اخبار تركيا

تناول تقرير بصحيفة يني شفق التركية للكاتب والمحلل الاستراتيجي يحيى بستان، ملامح الخطة الأمريكيةالروسية المؤلفة من 28 بنداً لدفع أوكرانيا نحو تسوية تُنهي الحرب، موضحاً أنها ليست جديدة بل تعيد إنتاج المقترحات التي طُرحت في إسطنبول عام 2025.

يشرح الكاتب كيف يربط ترامب دعمه لأوكرانيا بمكاسب سياسية واقتصادية، فيما تواصل روسيا رفع سقف مطالبها مستفيدة من تقدّمها العسكري وضيق الوقت أمام كييف. كما يسلّط الضوء على قلق الاتحاد الأوروبي وسعيه إلى ضمانات أمنية، وعلى الضغوط الداخلية المتزايدة على زيلينسكي، والدور الذي تلعبه أنقرة في تسهيل التواصل بين الأطراف.

وفي المجمل، يرسم الكاتب صورة لمسار تفاوضي معقّد تحكمه موازين القوى وتقلّبات السياسة الدولية. وفيما يلي نص التقرير:

أثارت الخطة المكونة من 28 بنداً، التي وضعتها الولايات المتحدة وروسيا لإجبار أوكرانيا على الاستسلام، صدمة لدى البعض. أما بالنسبة لمن تابعوا العملية منذ بدايتها، فكان الشعور الذي خلفته هو “وهم سبق الرؤية (Dejavu)”. لأن هذه البنود الـ 28 كانت مطروحة على الطاولة منذ البداية. ويُقال إن الإطار العام رُسم في وقت مبكر يعود إلى 12 فبراير، خلال أول لقاء بين ترامب وبوتين. ففي ذلك اليوم قال ترامب: “لقد اتفقنا على بدء المفاوضات مع بوتين.”

ومنذ ذلك الحين شهد المسار تقلبات عديدة؛ فقد تقارب ترامب وبوتين ثم تباعَدا في مناسبات عدة. وفي جميع اللحظات المحورية للعملية، هرع زيلينسكي إلى أنقرة، كما حدث الأسبوع الماضي. ورغم التقلبات، لم يتغير الإطار الرئيسي. فالخطة المكونة من 28 بندا تكاد تكون مماثلة للبنود التي قدمها الروس للجانب الأوكراني في إسطنبول خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو. فما الذي تغير اليوم إذن؟ هناك كواليس مثيرة للاهتمام سأتحدث عنها لكن يجب أن نرسم الإطار العام أولاً.

ماذا يريد ترامب؟

مفتاح أوكرانيا بيد ترامب، فأوكرانيا بحاجة إلى الدعم الأمريكي لمواصلة الحرب، ماليًا وعسكريًا واستخباراتيًا، دعم أوروبا وحده لا يكفي.

ويقول ترامب، بمضمون خطابه، ما معناه: “هذه ليست حربًا بين الغرب وروسيا، بل هي حرب بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ضد وروسيا. إذا أردتم السلام، فسأفعل، ولكن في المقابل سأحصل على المكاسب السياسية والمالية.” إن خسائر أوكرانيا لا تعني شيئًا لترامب، فهي تبدو صغيرة جداً مقارنة بالصورة الكبرى التي يرسمها ترامب. وتقوم هذه الصورة التي وصفها الروس بـ “نظام ألاسكا” بعد لقاء ألاسكا، على ركيزتين: 1) اتحاد أوروبي لا يشكّل عبئًا على الولايات المتحدة في مجال الدفاع، ويكون في حالة خصومة مع روسيا، مما يجعله مرتهنًا لأمريكا. 2) روسيا لا تضع كامل ثقلها في المعسكر المُعارض في التوترات العالمية مع الصين.

المذكرة الروسية في إسطنبول

عرضت روسيا الصفحات الأولى من خطتها المثيرة للجدل والمكوّنة من 28 بندًا على الوفد الأوكراني في إسطنبول في مايو/أيار 2025. وفي يونيو، عادوا بنفس المقترحات. ووفقاً لأحد مصادري، فإن الروس قدموا في ذلك اليوم “مذكرة”. فما هي تلك البنود؟ طالب الروس بما يلي: القبول بضم شبه جزيرة القرم ولوغانسك المحتلتين بالكامل، ومناطق دونيتسك، وخيرسون، وزابوروجيا المحتلة جزئياً، وحياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو، وعدم وجود قوات أجنبية في أوكرانيا (وهو ما يخص أوروبا)، وعدم دفع أي تعويضات، وأن يتم إقرار وقف إطلاق النار بعد توقيع الاتفاقية (أي السلام أولاً ثم وقف إطلاق النار). ولم تسفر مفاوضات إسطنبول عن نتيجة في هذه القضايا الحساسة، ولكن تم إبرام اتفاقيات تبادل أسرى سمحت باستمرار الدبلوماسية.

