم على معاقبة الدول والحركات الاجتماعية والمؤسسات التي تنتقد إسرائيل وتقوم بمبادرات ضدها، قد دخلت حيز التنفيذ. ويتجلى هذا في العقوبات المفروضة على جنوب إفريقيا التي تلعب دورًا رائدًا في المحكمة الجنائية الدولية، وقطع التمويل عن بعض الجامعات التي تحتج على سياسات إسرائيل، كل هذه الإجراءات ليست إلا رسائل تهديد واضحة لكل من تسوّل له نفسه معارضة تل أبيب أو الحدّ من نفوذها.

وتُظهر تصريحات البيت الأبيض بوضوح أن إدارة ترامب تدعم إسرائيل بشكل صريح، ولا تشعر بأي حرج أو تردد في فعل ذلك. بل إنها صرحت للشعب الفلسطيني وللعالم: “ليس هناك حاجة للعودة إلى هناك، فما ينتظرهم هناك هو الموت فقط”، مع إخفاء “القاتل الحقيقي” في عبارات ملتوية. وهكذا، أُجلت “الهدنة الدائمة” إلى ما بعد الموت…

ومن الواضح أن عملية “الهدنة التدريجية” هي مرحلة من مراحل الخطة الإسرائيلية والأمريكية المُعدة لفلسطين وغزة؛ وللأسف، لا تبشر هذه الخطة بأي أمل، بل تركز فقط على “القضاء على المشكلة”. ولم تظهر بعد أي بوادر مشرقة لمستقبل قريب يعترف بحقوق فلسطين المسجلة أو بوضعها كدولة.

ولا يوجد أي تغيير في موقف أنقرة؛ “نحن نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني”. ولكن يجب التوقف عند تصريحات وزارة الخارجية حول “المرحلة الجديدة في سياسة الإبادة الجماعية” و”التركيز على البحث عن السلام والاستقرار على المستوى العالمي” من أجل التنبؤ بالمستقبل.

والأمر الأول واضح، لكن الثاني يمكن اعتباره رسالة إلى إدارة ترامب. حيث يتم تقديم “نصيحة” مفادها أن استقرار المنطقة وحلقة العنف التي تتم إثارتها ستُصعّب تحقيق التصور الذي تريده إدارة ترامب للمنطقة.

إن إسرائيل وأمريكا تلوحان دائمًا بتهديد “فتح أبواب الجحيم” إذا لم تتحقق مطالبهما. ولكن لو فكروا بهدوء وعقلية مستقبلية، لرأوا أن تلك الأبواب تُغلق عليهم ببطء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *