اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والإعلامي طه قلينتش، ردود الفعل السياسية والدبلوماسية على تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنيّته الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، مسلطًا الضوء على الغضب الإسرائيلي العنيف من هذه الخطوة رغم طابعها الرمزي.
وناقش التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق التركية التناقض في الموقف الفرنسي، الذي يدعو للسلام ويعترف بدولة فلسطينية منزوعة من حركة حماس، ما يُكرّس الانقسام الفلسطيني بدلًا من معالجته.
ويعرض الكاتب في تقريره رفض إسرائيل لأي مبادرة سلمية، حتى من السلطة الفلسطينية، ويؤكد فشلها في القضاء على حماس رغم سنوات من الحصار والدمار.
كما ينتقد بعض الأنظمة العربية التي تتبنى رواية الاحتلال وتحمل حماس مسؤولية المعاناة في غزة، محذرًا من أن تجاهل جوهر القضية الفلسطينية سيؤدي إلى عواقب إقليمية لا تُحتمل.
وفيما يلي نص التقرير:
أثار تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن عزمه الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في شهر سبتمبر المقبل، موجة من الغضب العارم في إسرائيل. فرغم تأكيد ماكرون على ضرورة إنقاذ المدنيين في غزة بأسرع وقت ممكن، وإعادة إعمار المنطقة، ورغم دعوته في بيانه الرسمي إلى نزع سلاح حركة حماس، إلا أن هذه التصريحات لم تكن كافية لتهدئة الجانب الإسرائيلي. فلم يتوانَ مسؤولون إسرائيليون عن إطلاق تهديدات مبطّنة لفرنسا، وصلت إلى حد الإيحاء بأن “ماكرون قد يجد صعوبة في حماية باريس” نفسها.
والمفارقة الغريبة والمثيرة للاهتمام تكمن في أن الدولة الفلسطينية التي وعد ماكرون بالاعتراف بها، هي في واقع الأمر الكيان الفلسطيني المعارض لحركة حماس. فمن المعروف أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لا تختلف كثيرًا في موقفها من حماس عن موقف إسرائيل. ويمكن العثور بسهولة على تسجيل للمؤتمر الصحفي لعباس وهو يستخدم عبارات بذيئة ضد حركة حماس، وإذا كان هذا يقال على العلن بهذا الوضوح، فلا شك أن العداء والصراع خلف الكواليس أعمق بكثير.
إن ما يقصده ماكرون بـ”الاعتراف بفلسطين” هو في الحقيقة الاعتراف بالسلطة الرسمية التي تشكّلت منذ عام 1993 وأخذت طابعًا مؤسسيًا، أي الاعتراف بجزء من فلسطين فقط. ذلك الجزء الذي تعترف به معظم الدول الغربية أصلاً كمخاطب رسمي، ومن ثم فإن اعتراف ماكرون “الرسمي” بدولة فلسطين لا يعدو كونه إقرارًا بأمر واقع. فـ”الاعتراف بفلسطين” في ظل هذه الشروط، يعني ببساطة إعلان الانحياز إلى طرف محمود عباس في الانقسام والتجزئة داخل فلسطين. والواقع أن فرنسا لم تغير موقفها هذا منذ سنوات، إذ ظلت ثابتة على هذا الخط في سياستها الخارجية الرسمية. وباختصار، فإن “الاعتراف بفلسطين” يبقى خطوة رمزية للغاية، ولا تملك في الميدان أي قدرة فعلية على المساهمة في حل المشكلات القائمة.
ورغم ذلك، فإن الغضب الإسرائيلي المتفجّر جرّاء هذا الموقف الفرنسي يكشف بوضوح أن سلطة الاحتلال الصهيوني قد أوصدت أبوابها أمام أي مبادرة تهدف إلى التهدئة أو الحل السلمي مع الفلسطينيين، حتى لو كانت مع محمود عباس نفسه. إنها حالة من العداء الهستيري التي ترفض حتى الاعتراف بسلطة رام الله، وهو ما يكشف عن مدى التحسس الإسرائيلي من كل ما يمت لفلسطين بصلة. وعلى العالم أجمع أن يدرك أنه لا يمكن تحقيق أي سلام مع مثل هذه الإدارة والعقلية، وعليه أن يعيد حساباته بناءً على هذا الواقع. فنتنياهو والعصابة التي يتزعمها لا يسعون إلى سلام، بل إلى مزيد من الدمار والخراب فقط.
وهناك نقطة أخرى تستحق التوقف عندها في هذا السياق، وهي أن حركة “حماس” لا تزال قائمة ولم يتم القضاء عليها، رغم أن الحرب أوشكت على إتمام عامها الثالث. فرغم الخسائر الجسيمة التي لحقت بقيادتها، والأزمة الإنسانية العميقة التي يعيشها قطاع غزة، فإن “حماس” لا تزال حتى اليوم حاضرة على طاولة جميع مفاوضات السلام كلاعب أساسي. والواقع الميداني يفرض ذلك. وقد يبدو هذا الكلام للبعض مجرّد “عزاء بائس”، لكن الحقيقة تبقى واضحة: إسرائيل فشلت في هزيمة حماس.
ومن المعروف أن بعض الحكومات في العالم العربي تُحمّل حماس مسؤولية المجاعة التي فرضتها إسرائيل على أهل غزة. وهذا التفسير هو السائد لتبرير عدم التحرك، ولو على مستوى تقديم المساعدات الإنسانية. فالفكرة السائدة تقول: “حماس هي من تسببت بهذه الأزمة، ولأنها لا تتراجع عن مواقفها حفاظًا على مكاسبها السياسية، فإن أهل غزة يتضورون جوعًا. وعليه، فحماس أول من يتحمّل مسؤولية مصيرهم.” وهذا المنطق نفسه تتبناه إسرائيل، فهي تسعى لإخضاع حماس وإجبارها على القبول بشروطها من خلال تجويع أهل غزة.
ولكن في إسرائيل، ثمّة عقلية سياسية قد تجردت بالكامل من إنسانيتها. ولذلك، لا جدوى من مخاطبتها بلغة العقل والمنطق. أما الأنظمة العربية التي تتبنى هذا المنطق أيضا فيجب أن تتحرر من هوسها بتجريم حركة “حماس”، وتنظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية أوسع وأشمل. فرغم عقود من الاحتلال الصهيوني، ورغم كل ما يحظى به من دعم دولي ولوبيات ضغط، لم يتمكن حتى الآن من تحقيق الأمن لكيانه. ولن يكون المستقبل أفضل من الماضي. فالمأساة الفلسطينية تملك من القوة ما يكفي لزلزلة كل عروش وأنظمة العالمين العربي والإسلامي. وإذا لم تُتخذ خطوات صادقة وجادة نحو الحل، فإن الجميع دون استثناء سيكون عرضة للعاصفة القادمة، ولا مأمن لأحد منها.