اخبار تركيا

الخليج سيتصل بالمتوسط… تركيا تنقذ العالم العربي!

إبراهيم قاراغول يني شفق

ما طبيعة الشراكة السياسية المتوقعة بين تركيا وسوريا؟ وما نطاق التعاون العسكري المزمع تشكيله؟ وهل ستُقام قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما المواقع التي ستُنشأ فيها؟ وكيف يمكن تشكيل منطقة أمنية واقتصادية مشتركة تضم تركيا وسوريا ولبنان؟

كل هذه التساؤلات لا تزال بحاجة إلى إجابات واضحة، حيث لم تتحدد معالمها بعد.

لا شك أن الإدارة السورية الجديدة تواجه تحديات كبرى. أولى هذه التحديات هي كيفية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. كما يبرز التساؤل عن كيفية التصدي للمخططات التي تعتمدها الولايات المتحدة وإسرائيل، عبر استغلال تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي، لاقتطاع شرق الفرات من سوريا. إضافة إلى ذلك، كيف ستُعاد إعمار سوريا المدمرة بالكامل؟ وما الآليات لنزع سلاح الجماعات المسلحة وإعادة بناء الجيش السوري؟ وكيف يمكن رأب الصدع الذي خلفه 13 عامًا من الانقسام داخل المجتمع السوري؟

الحدود الطبيعية بين العرب وإيران تتحرك شرقًا لأول مرة منذ أربعين عامًا.

راقبوا كيف تغيرت الخريطة!

هذه التحديات تُعد استثنائية وتتطلب قرارات جريئة وغير مسبوقة من الإدارة السورية الجديدة. ورغم أن المنهج الشامل والواقعي الذي تنتهجه الإدارة الحالية يلقى إشادة، فإنه يظل عرضة للاستغلال من الداخل والخارج. السؤال الأهم هنا: كيف سيتم مواجهة هذه التهديدات؟

من المتوقع أن تلعب تركيا دورًا محوريًا في هذه الملفات، بشكل “طوعي”. كما أن الدعم المالي والسياسي من قطر وحتى السعودية سيكون ذا أهمية استراتيجية كبيرة. ومن الضروري أن تدرك الدول العربية، بما فيها السعودية وقطر ودول الخليج وشمال إفريقيا ومصر، الحقائق الآتية:

منذ غزو العراق عام 2003، تتعرض الأراضي العربية للتقسيم والتجزئة.

لم يتم اتخاذ موقف حاسم ضد الغزوات والحروب الأهلية. بدلاً من ذلك، ركزت الدول على حماية مصالحها الضيقة، مما أدى إلى تفاقم الأخطاء.

قبل اندلاع الحرب الإيرانيةالعراقية، كانت الحدود الطبيعية بين العرب وإيران تمتد على طول الحدود العراقيةالإيرانية. وبعد احتلال العراق، تراجعت هذه الحدود إلى الحدود السوريةالعراقية. ومع اندلاع الأزمة السورية، وصلت الحدود إلى لبنان وحتى إلى حدود السعودية. لكن الآن، ولأول مرة منذ خمسة وثلاثين عامًا، ومع التغير في الإدارة السورية، تتحرك الحدود الطبيعية بين العرب وإيران شرقًا من جديد.

هذا هو المكسب الأول للعرب في القرن الحادي والعشرين.

تركيا أنقذت العرب.

يمثل هذا الإنجاز أول وأهم مكسب للعالم العربي في القرن الحادي والعشرين، وهو إنجاز تحقق بفضل جهود تركيا. ولهذا السبب، يجب على الدول العربية أن تقف إلى جانب الحكومة السورية الجديدة وتدعمها بكل السبل. لقد حان الوقت لإنهاء مرحلة الهوس بجماعة الإخوان المسلمين التي أدت إلى ضياع الدول وتدمير المجتمعات.

ينبغي أن ندرك أن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل استغلوا هذا الهوس لتدمير العالم العربي. كما استُخدم “الخوف من إيران” كأداة لتفكيك المنطقة وإضعافها. لقد حررت تركيا العرب من أسر “التهديد الإيراني”، والآن يتعين عليهم أيضًا التحرر من فوبيا “الإخوان المسلمين”. هذا الهوس لا يتعلق بوجود تهديد حقيقي من الإخوان المسلمين، بل يكمن التهديد في إسرائيل والقوى الغربية بشكل مباشر.

