اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، بصحيفة يني شفق المحلية، تحليلاً معمقاً للتحولات الجيوسياسية في الملف السوري خلال السنوات الأخيرة، مع التركيز على صراع النفوذ بين تركيا، الولايات المتحدة، وإسرائيل.
يسلط بستان الضوء على دور تنظيمي “داعش” و”واي بي جي” في مشروع إنشاء ممر إرهابي شمال سوريا، وكيف تصدت له أنقرة عبر عمليات عسكرية رغم المعارضة الأمريكية، مستعرضا عودة النفوذ الإسرائيلي في صياغة السياسة الأمريكية تجاه سوريا، خاصة بعد عودة ترامب للسلطة، وسعي تل أبيب لتحقيق ما يُعرف بـ”ممر داود” عبر الجنوب السوري.
ويتطرق الكاتب إلى التفاهمات المحتملة بين قسد ودمشق، والعرض الأمريكي الأخير، إلى جانب الحديث عن اتفاق مرتقب بين سوريا وإسرائيل قد يُعلن عنه في نيويورك، في ظل عودة القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) لتصدر المشهد على حساب الخارجية. وفيما يلي نص التقرير:
في تلك الأيام، كانت هناك محاولات لإنشاء ممر إرهابي في شمال سوريا. كان تنظيما داعش و “واي بي جي” الإرهابين على حدودنا مباشرة، وقد نقلت واشنطن سياساتها الأمنية الإقليمية إلى القيادة المركزية الأمريكية، بينما بدا أن وزارة الخارجية الأمريكية وأجهزتها الاستخباراتية غائبة عن المشهد إلى حد كبير. وقد جعلت القيادة المركزية الأمريكية من “واي بي جي” شريكًا في التحالف، ودعمته بشكل واضح ومعلن.
لقد كانت هذه هي القضية من أكثر الملفات إثارة للتوتر في العلاقات التركية الأمريكية في السنوات الأخيرة: علاقة الولايات المتحدة بتنظيم “واي بي جي” الإرهابي. وقد عُقدت مئات الاجتماعات بين العاصمتين حول هذه القضية. لكن الأمريكيين كانوا يدافعون عن موقفهم بأسلوب يستخف بذكائنا. لقد سعت الولايات المتحدة إلى منع أي عملية تركية محتملة في سوريا، ولكنها فشلت.
لقد كانت أحلامهم تتمثل في إنشاء ممر/دولة إرهابية تمتد على طول الحدود التركية وصولاً إلى البحر المتوسط. لكنها فشلت. فقد تم تدمير الممر في شمال سوريا عبر سلسلة من العمليات رغم معارضة الولايات المتحدة.
تطورات غيرت المعادلة الإقليمية
توالت التطورات بعد ذلك بشكل سريع. ففي فترة ترامب الأولى، بدأت الولايات المتحدة بإعادة النظر في منظورها الإقليمي، وسعت إلى إنشاء بنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط، تتمحور حول أمن إسرائيل، مع تقليص وجودها الإقليمي وتوجيه اهتمامها نحو الصين. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ازدادت الاتصالات بين واشنطن وأنقرة خلال فترة بايدن. وما حدث في غزة بعد 7 أكتوبر 2023 هز المعادلات الإقليمية بعمق. وفي أوائل مارس 2024، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات قالن واشنطن، حيث نوقشت بعض القضايا الإقليمية بشكل معمق.
أما التطور الذي سرّع وتيرة الأحداث فهو عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الذي كان يدعو للانسحاب من سوريا. فقد صرح ترامب فور توليه منصبه بأن “مفتاح سوريا بيد تركيا”، أي أنه سيُدير ملف سوريا مع أنقرة. وفعلاً، تم تعيين السفير الأمريكي باراك مبعوثا خاصا لسوريا أيضاً، والتقى بالرئيس السوري الشرع في الرياض، ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، وأكد على وحدة الأراضي السورية. وكان المتوقع أن تحافظ واشنطن على موقفها في ملف سوريا بالتنسيق مع أنقرة.
حلم إسرائيل.. ممر داود
والجدير بالملاحظة هو التأثير الحاد لإسرائيل في سياسات الولايات المتحدة. فإسرائيل لم تقبل بتنسيق واشنطن مع أنقرة حول ملف سوريا. وبفضل قوة اللوبي وإصرارها، ضيقّت الفجوة بين واشنطن وتل أبيب بشأن مسألة إيران، وتمكنت من دفع ترامب لمهاجمة إيران. واندلعت حرب الأيام الاثني عشر في يونيو/حزيران. وبعد بضعة أسابيع، أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للعمل في سوريا. فالأحداث في السويداء في يوليو، والتي بدأت بخطف رجل أعمال درزي، تُعد عملية استخباراتية نموذجية. فالجماعات الانفصالية الدرزية والمنظمات المحلية الصغيرة والكبيرة كانت تتلقى دعمًا إسرائيليًا منذ سنوات.
إسرائيل التي تحاول تقسيم سوريا إلى أربعة أجزاء وتسعى لتحقيق حلم ممر داود، حققت تقدماً في جهود نزع السلاح في جنوب سوريا من خلال أحداث السويداء، كما ساهمت في انحراف مسار قسد. (أوصي بقراءة تقرير وكالة “سبيشال يوراسيا” عن “ممر داوود”، فهو يوضح بشكل ممتاز خريطة الممر الممتد من الجولان إلى العراق، والموارد التي يهدف المشروع للسيطرة عليها).
عودة “القيادة المركزية” وانحسار دور “باراك”
تُظهر بعض التطورات أن إسرائيل بدأت تتحكم في صياغة السياسة الأمريكية بشأن سوريا. قائد سينتكوم الموالي لقسد، كوريلّا، غادر منصبه وحل محله الأدميرال براد كوبر، الذي بدأ أولى خطواته بالتواصل مع مظلوم عبدي في سوريا. يبدو أن سينتكوم بدأت تستعيد زمام المبادرة، في حين يلاحظ تراجع دور الخارجية الأمريكية ممثلة بـ توماس باراك، الذي بدأ يعيد صياغة مواقفه، قائلا: “ليس المطلوب إقامة نظام فيدرالي كامل، بل صيغة أقل حدة.”
وبحسب ما قرأت في صحيفة “ذا ناشيونال”، قدمت الولايات المتحدة عرضاً جديداً لقسد للتوصل إلى اتفاق مع دمشق، يقضي بـ “الاندماج الجزئي في الجيش السوري”. وهذا يعني أن قسد لن تتخلى عن أسلحتها، وهو أمر لا يمكن لتركيا قبوله.
اتفاقية نيويورك
في المقابل، وجهت الولايات المتحدة رسالة إلى قسد مفادها: “تخلوا عن الأراضي العربية والنفط التي تسيطرون عليها”. كما حذروهم بقولهم: “لا يمكن لإسرائيل أن تحمي أقليتين في وقت واحد، والأولوية ستكون دائمًا للدروز.”
ووردت تقارير تفيد بأن سوريا وإسرائيل ستوقعان اتفاقاً في نيويورك برعاية ترامب نهاية هذا الشهر. وأجرى البلدان محادثات على مستوى منخفض، . ويُفترض أن المحادثات قد أحرزت تقدمًا، حيث أفادت قناة كان نيوز بأن وزراء الخارجية سيجتمعون خلال الأيام المقبلة، على الأرجح لإرساء البنية التحتية لاتفاق نيويورك. كما سيُتيح الاتفاق المرتقب بشأن أمن الحدود بين البلدين فهمًا أعمق لاتجاه قسد. وفي إطار سياسة القيادة المركزية الأمريكية، فإن مسار الأحداث بات واضحاً إلى حد كبير، وما تبقى هو التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة.