اخبار تركيا

الجزيرة: الصادرات العسكرية تمنح تركيا عناصر قوة للنفاذ إلى أسواق جديدة وفارقة

اخبار تركيا

أشار تقرير موسع لموقع الجزيرة نت إلى أن تركيا تُراكم منذ سنوات منجزات جيوسياسية مهمة تستند على جملة من العوامل والمقومات تتلاءم مع المتغيرات العالمية وتستفيد منها، وأن الصادرات العسكرية تمنح أنقرة عناصر قوة مكنتها من النفاذ إلى أسواق جديدة وفارقة، ولعل آخرها الاستحواذ على شركة “بياجيو أيروسبيس” الإيطالية الرائدة لصناعة الطيران.

وتعد الصناعات الدفاعية والعسكرية وتصديرها إلى الشركاء والحلفاء إضافة نوعية للدور التركي إقليميا وعالميا. ويرفد ذلك الدبلوماسية التركية شديدة المرونة، والحضور الاقتصادي بفضل الصناعات الأخرى المتطورة والمتنوعة، والشركات الرائدة متنوعة الاختصاصات، كما يستثمر في القوة الناعمة للدولة ببعدها الثقافي والتاريخي والحضاري. وكل ذلك جعل تركيا قادرة على أن تكون شريكا كاملا وموثوقا ومرغوبا إقليميا وعالميا، بحسب موقع الجزيرة.نت.

وإلى جانب مشروع النهوض التركي للحصول على دور عالمي، لعبت التحولات الدولية والمتغيرات الجيوسياسية أيضا دورا مهما في تطور الصناعات العسكرية لأنقرة بدءا بالطائرات المسيّرة، إذ لم تعد الساحة العالمية بمجالاتها الاقتصادية أو السياسية وأيضا العسكرية معقودة لقطب واحد مهيمن.

فقد دفعت القيود الغربية وخصوصا الأميركية على بعض واردات السلاح، تركيا مع توجهها للعب أدوار إقليمية بارزة وتنويع شراكاتها إلى مواجهة تلك الضغوطات وتجاوزها بتكثيف الاستثمار في التصنيع العسكري.

كما ساهم توجه تركيا لتعزيز نفوذها وحفظ مصالحها الإستراتيجية، سواء في ليبيا أو سوريا أو البلقان أو القوقاز في بناء قاعدة صناعات عسكرية ذاتية قوية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بالدرجة الأولى والتوجه نحو التصدير.
ضمن آخر هذه الاختراقات، استحوذت شركة “بايكار تكنولوجي” التركية (Baykar Technology) على إحدى أكبر الشركات العالمية في الصناعات الجوية وهي “بياجيو أيروسبيس” (Piaggio Aerospace) الإيطالية، مما يعد توسعا مهما لنفوذ الشركة التركية الرائدة في إنتاج المسيّرات بسوق الطيران الأوروبية والعالمية، ويعزز ابتكاراتها وقدراتها الإنتاجية.

وكانت شركة “بياجيو” موضوعة تحت الحراسة القضائية منذ عام 2018، وسبق أن استحوذت عليها شركة “مبادلة” الإماراتية للتنمية في عام 2014، لكن الصفقة شهدت تعثرا وخلاقات مع الحكومة الإيطالية.

وأنشئت الشركة الإيطالية العملاقة عام 1884 على اسم مؤسسها رجل الأعمال الإيطالي، رينالدو بياجيو، وهي واحدة من أقدم شركات تصنيع الطائرات في العالم، وطورت أكثر من 25 طرازا منها.

ويرى محللون أن استحواذ “بايكار” على الشركة إيطالية العريقة، سيمكنها من النفاذ إلى الأسواق الأوروبية، وكذلك المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي، ويضمن حماية مشاريع الشركة وأعمالها في أوروبا، حال حصول أي أزمات بين تركيا والاتحاد أو دوله.

من جهة أخرى، قد يعيد هذا الاستحواذ تركيا إلى السوق الأميركية ضمن برنامج مقاتلات “إف 35″، حيث تعمل الشركة الإيطالية كمزود فرعي ضمن مشروع المقاتلة الذي تنفذه شركة لوكهيد مارتن الأميركية العملاقة، وفق تحليل لمجلة “ديفنس” (Defense).

وكانت تركيا جزءا من البرنامج، حيث صنّعت الشركات التركية أجزاء من تلك المقاتلة المتطورة متعددة الأغراض، لكن في عام 2019 علقت الولايات المتحدة مشاركة أنقرة بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400″، على اعتبار أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
بدأت تركيا منذ عام 2017 تصدير طائراتها المسيرة، وفي غضون 7 سنوات انتشرت في أجواء وقواعد نحو 35 دولة، بما في ذلك أوروبا (بما فيها دول ضمن حلف الناتو) وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ورغم الأهداف التجارية المهمة لتلك الصفقات فإنها جلبت شراكات لتركيا جديدة وعززت نفوذها مع حلفائها ومصالحها الإستراتيجية.

وضمن آخر تلك الصفقات، أعلنت الحكومة الكينية في يناير/كانون الثاني شراء 6 مسيّرات تركية من طراز “بيرقدار 2″، بما يوسع انتشار المسيّرات التركية في الأسواق الأفريقية والعالمية.

تزامن البروز التركي في مجال تصنيع المسيّرات مع تحولات في تكتيكات الحروب وطبيعتها وزياد الطلب العالمي على هذا النوع من الطائرات، خصوصا المسلحة منها لدورها في حسم المعارك وتقليل الخسائر.

ورغم ريادة شركة “أسيلسان” (Aselsan) الحكومية التي تأسست عام 1975، ومؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI) التي تأسست عام 1984، مثلت شركة “بايكار”(Baykar Savunma)، التي تأسست عام 1984، علامة فارقة في صناعة الطائرات المسيرة واقتحام الأسواق العالمية، خصوصا بعد أن تسلم سلجوق بيرقدار إدارتها الفنية عام 2007.

وتصف وسائل الإعلام التركية والعالمية المهندس التركي الشاب سلجوق بيرقدار (1979) بأنه “الأب الروحي للطائرات المسيّرة التركية”، فهو خريج قسم هندسة الإلكترونيات والاتصالات في جامعة إسطنبول، وحاصل على درجتي ماجستير من جامعة بنسلفانيا (2004) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق بالولايات المتحدة (2006) في مجالات هندسة أنظمة إلكترونيات الطيران والتحكم بالطيران الآلي وتطوير خوارزمية الملاحة.
عاد الشاب الطموح إلى تركيا ليصبح المدير الفني والتقني لشركة “بايكار” للصناعات الدفاعية منذ عام 2007، وكبير مهندسي تصميم وتشغيل أول أنظمة الطائرات من دون طيار (المسيّرات) في تركيا.

وبدأت الطفرة التكنولوجية بطائرة “بيرقدار ميني يو إيه في” (Bayraktar MINI UAV) فقد طورتها الشركة تحت إشراف سلجوق بيرقدار، كأول مسيّرة محلية في تركيا.

كما طوّر لاحقا مسيّرة “بيرقدار تي بي 2” (Bayraktar TB2 S/UAV)، التي دخلت الخدمة عام 2014 واشتهرت على نطاق واسع، ولاحقا ظهرت النسخ الأولى من طائرة “بيرقدار أقنجي” (Bayraktar Akıncı) الثقيلة التي طورتها شركة “بايكار” أيضا.

وبالإضافة إلى فئة بيرقدار بأنواعها، تصنّع تركيا طائرات مسّيرة من فئتي “أنكا” (ANKA) و”أكسنغور” (Aksungur) في معامل مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI)، كما أطلقت مقاتلة “بيرقدارقزل إلما” (Bayraktarkizilelma) المسيرة والتي تتميز بخاصية التخفي والمناورة السريعة، ويمكنها حمل 1.5 طن من الصواريخ والذخائر وتصل مدة طيرانها إلى 5 ساعات، وأنواعا أخرى.

وبذلك ساهم المهندس الشاب الذي تزوج لاحقا ابنة الرئيس رجب طيب أردوغان في وضع تركيا ضمن أهم 5 مصنعين للطائرات المسيرة عالميا، وفتح المجال أمام الصناعات الدفاعية التركية لولوج السوق العالمية.

