حسناء جوخدار اخبار تركيا

في قلب سهول قونيا الذهبية، حيث تهمس الرياح بحكايات منسية منذ فجر الزمن، يقبع تل تشاتال هويوك الشامخ كشاهد عيان على أولى نبضات الحضارة الإنسانية. هنا، قبل تسعة آلاف عام، رسم الإنسان أولى خطواته نحو الاستقرار، وبنى ليس فقط منازل من طين وقصب، بل شيد أسس المجتمع البشري بكل ما يحمله من إبداع وروحانية.

هذه البقعة السحرية التي تختزل في طبقاتها الترابية قصة الانتقال من حياة الترحال إلى حياة القرى والزراعة، تبوح بأسرارها عبر جدران مزينة برؤوس حيوانات محنطة ولوحات فنية تعتبر أولى محاولات الإنسان للتعبير عن عالمه الداخلي.

تشاتال هويوك ليست مجرد موقع أثري، بل هي رحلة إلى اللحظة التي ولد فيها الفن والدين والمجتمع المنظم، حيث كانت الإلهة الأم تراقب بحنان أولى تجمعات البشر الذين اختاروا أن يصنعوا تاريخهم بأيديهم.

قائمة اليونسكو للتراث العالمي

تُعد تشاتال هويوك واحدة من أقدم المستوطنات المعروفة من العصر الحجري الحديث، حيث تلقي الضوء على تاريخ البشرية من خلال الاكتشافات الفريدة مثل أول هندسة معمارية للمنازل، وأول لوحة منظر طبيعي، وطقوس عبادة الإلهة الأم، والأعمال الفنية الدينية.

تقع تشاتال هويوك في منطقة تشومرا التابعة لولاية قونيا، وقد تم اكتشافها عام 1958. وما زالت الحفريات العلمية مستمرة حتى اليوم بشكل مكثف.

تعود أقدم الاكتشافات في هذه المدينة النيوليتية المذهلة بفنها الاستثنائي إلى عام 7400 قبل الميلاد. وتُعتبر المدينة مفتاحًا دوليًا لفهم أسس الحضارة والزراعة. يُعتقد أن نمط الاستيطان وتخطيط المدينة في تشاتال هويوك يعكسان مُثُل المساواة.

أُدرجت تشاتال هويوك في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012.

عمارة تل عمره 9400 عام

يتميز تل تشاتال هويوك البالغ ارتفاعه 21 مترًا بتصميم معماري فريد: فعندما تنتهي دورة حياة منزل عائلة ما، كان يُردم بالتراب ويُبنى فوقه منزل جديد. وتكرر هذا الأمر حتى تشكل التل الحالي. وقد تم الكشف عن 18 طبقة معمارية حتى الآن. استُخدم في البناء مواد مثل الطوب اللبن، والأخشاب، والقصب. أما الأسقف فكانت تصنع من طبقة طينية مضغوطة فوق القصب.

كانت المنازل تتألف من طابق واحد، ويتم الدخول إليها عبر فتحة في السقف مع سُلّم. يتكون كل منزل من غرفة معيشة ومخزن. تحتوي الغرف على مواقد مربعة الشكل، وكانت الجدران مطلية بالجص ثم تُدهن باللون الأبيض قبل رسم لوحات بالأصفر والأحمر والأسود. كما وُجدت رؤوس ثيران وكباش وغزلان محنطة بالطين ومثبتة على الجدران. بالإضافة إلى ذلك، زُينت الجدران بنقوش بارزة لشخصيات بشرية وحيوانات.

تُظهر تشاتال هويوك أن تاريخ التعدين في الأناضول يعود إلى العصر الحجري الحديث، كما تُبرز الاكتشافات الغنية أن سكانها كانوا يمارسون الزراعة إلى جانب الصيد وجمع الثمار. وتُعد هذه المدينة أول مستوطنة تُصور مخططًا حضريًا على جدرانها. كما تدل الأختام الطينية على بداية مفهوم الملكية في تلك الحقبة.

الإلهة الأم والرموز الدينية

من بين أهم القطع المكتشفة في تشاتال هويوك تماثيل الإلهة الأم بالنحت البارز، والتي تُظهر أن المعتقدات الدينية كانت تدور حول إلهة قوية، مما يعكس تقديسًا للأنوثة الإلهية.

بيانات اليونسكو:

تاريخ الإدراج: 2012

رقم القائمة: 1405

معايير الإدراج: (II)، (IV)

الفئة: ثقافي

الموقع: منطقة وسط الأناضول، ولاية قونيا، منطقة تشومرا


المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية

عن الكاتب


شاركها.