اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، انعقاد قمتين مهمتين في العالم الإسلامي الأسبوع الماضي: قمة رؤساء الشؤون الدينية للدول الأعضاء في منظمة الدول التركية في بيشكيك، والقمة الطارئة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في الدوحة بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر.
يركز الكاتب في تقريره على الإمكانات الهائلة للأمة الإسلامية، سواء من حيث التراث الديني والتاريخي أو الموارد الاقتصادية والجيوستراتيجية والقوى البشرية، ويطرح السؤال المركزي حول كيفية تحويل هذه الطاقات والإمكانات إلى قوة مشتركة وفاعلة رغم النزاعات الداخلية والتحديات السياسية.
وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:
في الأسبوع الماضي شهد العالم الإسلامي انعقاد قمتين مهمتين. كانت الأولى في 11 سبتمبر في بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان، حيث عُقد الاجتماع السادس لرؤساء الشؤون والإدارات الدينية للدول الأعضاء في منظمة الدول التركية. أما القمة الثانية، فكانت القمة الطارئة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، التي عُقدت يوم 15 سبتمبر في العاصمة القطرية، الدوحة. وقد كان في متابعة القمتين المتتاليتين درس بالغ الأهمية لرؤية الثروات الهائلة التي يمتلكها العالم الإسلامي.
وفي قمة بيشكيك مثّل تركيا رئيس الشؤون الدينية، الأستاذ الدكتور علي أرباش. وشارك فيها أيضًا رئيس الإدارة الدينية لمسلمي قيرغيزستان التي استضافت القمة عبد العزيز ذاكروف نازيبيكوفيتش، ورئيس إدارة مسلمي القوقاز في أذربيجان الشيخ الله شكور باشا زاده، ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان، نوريزباي حاج تاغانولي أوتبينوف، ومفتي أوزبكستان العام، نور الدين خال نظر، ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي تركمانستان، يالقاب خوجا غولييف.
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: “لماذا لم تكن طاجيكستان حاضرة في الاجتماع؟” طاجيكستان ليست عضوًا في منظمة الدول التركية التي تأسست عام 2009. ومن يتابع تطورات المنطقة عن كثب، يعلم أنّ طاجيكستان شهدت خلال السنوات الأخيرة تضييقًا متزايدًا على الحريات الدينية وحظرًا رسميًا على ممارسة الشعائر. فالحظر الذي بدأ في المؤسسات الحكومية والمدارس تحت ذريعة “مكافحة التطرف”، قد انتشر الآن في جميع أنحاء البلاد وحتى في الشوارع. ومن المعروف أنه في السنوات الأخيرة، تم هدم عدد كبير من المساجد في طاجيكستان، وحظر استخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان، وقل عدد المساجد المسموح فيها بصلاة الجمعة، وفرضت قيود صارمة على أداء فريضة الحج. ولو كانت طاجيكستان قد شاركت في الاجتماع، لكان رئيس إدارتها الدينية، سعيد مكرم عبد القادر زاده، سيشعر بالحرج الشديد أمام نظرائه من الدول الأخرى.
وبعيدًا عن الكلمات الرسمية، والتمنيات، والمفاوضات، فإن العمق التاريخي والديني والثقافي الذي تمثله الشخصيات المشاركة في الاجتماع، الممتد من تركيا إلى قيرغيزستان، يشير إلى خريطة شاملة ومذهلة حقًا. وعند محاولة تصور هذا العمق، ترى تقريبًا كل الشخصيات العظيمة في تاريخ الإسلام تمر أمامك واحدة تلو الأخرى: حيث يلتقي ميراث الدولة العثمانية بميراث التيموريين، ويلتقي الأمير سلطان بشمس الأئمة السرخسي، ويشارك في هذا المشهد التاريخي جميع عظماء الأمة، من الإمام البخاري إلى الإمام الماتريدي، ومن شاه النقشبندي إلى نجم الدين الكبراء، ومن أولوغ بيك إلى فخر الدين الرازي.
وبعيدًا عن الاجتماعات الرسمية، عندما ننظر إلى المنطقة من هذا المنظور، يظل السؤال نفسه يتردد في الأذهان: ما الذي يجب فعله لتحويل هذا الكم الهائل من الخبرات والإمكانات إلى قوة مشتركة وفاعلة؟ أعتقد أن من أهم الواجبات التي يجب إنجازها في هذا الزمن أن نضع هذا السؤال في صدارة جدول الأعمال ونعمل عليه بلا كلل.
أما القمة الثانية والأكثر شمولاً هذا الأسبوع، فقد جمعت قادة دول وحكومات من 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي، و22 دولة من جامعة الدول العربية. وعُقد الاجتماع إثر الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي، وبالتالي، كان الموضوع الرئيسي على جدول الأعمال هو الاحتلال الإسرائيلي والدمار الذي يحدثه في منطقتنا.
وعند تجاوز البروتوكولات والخطابات، يظهر بوضوح أن الزعماء المجتمعين في الدوحة يمثلون إمكانات هائلة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، تشمل النفط والغاز، إضافة إلى المزايا الجيوستراتيجية، والقوى البشرية والعمالة، ما يمنح الأمة الإسلامية القدرة على إعادة تشكيل النظام العالمي بأكمله. فالمسلمون يمتلكون جميع الأوراق التي تمكنهم من إخضاع الغرب وجميع القوى الإمبريالية في العالم.
لكن الإجابة على سؤال: “كيف نترجم هذه الطاقة الاستثنائية إلى قوة مشتركة؟” تتطلب منا مواجهة النزاعات الداخلية المحزنة، والتنافسات، وتضارب المصالح.
ويُظهر التاريخ أنّ الخروج من مثل هذه الحلقات المفرغة المتشابهة لا يتحقق إلا عبر قائد قوي أو دولة حازمة، تفرض النظام والسيطرة على إخوانها بالدين وأشقائها، بالقوة إن لزم الأمر. أما السيناريو البديل، فهو ممكن أيضًا، لكنه يستغرق وقتًا طويلاً في ظل التفكك والانحلال والتفرق. في جميع الأحوال، لا توجد وصفة خالية من الألم في مسار النهضة والارتقاء.
سنرى في هذه الحقبة التي نشهدها، في أي اتجاه سيعيد التاريخ نفسه.