الاتحاد الأوروبي قلقٌ على أمنه

لا تلتفتوا إلى التصريحات الرسمية… فالأوروبيون بدورهم يرون أن هذه الحرب يجب أن تتوقف الآن. فما إن تولى ترامب منصبه حتى شرعت الدول الأوروبية في دراسة سيناريوهات ما بعد الحرب. وفي أبريل، بدأ الحديث عن نظام ضمانات أمنية. وهم يريدون أن تخضع أي هدنة محتملة للمراقبة من قبل قوة دولية تكون تركيا ضمنها جوًا وبرًا وبحرًا.

هم لا يعارضون بشكل قاطع استيلاء روسيا على تلك الأراضي. لكنهم يطالبون بأن تتم المفاوضات على الأراضي بعد إقرار وقف إطلاق النار. أي وقف إطلاق النار أولاً ثم السلام. ويطالبون بأن يكون اندماج روسيا في النظام الدولي تحت سيطرة محكمة. إنهم يدركون أن روسيا التي ستخرج منتصرة من أوكرانيا ستشكل تهديداً للاتحاد الأوروبي، ويسعون إلى تأمين أمن الاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات الأوكرانية. هذا هو مضمون الخطة المكونة من 24 بنداً التي طرحها الاتحاد الأوروبي في جنيف مؤخراً.

فما الذي تغير إذن؟

أولاً: يواصل الروس تقدمهم نحو نقاط استراتيجية، وإن كان ببطء. وإذا استمرت الحرب على هذا النحو، فسوف يستولون بالفعل على جميع المناطق التي يرغبون بها بشدة. لقد بات واضحا أن الروس لا يمكن إيقافهم، وأن الولايات المتحدة غير راغبة في اتخاذ الإجراءات العسكرية والاقتصادية اللازمة لإيقافهم.

ثانيًا: يتعرض زيلينسكي لضغوط داخلية عبر تحقيقات تتعلق بالفساد. والتحقيق لا يستهدف فريقه المقرب، بل يستهدفه هو شخصياً. وقد هرب شريكه القديم خارج أوكرانيا. ويقول الروس: “سنجلس إلى الطاولة بسهولة أكبر إذا رحل زيلينسكي”.

ثالثاً: وهي نقطة لا تقل أهمية عن النقطة الأولى… يقال إن القدرة المالية لأوكرانيا لن تكفي لمواصلة هذه الحرب بعد شهر فبراير. وتصريح زيلينسكي الذي قال فيه: “إما البنود الـ 28 القاسية، أو الشتاء الأقسى” بذلك.

أنقرة تقدم استشارات للأطراف

سأعرض عليكم انطباعاتي والمعلومات التي حصلت عليها بخصوص التطورات الأخيرة:

أولاً: التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الدولية حول محتوى الخطة وبنودها، صحيحة. لكن الادعاء بأن “الأوروبيين لم يكونوا على علم بالخطة” غير صحيح. فقد كانوا يعرفون التفاصيل.

ثانياً: كان من المقرر أن يحضر ويتكوف أيضاً إلى أنقرة للقاء زيلينسكي. لكنهم توقعوا أن يرفض زيلينسكي الأمر من البداية. وأراد الأمريكيون منح زيلينسكي بعض الوقت. ولهذا لم يحضر ويتكوف إلى أنقرة.

ثالثا: يمكن تلخيص الدور الذي تلعبه تركيا في العملية على النحو التالي: الأميركيون اتفقوا مع الروس ويضعون الخطة أمام زيلينسكي، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر بمظهر من يفرض الأمر مباشرة على أوكرانيا. وفي المقابل، لا تريد أوكرانيا أن ترفض كل شيء. وتركيا، بصفتها دولة تعرف الطرفين جيدًا، تقدّم لهما نوعًا من الاستشارات بشأن ما سيوافق عليه كل طرف وما سيرفضه (في سياق فهم المواقف المتبادلة). ولذلك اكتسبت الرسائل التي نقلها الرئيس أردوغان إلى بوتين بعد استضافة زيلينسكي في أنقرة أهمية خاصة.

رابعًا: تحتاج أوكرانيا إلى تقديم بعض الضمانات. وينبغي أن يكون هناك توازن بين هذه الضمانات وبين ما يتعين على أوكرانيا التخلي عنه. وستستمر مناقشة خطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

خامسًا: يدرك الروس أن عاملَي الوقت والميدان يعملان لصالحهم، ولذلك يرفعون سقف مطالبهم. ومن متابعة ما يجري، يبدو أن الحدّ من عدد الجيش الأوكراني إلى 600 ألف جندي هو بند جديد على الطاولة. وإذا تعثّرت الجولة الحالية، فمن المرجح أن تأتي روسيا في الجولة المقبلة بشروط أشد صرامة.

شاركها.