لذا، تواجه الدول العربية اليوم اختبارًا تاريخيًا لدعم وحدة الأراضي السورية. من خلال هذا الموقف، سيظهر من يهتم فعلاً بالأمة العربية والمنطقة وسوريا، ومن سيقف متفرجًا على الأحداث.

خطران كبيران يهددان سوريا:

التهديد الإسرائيلي وتنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي.

والحماية التركية ضرورة ملحة.

في الوقت الحالي لا بد من اتخاذ تدابير صارمة لحماية سوريا، التي تُعد عقدة استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. تفكيك هذه العقدة في السابق تسبب في دمار المنطقة، وهي الآن تحاول التعافي بصعوبة. لا يمكن السماح بتكرار هذا التفكيك مرة أخرى.

تحقيق ذلك ممكن فقط بفضل الحماية التركية ودعمها وشجاعتها. تواجه سوريا حاليًا خطرين رئيسيين: الأول يتمثل في الهجمات الإسرائيلية وطموحاتها التوسعية، والثاني هو استهداف وحدة الأراضي السورية عبر تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي.

في مواجهة هذين الخطرين، تمثل تركيا الضامن والحامي الأساسي. فهي القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على ردع إسرائيل. بينما لم تتمكن أي دولة عربية أو إقليمية أخرى من تحقيق ذلك. أما إيران، فقد استخدمت ذريعة “حماية سوريا ومقاومة إسرائيل” لتحويل سوريا إلى ساحة معركة، مما أدى إلى دمارها وجعلها مكشوفة أمام الهجمات الإسرائيلية، حيث استغلتها كجبهة لخدمة طموحاتها الخاصة.

أما تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي، الذي دربته وسلحته الولايات المتحدة، فإن تركيا هي القوة الوحيدة التي تكافحه بإصرار وفعالية. تهديد إسرائيل وتنظيم بي كي كي الإرهابي هما في الواقع تهديد واحد متكامل، وتركيا تواجه هذا التهديد بوضوح وحزم لا لبس فيه.

قواعد عسكرية في دمشق وحمص.. وقاعدة بحرية في طرطوس:

ما أفق الشراكة بين تركيا وسوريا؟

1 اتفاقية التعاون العسكري:

على الرغم من أن معالم اتفاقية التعاون العسكري بين تركيا وسوريا لم تتضح بعد، إلا أن المباحثات تدور حول خطوات استراتيجية، تشمل إعادة بناء الجيش السوري، وإنشاء قواعد عسكرية في محيط دمشق وحمص، وتوفير درع جوي لحماية الأجواء السورية، إضافة إلى إنشاء قاعدة بحرية في منطقة طرطوس/اللاذقية.

هذه المبادرات تشير إلى وجود خطط جدية لتعزيز أمن تركيا من الجو والبحر. كما تم الإعلان عن إعادة هيكلة الجيش السوري ليضم ثلاثة جيوش وثماني فرق عسكرية، مع تصميمه بما يتماشى مع الخبرات العسكرية التركية العريقة الممتدة عبر آلاف السنين.

دمج المناطق البحرية…

2 اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع سوريا:

من المرتقب أن تُحدث اتفاقية مشابهة للاتفاقية البحرية التي وقعتها تركيا مع ليبيا، والتي حصلت على موافقة الأمم المتحدة، تغييرًا جذريًا في موازين القوى بشرق المتوسط. ستؤدي هذه الاتفاقية إلى دمج المناطق البحرية بين تركيا وسوريا، مما يخلق منطقة حماية بحرية مشتركة. وسيُضيَّق الخناق على نفوذ اليونان والقبارصة اليونانيين، وسيتم تأمين خليج إسكندرون من أي تهديدات. كما ستحد هذه الخطوة من حركة الأساطيل الغربية في شرق المتوسط.

الجهات التي كانت تخطط لإنشاء ممر إرهابي يمتد من الحدود الإيرانية إلى البحر المتوسط تلقت ضربة قوية في شمال سوريا. ومع هذه الشراكة، سيتم إغلاق منفذ هذا الممر تمامًا باتجاه البحر المتوسط.

