اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، تحوّلًا لافتًا في الموقف التركي تجاه القضية الفلسطينية، كما عبّر عنه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال زيارته إلى القاهرة، حيث ربط بين العدوان الإسرائيلي على غزة والتطورات الإقليمية الأوسع، لاسيما اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا.

ويستعرض الكاتب رؤية تركيا الجديدة للمنطقة الممتدة من نهر النيل إلى بحر قزوين كوحدة جغرافية مترابطة، معتبراً أن مواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي تتطلب استنهاضاً شاملاً يتجاوز الحكومات ليشمل المجتمع المدني والجامعات.

كما يسلط الضوء على دور الدول الغربية في دعم سياسات إسرائيل التوسعية، ويؤكد على أهمية الحراك الشعبي والمؤسساتي في التصدي لما يُوصف بالإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:

يمكننا اعتبار التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية هاكان فيدان في العاصمة المصرية القاهرة، مرحلة جديدة في موقف تركيا من القضية الفلسطينية. ولا شك أن هذه التصريحات يجب أن تُقيّم بالتوازي مع الاتفاق الموقّع بين أذربيجان وأرمينيا في جنوب القوقاز. إذ أشار السيد فيدان إلى أهمية تزامن وجوده في القاهرة مع هذا الحدث، وربط بينهما بشكل مباشر. ومن هنا يمكن القول إن تركيا تنظر إلى المنطقة الممتدة من نهر النيل إلى بحر قزوين بوصفها كيانًا جغرافيًا واحدًا مترابطًا.

إن الأحداث في هذه الرقعة الواسعة ليست متشابكة في فوضى معقدة، بل مترابطة على نحو طبقي متسلسل. فلا يمكن تحليل العدوان التوسعي الإسرائيلي وإرهاب المستوطنين بمعزل عن الهياكل والتنظيمات مثل “بي كي كي” الإرهابي. ولهذا فإن النظر إلى قضايا المنطقة الممتدة من النيل إلى بحر قزوين بشكل متكامل يُعد شرطًا أساسيًا لإيجاد حلول فعّالة.

غير أن هذا المنظور إلى المنطقة الشاسعة من النيل إلى بحر قزوين لا يكفي وحده لضمان حل المشكلات القائمة، إذ إن جذور إسرائيل لا تمتد في هذه الجغرافيا، بل في أوروبا الغربية. فمنذ نشأتها، دأبت إسرائيل على الترويج لخطاب “الحرب الدينية”، مستندة إلى اللاهوت اليهودي، وسعت إلى إضفاء طابع ديني على مشروعها الاستعماري التوسعي من خلال مفهوم “أرض الميعاد”، في محاولة لتقديم المشروع على أنه غير مفروض من الخارج. غير أن هذا الكيان لم يتمكّن يومًا من إخفاء طبيعته الدخيلة، فحين كانت ترهب السكان الأصليين في هذه الأراضي الشاسعة، كانت في الواقع تهيئ المجال لتدخل خارجي.

لقد اتخذ الصهاينة خلال أكثر من قرن خطوات لا يمكن تبريرها دينيًا لتحقيق أهداف استعمارية بحتة. فقد جاؤوا إلى هذه المنطقة من الخارج، وجعلوا من عدوانهم التوسعي وإرهابهم الاستيطاني أداة لزعزعة الاستقرار، وهذا هو نتاج كون الصهيونية أيديولوجية استعمارية. وكان البريطانيون أول من تبنى هذه الأيديولوجية. ومع ذلك، تعاملت تركيا في كل مرحلة مع إسرائيل بمنهج تسامحي ضمن شروط معينة، وغالبًا ما أدت هذه المقاربات إلى سوء فهم. ورغم كل ذلك، أبدت إسرائيل نيتها في إعادة احتلال غزة وضم الضفة الغربية. ويجب أن ندرك أن حديث هاكان فيدان عن “مرحلة جديدة” يستند إلى هذه الحقيقة.

وتعتبر تصريحات السيد هاكان فيدان، التي وصف فيها خطة إسرائيل لاحتلال غزة بأنها “مرحلة جديدة من السياسة التوسعية والإبادة الجماعية الإسرائيلية”، ودعوته إلى ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة لمواجهتها، ذات أهمية بالغة. فهذه ليست مجرد أمانٍ ورغبات عابرة، وقد شدد فيدان في كلمته من القاهرة على استمرار التعاون مع مصر في هذا الشأن، حيث قال: «نواصل العمل معًا في هذه القضية، أيها الأصدقاء. هناك الكثير من الأعمال التي أنجزناها، ولا يزال هناك المزيد مما سننجزه. علينا أن نوقظ العالم. ليس فقط الحكومات، بل يجب على منظمات المجتمع المدني والجامعات وكل الفئات القادرة على إسماع صوتها أن تنهض وترفع أصواتها.»

ويمكن اعتبار هذه العبارات بمثابة دعوة جديدة للتحرك، إن إشارة فيدان إلى ضرورة تحرك منظمات المجتمع المدني والجامعات تعكس حساسية المرحلة. وفي هذا السياق، فإن المسيرة التي نظمتها “منصة التضامن مع فلسطين” مساء ذات اليوم، والتي انطلقت من ميدان بايزيد إلى مسجد آيا صوفيا بمشاركة عشرات الآلاف من أهالي إسطنبول، تعد دليلاً واضحًا على تجاوب المجتمع المدني مع هذا النداء. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني والجامعات أن تساهم في هذه العملية بعدة طرق، إذ إن العدوان التوسّعي الإسرائيلي ليس حدثًا عابرًا، بل يتطلب اتخاذ إجراءات متعددة المستويات. ولا شك أن هذه المؤسسات ستلعب دورًا محوريًا في تعزيز القضية الفلسطينية ودعم حملات الحفاظ على القضية كفكرة حية تنقل للأجيال القادمة، في مواجهة استراتيجية إسرائيل التي تهدف إلى اختزال القضية الفلسطينية في أزمة الجوع فقط، فإسرائيل تلجأ إلى جميع أشكال العنف، بما في ذلك الإبادة الكاملة للفلسطينيين، في محاولة لكسب حرب خسرتها أمام العالم بأسره تقريبًا.

ولا حرج في القول: إن بريطانيا تدعم علنًا استمرار الإبادة الجماعية، وفي الولايات المتحدة يؤيد جزء كبير من النخبة إبادة الفلسطينيين، كما أن ألمانيا متورطة في العدوان التوسعي الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، تصبح مشاركة منظمات المجتمع المدني والجامعات ذات معنى أعمق وأهمية أكبر في هذه المرحلة.

شاركها.