اخبار تركيا
تناول تقرير بصحيفة يني شفق التركية للكاتب والمحلل السياسي عبد الله مراد أوغلو، التحول غير المسبوق في العلاقة بين مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) و”رابطة مكافحة التشهير” (ADL)، إحدى أقدم المؤسسات الممثِّلة للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، بعد إعلان مدير المكتب كاش باتيل إنهاء التعاون معها رسميًا.
ويُبرز الكاتب كيف جاءت هذه الخطوة في سياق تصاعد الخلافات بين الرابطة والمعسكر اليميني المؤيد لترامب، خاصة بعد اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك، وما تبع ذلك من اتهامات للرابطة بالتجسس والتلاعب ببيانات “جرائم الكراهية” لتجريم النشاطات المؤيدة لفلسطين.
كما يرصد اتساع رقعة الرفض الشعبي والنقابي داخل أمريكا لهيمنة الرابطة على التعليم والإعلام، إلى جانب تصاعد النقاش حول تقييد نفوذ اللوبي الإسرائيلي، وفي مقدمته لجنة “أيباك”، داخل المؤسسات الأمريكية. وفيما يلي نص التقرير:
أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي كاش باتيل إنهاء التعاون رسميًا مع رابطة مكافحة التشهير (ADL)، في خطوةٍ تُعدّ مؤشرًا جديدًا على تراجع نفوذ اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة.
ورغم أن قرار باتيل لم يكن يستهدف الرابطة مباشرة، فإنّ الخلاف تفجّر عندما صنّفت الرابطة الزعيم المحافظ الشاب تشارلي كيرك، مؤسس منظمة نقطة التحوّل في أمريكا (TPUSA)، ضمن جماعات التفوّق العرقي الأبيض المتهمة بارتكاب «جرائم كراهية ضد اليهود»، ما أثار موجة غضب عارمة في صفوف اليمين الأمريكي.
كان كيرك قد قُتل في 10 أيلول/سبتمبر أثناء إلقائه كلمة في جامعة يوتاه فالي. والحقيقة أن “رابطة مكافحة التشهير” كانت قد أدرجت اسم منظّمته “TPUSA” ضمن قائمتها السوداء منذ عام 2019، في صفحة “قاموس التطرف” على موقعها الإلكتروني. لكن بعد اغتياله، تصاعد الغضب داخل المعسكر المؤيد لترامب، المعروف باسم “اجعل أمريكا عظيمة مجددًا” (MAGA)، ضد الرابطة، مما مهّد الطريق لقرار كاش باتيل بقطع التعاون معها.
اتهم باتيل الرابطة بإدارة “عمليات مشينة للتجسس على الأمريكيين”، كما وجّه اتهامات إلى المدير السابق لمكتب التحقيقات جيمس كومي بدعمها من خلال زرع عملاء داخلها. وصرّح بأن “رابطة مكافحة التشهير” تعمل “كمنظمة إرهابية”. وفي الوقت نفسه، أعلنت الرابطة من جانبها وقف العمل بصفحة “قاموس التطرف والكراهية”.
هذه مفارقة لافتة: المنظمة التي كانت تُصنّف كل مؤيدٍ لفلسطين كـ”إرهابي”، باتت تُوصَف الآن من قِبل مدير الـFBI نفسه بأنها “تعمل كجماعة إرهابية”. لقد سقطت في الحفرة التي حفرتها بيدها. فالرابطة، التي كانت تزداد تطرفًا في الآونة الأخيرة، وصلت إلى حد اعتبار ارتداء الكوفية الفلسطينية عملًا “معاديًا لليهود”. وبحسب تقاريرها، شهدت الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر زيادة “استثنائية” في “الأعمال المعادية لليهود”، لكن الغالبية الساحقة من تلك الأعمال لم تكن سوى مظاهرات احتجاج على الإبادة الإسرائيلية في غزة.
لم تكن الرابطة تزوّد مكتب التحقيقات الفيدرالي فقط، بل أيضًا أجهزة الأمن والشرطة في مختلف الولايات، بما أسمته “بيانات” حول جرائم الكراهية والتطرف ومعاداة السامية. لكنّ معظم تلك البيانات كانت تتلاعب بالحقائق لتصوير كل نشاط داعم لفلسطين كجريمة كراهية. بل إن نفوذها امتد إلى المناهج التعليمية في المدارس الحكومية، حيث سعت إلى صَهْيَنة التعليم العام عبر تضمين الرواية الإسرائيلية في المناهج الأمريكية، حتى يتبنّاها الطلاب كحقيقة راسخة.
لكن رياح الرفض بدأت تهبّ من الداخل. فقد طالبت نقابة المعلّمين المتحدين في لوس أنجلوس (UTLA) بحذف محتوى الرابطة من المواقع التعليمية، احتجاجًا على مساواتها بين “معاداة الصهيونية” و”معاداة السامية”. كما تبنّت أكبر نقابة تعليمية في الولايات المتحدة، وهي “الاتحاد الوطني للتربية (NEA)”، قرارًا بقطع العلاقات مع الرابطة، بعد أن أيّده أكثر من سبعة آلاف مندوب، داعين إلى التوقف عن استخدام أو اعتماد أو الترويج لأي محتوى أو إحصاءات تصدر عنها.
إلا أن ضغوط اللوبي الإسرائيلي دفعت مجلس إدارة النقابة المكوَّن من تسعة أعضاء إلى إعلان أن قرار القواعد النقابية “غير مُلزِم”. ومع ذلك، اتّهمت القواعد الشعبية داخل الاتحاد قيادته بالرضوخ لضغوط اللوبي. لكنّ هذه التهدئة لم تُنهِ القضية بعد.
تسعى “رابطة مكافحة التشهير” كذلك إلى تمرير تشريعات تُجرّم انتقاد إسرائيل بوصفه “معاداةً لليهود”، وهي جهود يصفها بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين بأنها تهديد مباشر لحرية التعبير. وقد حذّر نواب منهم من أن مثل هذا القانون قد يُستخدم حتى لملاحقة أي مسيحي يقول إن “اليهود قتلوا المسيح”.
وفي خضم ذلك، كانت الرابطة قد وصفت كلمة الإعلامي الشهير تاكر كارلسون، خلال تأبين تشارلي كيرك، بأنها “خطاب معادٍ لليهود”، رغم أنه لم يذكر اليهود بالاسم، بل تحدّث عن “مؤامرة دبّرها بعض الأشخاص في القدس لإخفاء السيد المسيح”، مشبّهًا مقتل كيرك بتلك المؤامرة.
وفي المحصّلة، يُعدّ قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي بقطع التعاون مع “رابطة مكافحة التشهير” — أقدم أذرع اللوبي الإسرائيلي — تحولًا مهمًا وكسرًا لأحد التابوهات الراسخة في السياسة الأمريكية. ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى تصاعد النقاش حول ضرورة إخضاع اللجنة الأمريكيةالإسرائيلية للعلاقات العامة (أيباك) للقوانين التي تنظّم عمل جماعات الضغط في الولايات المتحدة. فحتى داخل المعسكر الترامبي، يتّسع اليوم الجدل حول تقييد نفوذ “أيباك” وضبط نشاطها التشريعي والإعلامي.