محمد عاكف صويصال يني شفق ترجمة وتحرير اخبار تركيا

هناك موضوع لم يحظَ باهتمام كبير في تركيا حتى الآن، لكنه أصبح الآن يحظى بأهمية بالغة: المعايير.

لماذا المعايير مهمة؟

تكتسب المعايير أهمية حاسمة في عدة جوانب، مثل:

توحيد القواعد، مما يعزز التعاون ويؤدي لاحقًا إلى إلزامية هذا التعاون.
تصدير الثقافة في نهاية المطاف.

أما معايير التجارة، فتنتشر عادةً في العديد من المجالات، مثل:

التنظيمات الفنية
القواعد البيئية
أمن البيانات
ظروف العمل

المعايير التي تحددها الدولة القوية بناءً على بنيتها التحتية التكنولوجية ونظامها الإنتاجي تمنح منتجاتها وشركاتها ميزة تنافسية. وبالتالي، تعيق الدولة القوية بشكل غير مباشر المنافسة ضد منتجاتها. خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل:

الدفاع
الطاقة
البرمجيات
الأجهزة الطبية

فعندما تفرض دولة ما معاييرها في هذه المجالات، تزيد من اعتماد الآخرين عليها، مما يمنحها تفوقًا استراتيجيًا. كل هذا يؤدي إلى تعزيز القوة الناعمة (Soft Power)، مثل:

تصدير المعايير الثقافية والعلمية والفنية، مما يعزز الصورة العالمية وجاذبية الدولة القوية.

زيادة نطاق تأثير خدمات التعليم والاستشارات والهندسة الة بها.

العلاقات التركيةالسورية في إطار موضوع المعايير

يجب تناول العلاقات بين تركيا وجارتها سوريا من خلال هذا الموضوع. فعلى الرغم من أن الاقتصاد السوري وقوة شرائه تبدو صغيرة اليوم أمام سكان يتراوح عددهم بين 2025 مليون نسمة، إلا أنه قريبًا جدًا، وبفضل الدعم السياسي التركي، سينهض النظام الحكومي والاقتصاد السوري، ليصبح سوقًا قيّمًا لتركيا.

في هذه المرحلة، الدولة التي تفرض معاييرها في سوريا منذ البداية ستكون الشريك التجاري الأهم والأكثر استمرارية في المستقبل.

لنأخذ مثالًا واحدًا فقط:

تعمل صناعة السيارات التركية وفق معايير الاتحاد الأوروبي في محركات الاحتراق الداخلي، سواء في السوق المحلية أو معايير الإنتاج. أي أن إنتاجنا بأكمله، سواء في الصناعة الرئيسية أو الفرعية، يتم ضمن أطر معايير الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، تتمتع المعايير الأمريكية بقوة كبيرة في صناعة السيارات عالميًا. فمعظم دول الشرق الأوسط، باستثناء الفترة الأخيرة، تعتمد في الغالب على المعايير الأمريكية.

صناعة السيارات هي رائد صادراتنا في العقد الأخير. هناك فرق بنسبة 100% لتركيا بين أن تتبنى سوريا معايير الاتحاد الأوروبي (التي تنتمي إليها تركيا) أو المعايير الأمريكية.

إذا تبنت سوريا المعايير الأمريكية أو الصينية، فسيصبح تصدير السيارات التركية مستحيلًا. وبالتالي، لن تتمكن الصناعات الفرعية من بيع قطع الغيار أيضًا. وسنخسر لـ عقود.

أما إذا تبنت سوريا معايير الاتحاد الأوروبي، فسنضيف سوقًا يعادل ربع حجم سوقنا تقريبًا. ومع الأخذ في الاعتبار ميزتنا اللوجستية والاجتماعية بسبب الجوار، فإن تركيا ستستفيد بشكل كبير.

ملاحظة مهمة

ما أكتبه هنا ليس دعوة لـ “إمبريالية المعايير”، أي فرض الأولوية التركية بأي ثمن. بل سيكون لسوريا أيضًا مزايا مهمة، مثل:

الاعتراف السياسي: حكومة سوريا، التي تحتاج إلى الاعتراف السياسي والتعاون، ستكسب دعم الاتحاد الأوروبي إذا تبنت معاييره.

الدعم التجاري: الشركات ذات النفوذ السياسي الكبير في البرلمان الأوروبي ستدعم استقرار سوريا.

كما يجب أن ننظر إلى الأمر من جانبين:

تصدير تركيا إلى سوريا.
تصدير سوريا إلى تركيا.

بل إنه نتيجة للتحول التركي، قد يرى رجال الأعمال الأتراك أن الاستثمار في سوريا مناسب في العديد من القطاعات التي فقدت ميزة التكلفة في تركيا. وستظل جميع روابط هؤلاء رجال الأعمال مركزة على أوروبا.

وزارة الصناعة والتجارة متأخرة في هذا الصدد

بالطبع، اصطحاب رجال الأعمال إلى سوريا مهم، لكن الأهم هو التحركات الاستراتيجية مثل لعبة الشطرنج، لضمان المكاسب على المدى المتوسط والطويل. وهذا لا يحدث برجال الأعمال فقط.

من الضروري أن يعطي وزيرنا الموقر عمر بولات الأولوية لهذا الموضوع. وإلا، فبعد إعادة بناء سوريا قريبًا، سنذهب ونعود مع الوفود مرارًا كما حدث مع دول الشرق الأوسط الأخرى، ونوقع الاتفاقيات دون أي تقدم حقيقي. وسنفتخر فقط بـ “حصولنا على خدمتين استشاريتين”.

هذا الأمر ينطبق أيضًا على أفريقيا

هذه المسألة الملحة تنطبق تمامًا على الدول الأفريقية التي تقيم علاقات مع تركيا وتستعد للنهوض. يجب على معهد المعايير التركي أن يلعب دورًا عالميًا الآن، وأن يكون هدفه الرئيسي الأسواق الخارجية وليس السوق المحلية.

ولتحقيق ذلك، يجب أن ينفذ دبلوماسية معايير مكثفة بدعم من وزارة التجارة.

عن الكاتب


شاركها.