وعلى المستوى التسويقي، لفتت المسيرات التركية الأنظار عسكريا ثم تجاريا بدورها الحاسم في تغيير موازين الصراع في ليبيا خلال حملة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس 2019 لفائدة حكومة الوفاق الوطني آنذاك التي تدعمها تركيا، ثم في شمال سوريا وأذربيجان وشمال العراق، وهو ما حوّلها من مجرد أداة عسكرية إلى مفتاح جيوسياسي ساهم في توسيع نطاق نفوذ تركيا العسكري والدبلوماسي.

ويرى محللون أن الطائرات المسيرة التركية ساهمت وما زالت في دعم السياسة الخارجية لتركيا وضمان مصالحها في المنطقة وتوسيع حضورها العسكري والدبلوماسي، إذ إن امتلاك ناصية القوة العسكرية وأدواتها يعد ميزة مهمة في خدمة السياسة الخارجية لأي دولة، وهي بلا شك ترفد صعود تركيا كقوة يتجاوز دورها البعد الإقليمي.
ويؤكد تقرير “مركز الأمن الأميركي الجديد” (سي إن إيه إس) لعام 2023 أن تركيا باتت تتصدر سوق المسيرات الاستطلاعية والمسلحة على المستوى العالمي. وتصنع تركيا إضافة إلى الصين وإيران مسيّرات ذات قدرات مميزة وبتكاليف منخفضة، ما قلص الاحتكار الأميركي والإسرائيلي (بدرجة أولى) عالميا، إذ إن تكلفة مسيرة “بريداتور” الأميركية تصل إلى 12 مليون دولار، مقابل 5 ملايين دولار لطائرة “بيرقدار تي بي 2” دون ذخائرها على سبيل المثال.

كما يشير محللون إلى أن الصين تعد حاليا المنافس الرئيسي لتركيا في سوق المسيّرات، مع تفوق تركي نسبي، وفي المقابل تعاني إسرائيل صعوبة في تسويق طائراتها التي لم تثبت قدراتها في العدوان على غزة أو لبنان ، مع ارتفاع أسعارها وتكلفة صيانتها مقارنة بنظيراتها التركية والصينية وحتى الإيرانية.

وفي السنوات الأخيرة، حصلت شركة “بايكار” على أكثر من 90% من إيراداتها من الصادرات وفق وسائل الإعلام التركية، ما يؤكد ارتباط الجانب التجاري والاقتصادي بالمكاسب الجيوسياسية الأكثر أهمية في الوقت الحالي بالنسبة لتركيا.
رغم الإرث التركي في الصناعات العسكرية البحرية والبرية، فقد فتحت تكنولوجيا المسيّرات التي طورتها وتم تسويقها على نطاق واسع آفاقا لتطوير الصناعات الدفاعية الأخرى، ووفرت بنية تحتية وفنية كبرى وموارد بشرية وخبرة مستدامة، وتعاونا وثيقا بين القطاعين العام والخاص.

ويرى محللون أن تركيا سعت منذ سنوات لتقليل اعتمادها على الأسلحة الغربية وتلبية احتياجاتها المحلية، فعملت على تعزيز الابتكارات والتقنيات المطورة محليا ووفرت الدعم اللازم لذلك، ما مكنها من تطوير قاعدة صناعية عسكرية في المجالات الجوية والبرية والبحرية ومختلف أنواع الأسلحة.

وبحسب تقارير صحفية تركية، فإن أنقرة خفضت اعتمادها على المعدات العسكرية المستوردة من حوالي 80% قبل عقدين إلى نحو 20% عام 2023، فيما رفعت أنقرة دعم المنتجات الدفاعية إلى نحو 90 مليار دولار عام 2023، ورفعت ميزانية الدفاع والأمن لعام 2025 إلى 47 مليار دولار (الأعلى في التاريخ) وفقا لمقترح الميزانية الحكومي.

وفي المقابل، بلغت قيمة صادرات الصناعات الدفاعية والطيران التركية 7 مليارات و154 مليون دولار في 2024، بزيادة 29% عن عام 2023، وفق رئيس هيئة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية خلوق غورغون.

ويشكل هذا المبلغ رقما قياسيا، إذ يفوق بنسبة 11% الهدف المنشود الذي حددته الحكومة التركية، كما أنه لا يبتعد كثيرا عن قيمة الصادرات العسكرية الروسية، التي بلغت 12.6 مليار دولار عام 2023، وهي دولة عظمى ورائدة في تصدير الأسلحة والمنتجات العسكرية بأنواعها منذ عقود.

ويؤكد سلجوق غورون أن بلاده باتت تصدر المنتجات إلى 180 دولة حول العالم، ولم تعد الصفقات تقتصر فقط على المسيّرات التي كانت مفتاح الأسواق العالمية، لافتا إلى أن “قطاع الصناعات الدفاعية التركي يعيد كتابة اللعبة في الساحة العالمية بفضل التقنيات التي يبتكرها”.

وفي عام 2023، أعلنت الشركات العسكرية التركية عن أكثر من 140 صفقة عسكرية، كما اختارت مجلة “ديفينس” (Defense) الأميركية 4 شركات تركية ضمن أفضل 100 شركة في العالم بناء على حجم مبيعاتها، وهي شركة “أسيلسان” (ASELSAN)، و””توساش (TUSAŞ)، و”روكيتسان” (ROKETSAN)، وشركة “أسفات” (ASFAT).

وعلى سبيل المقارنة، زاد عدد الشركات التركية التي تصنع معدات عسكرية مختلفة أو لها علاقة بالمجالات العسكرية من 119 شركة في القطاعين العام والخاص عام 2002، ليصل إلى 1500 شركة في عام 2022 حسب الصحافة التركية.

كما تطورت الصناعات الدفاعية التركية من حيث النوعية، حيث تتولى “شركة أسيلسان” إنتاج الأنظمة الإلكترونية للمعدات الحربية. وتختص “بايكار” في تقنيات الطيران المسيّر، وتتولى شركة “تاي” (TAI) تصنيع الطائرات بأنواعها، وتختص شركة “إس تي إم” (STM) تصميم القطع العسكرية البحرية وتصنيعها، وكذلك أنظمة الرادار وتقنيات الأقمار الصناعية. وتقوم شركة “روكيستان” (ROKETSAN) بصناعة الصواريخ والقذائف الموجهة.

وتعمل شركة “أوتوكار” (Otokar) في مجال تصنيع العربات المدرعة، مثل دبابة “ألتاي” (ALTAY) وغيرها من الآليات الثقيلة، فيما تختص عدة شركات في صناعة الذخائر المتنوعة.

وتمتلك تركيا قاعدة مهمة في الصناعات البحرية، وتتولى شركة “إس تي إم” تصنيع فرقاطات تعمل فعليا في البحرية التركية، ودشنت تركيا في أبريل/نيسان 2023 أول حاملة مروحيات باسم “تي سي جي أناضول”، بينما يتم تصميم أول حاملة طائرات مقاتلة، ستؤهل تركيا لدخول ناد تحتكره مجموعة صغيرة من الدول.

وضمن هذا التصنيف أيضا، باتت تركيا ضمن 4 دول تصنّع مقاتلة شبحية من الجيل الخامس، وقامت طائرة “قآن” (TAI TF Kaan) بأول رحلة تجريبية لها في فبراير/ شباط 2024، وينتظر أن تدخل إلى الخدمة خلال سنوات قليلة.

ومع هذا التطور الواضح واللافت في بنية الصناعات الدفاعية التركية خلال فترة قصيرة، تظهر بعض الثغرات المتعلقة بمواصلة الاعتماد على محركات طائرات ومركبات مصنعة خارجيا (أوكرانيا والولايات المتحدة وألمانيا) وأسلحة ومعدات أخرى نوعية مستوردة.

وفي وقت يصعب فيه الاعتماد الكلي في الصناعات العسكرية على خطوط الإنتاج المحلية، تمتلك أنقرة مشروعا ثابتا ومتعدد الأبعاد في هذا السياق، انطلق من هدف تلبية احتياجات المؤسسة العسكرية الذاتية بشكل رئيسي، لتمنحها “بيرقدار” أجنحة قادتها إلى مساحات جيوسياسية جديدة ونفوذ متزايد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *