الإسلام هو هويتنا العليا

آيدن أونال يني شفق ترجمة وتحرير اخبار تركيا
في كلمته خلال برنامج “مدرسة القيادة” التابعة لأكاديمية الهيكل التنظيمي لحزب العدالة والتنمية، قال الرئيس أردوغان: “لقد ربطت الجغرافيا والتاريخ بين الأتراك والعرب والأكراد برباط لا ينحل ولا يتفكك. معركة ملاذكرد، وجالديران، والريدانية، وكذلك فتح القدس والقسطنطينية، هي انتصارات مشتركة للأتراك والعرب والأكراد. عندما تحالفنا في هذه الجغرافيا، كبرنا وقوينا وحكمنا العالم”.
كما تضمنت كلمة الرئيس أردوغان يوم الجمعة خلال لقاء شباب حزب العدالة والتنمية في إسطنبول إشارات تاريخية. قال الرئيس: “لسنا أمة ظهرت على مسرح التاريخ منذ 100 أو 200 عام. جاء المغول من الشرق فأحرقوا ودمروا، لم يتركوا حجرًا على حجر ولا رأسًا على جسد، لكننا لم نستسلم. جاء تيمور بفيلته وجيشه وغزا الأناضول من أقصاها إلى أقصاها، لكننا لم ننهزم ولم نضعف. جاء شاه إسماعيل من الداخل والخارج وهز أركان وطننا، لكننا لم نستسلم… خرجنا من كل فترة فتنة أقوى، ونهضنا بعد كل هزيمة. في ذاكرتنا كأمة، وفي أرواحنا، وفي الدم الذي يجري في عروقنا، هناك تراكم تلك التجربة التاريخية. نحن أمة عظيمة، أمة تفكر بعظمة”.
تثير تصريحات الرئيس أردوغان، التي تضع الحقائق التاريخية في مكانها الصحيح وتسعى لرسم منظور صحيح للمستقبل، ردود فعل غاضبة من العنصريين. على سبيل المثال، جاءت ردود الفعل على تصريحاته المذكورة أعلاه بأقوال مثل: “ملاذكرد انتصار للأتراك فقط”، “تيمور وشاه إسماعيل إخوتنا، ومعركة أنقرة وجالديران صراع بين الإخوة”، “لا وجود للأكراد والعرب في أي مكان من ملاذكرد حتى حرب الاستقلال”.
لقد حبس الكماليون التاريخ في إطار ضيق، خاصة في الكتب المدرسية، من أجل بناء أمة جديدة. كما أن أشخاصًا مثل إلبير أورطايلي وجلال شانغور، الذين يعانون من ضعف أخلاقي وجهل ويشوهون حقائق التاريخ بحثًا عن الشهرة، نشروا تصورًا خاطئًا للتاريخ بدعم داخلي وخارجي، مما أدى إلى انحراف الشباب.
في تركيا، تنتشر في السنوات الأخيرة، خاصة بين الشباب، نزعات عنصرية تروج لأوهام مثل: “لا صديق للأتراك إلا الأتراك”، “الأتراك أُجبروا على اعتناق الإسلام”، “الإسلام دين عربي لا يتوافق مع طبيعة الأتراك”، “يجب على الأتراك العودة إلى أصولهم والتحول إلى التنغرية والشامانية”، “لا شيء مشترك بين الأتراك والأكراد والعرب”. وللأسف، يجد هذا الخطاب الكثير من المؤيدين.
والغريب أن هذه الأوهام وأمثالها لا تمجد التركية، بل تخدم الصهيونية والإمبريالية بوضوح، وتشكل تهديدًا لوجود الأتراك وتركيا تحت شعار “التركية”.
أصولنا العرقية هويات موروثة من الأجداد لا يمكننا رفضها أو تغييرها. أما ديننا، الإسلام، فهو اختيارنا الشخصي، وإن كان موروثًا أيضًا. أي أن ديننا هو هوية عليا تفوق هويتنا العرقية.
إذا نظرت إلى الحروب والصراعات التي حدثت في التاريخ أو تحدث اليوم في العالم بنظرة موضوعية، ستجد أن الاختلافات العقائدية لعبت دورًا أكبر من الصراعات العرقية أو المصالح. إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد المسلمين، وليس ضد الفلسطينيين فقط. مشكلة الهند مع المسلمين. في لبنان والعراق واليمن، تكمن جذور الصراعات الداخلية في الاختلافات المذهبية. الحرب الأهلية السورية كانت حربًا مذهبية. من يستطيع أن ينكر أننا دافعنا عن أراضينا ضد الصليبيين في حرب الاستقلال وفي الحرب العالمية الأولى؟ ألم تكن روح الفتح العثماني قائمة على الجهاد وفكرة إعلاء كلمة الله؟ ألم يكن التعصب المذهبي هو ما دفع شاه إسماعيل لمهاجمة الأوزبك في الشرق والعثمانيين في الغرب؟ هل يمكن تفسير الحروب على القدس بالصراعات العرقية؟
كيف تفسر وجود الأتراك غير المسلمين (الغز والقيبجاق والبيشنك) في جيش بيزنطة بينما تحالف المسلمون من الأتراك والعرب والأكراد في جيش ألب أرسلان في ملاذكرد؟ وكيف تفسر تبادل المسلمين غير الأتراك من البلقان مع الأتراك غير المسلمين من قره مان بعد تأسيس الجمهورية؟
لا تظن أن حروب الدين والطوائف حكر على الشرق. إذا لم تقرأ الحرب العالمية الثانية كصراع بين المسيحيين واليهود، أو بين البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس، فلن تفهم سبب مقتل 80 مليون إنسان. وكذلك الحرب العالمية الأولى. أليست مجزرة غزة اليوم، التي تشاهدها أوروبا بل وتدعمها، حربًا دينية؟ أليست مذبحة البوسنة، حيث تحارب الكروات الكاثوليك والصرب الأرثوذكس ثم يتحدون لارتكاب الإبادة الجماعية ضد المسلمين البوشناق، حربًا دينية؟ هل يمكن نسيان الوحشية التي أدت إلى ولادة فكرة العلمانية في أوروبا بعد حروب الثلاثين عامًا المذهبية التي قتلت 8 ملايين إنسان؟
وهناك أمثلة أخرى كثيرة…
في تركيا، هويتنا العليا هي الإسلام. ما جلبنا إلى هنا، وما جعلنا موجودين هنا، وما يبقينا متحدين هو إسلامنا. من يشن الحرب على هذه الهوية العليا، فإنه يشن الحرب على تركيا، وعلى وجودنا في هذه الأرض، وعلى سبب وجودنا، وعلى الأتراك أنفسهم. بل إنه يشن هذه الحرب نيابة عن الصهيونية والإمبريالية تحت قناع “التركية”.
لهذا فإن قراءة التاريخ بشكل صحيح، وتعليمه بشكل صحيح، ووضع الأحداث في مكانها الصحيح، أمر في غاية الأهمية.
عندما يشير الرئيس أردوغان في خطاباته إلى التاريخ، ويعرضه بكل صدقه، فإنه يؤكد على الرابط الذي يجعلنا أمة، وهو هويتنا الإسلامية العليا التي تجمعنا. إنه يقوم بعمل صحيح ومؤثر لدرجة أن الذين زوروا التاريخ لعقود، والجماهير التي خدعوها، يصرخون غضبًا.