الأبعاد الاقتصادية للشراكة:

إلى جانب الأهداف العسكرية والاستراتيجية، تنطوي هذه الشراكة على بُعد اقتصادي مهم. إذ ستعمل تركيا وسوريا معًا على استكشاف واستغلال موارد النفط والغاز الطبيعي الموجودة قبالة سواحل سوريا ولبنان.

اتفاقية ثلاثية لترسيم الحدود البحرية: قاعدة عسكرية تركية محتملة في لبنان

3 يُرجح، بل ويُعد ضروريًا، توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا ولبنان، وكذلك بين سوريا ولبنان. في حال تحقق ذلك، ستبرز قوة تركيا وسوريا ولبنان كعنصر حاسم في شرق البحر المتوسط، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي. هذا التطور سيشكل نقلة نوعية في بناء القوة الإقليمية المشتركة.

كما هو الحال في سوريا، يبدو من المرجح أن تُنشئ تركيا قاعدة عسكرية، سواء كانت جوية أو بحرية، في لبنان. الوضع الحالي الذي يجعل لبنان في حالة ضعف دفاعي كبير، واستعداده لفتح أبواب التعاون مع تركيا في مختلف المجالات، يشير إلى إمكانية تحقق هذا السيناريو في المستقبل القريب.

الخليج العربي يصل بالبحر المتوسط.. إسرائيل لهذا السبب تتحالف مع بي كي كي الإرهابي.

4 من المتوقع أن يُضاف مشروع “طريق التنمية” بين تركيا والعراق إلى الممر الجنوبي ليشمل سوريا أيضًا، مما يربط دول الخليج العربي بتركيا والعراق وسوريا ولبنان. هذا المشروع لا يقتصر على خطوط الأنابيب فحسب، بل يفتح المجال لتكامل اقتصادي إقليمي شامل، مما يمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى. بلا شك، يُعد هذا المشروع أكبر استثمار في الشراكة الإقليمية منذ مشروع سكة حديد الحجاز.

لكن لتحقيق هذا الهدف، يبقى تطهير شرق الفرات من الإرهاب، إلى جانب مناطق شمال العراق، شرطًا أساسيًا. في هذا السياق، تحاول إسرائيل تعطيل هذا التكامل الإقليمي عبر الترويج لما تسميه “القضية الكردية”، مستغلة تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي كأداة لتحقيق هذا الهدف. تدرك إسرائيل جيدًا أن هذا التكامل الإقليمي سيحد بشكل كبير من نفوذها وقوتها في المنطقة، وتسعى جاهدة لمنع تحقيقه.

الحروب الخارجية، قناة بنما، ولاية كندا:
لنواصل المسير!

5 تجري كل هذه الأحداث في وقت ركزت فيه الولايات المتحدة، خلال فترة حكم ترامب، على شؤونها الداخلية والمناطق القريبة منها. أظهرت الإدارة الأمريكية الجديدة ترددًا واضحًا في الانخراط في “الحروب الخارجية”، وانصب اهتمامها على تصفية حساباتها الداخلية، وأبدت طموحًا في السيطرة على قناة بنما، وطرحت عرضًا لكندا لتصبح ولاية أمريكية، كما أثارت خطابًا حول احتلال غرينلاند، وسعت لتحويل المكسيك إلى “قضية داخلية”. هذه التحركات ترمز إلى مرحلة من تقييد الهيمنة الأمريكية العالمية والحد من تدخلاتها العسكرية.

في ظل هذا الفراغ الكبير، تتقدم تركيا لتملأ هذه المساحة، وتفتح المجال أمام فرص جديدة لبناء خريطة شراكات إقليمية تغطي المنطقة بأكملها.

بعد قرن كامل، تظهر تحت قيادة تركيا وضعية جديدة تمامًا تُعرف بـ”عولمة جغرافيتنا”. هذا المسار بدأ ولن يتوقف حتى النهاية. كل من يسير جنبًا إلى جنب مع تركيا سيكتسب المزيد من القوة، بينما كل من يعارضها سيفقد قوته. هذا هو التحول التاريخي الذي سيعيد تشكيل المنطقة بشكل كامل، وهو تحول لا يمكن لأي قوة أن تعيقه.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *