اخبار تركيا

الشرع في أنقرة ونتنياهو في واشنطن

ندرت أرسنال يني شفق

في ظل اللقاء المرتقب الذي سيجمع نتنياهو وترامب ـ والذي سيكون قد عُقد أثناء قراءتكم هذه السطور ـ لا بد من إلقاء نظرة على المشهد الراهن في الشرق الأوسط.

وذلك لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أعلن صراحةً عزمه على “تغيير خريطة الشرق الأوسط”، سيجتمع مع ترامب الذي لا يرغب في صراعات جديدة، بل يسعى لإخماد الصراعات القديمة، على الأقل في الظاهر. وهكذا ستُضاف منطقة الشرق الأوسط/غرب آسيا أخيرًا إلى قائمة الملفات التي فتحتها الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي شملت حتى الآن أمريكا اللاتينية وكندا وغرينلاند وأوكرانيا وروسيا وأوروبا والصين.

وفي هذا السياق يتصدر الملف الفلسطيني المشهد في سلم الأولويات الأمريكية. والسؤال الأبرز الذي تطرحه وزارة الخارجية الأمريكية بعد وقف إطلاق النار هو: “من سيتولى إدارة غزة والسيطرة عليها؟”

ولدى واشنطن، وفق رؤيتها، إجابتان بسيطتان: أولًا، ألا تكون السلطة بيد من بدأ الحرب (حماس)، وثانيًا، أن تتمتع الجهة الجديدة بالقوة الكافية لسحق نفوذ حزب الله (إيران).

في الواقع، هذه ليست سوى الخطوات الأولى في ترتيب أحجار الدومينو بالشكل المناسب. فالمحطة التالية هي لبنان وسوريا، حيث يفترض أن يتم إعادة تشكيلهما بما يناسب الحل الفلسطيني، أو بالأحرى وفق الصيغة التي تلائم إسرائيل. وهناك عناصر أخرى في هذا المخطط، ولكن المحور الأساسي هنا يتمثل في تمهيد الطريق بين تل أبيب والرياض. وإذا تحقق ذلك، فإن ديناميكيات المنطقة ستتغير حتما.

ولكن هل يعني ذلك حلّ الأزمات، أم مجرد إعادة تشكيلها في قالب جديد؟

حماس لا تزال قائمة بل هي بين ظهرانيكم

إن الصور التي انتشرت عالميا عقب وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى تؤكد حقيقة وجود حماس واستمرارها، رغم الهجمات الوحشية التي شنتها إسرائيل. وحتى إسرائيل تدرك ذلك، إذ لم تستطع وسائل إعلامها منع تداول تصريحات الثناء والإعجاب بحماس التي أدلت بها المجندات الإسرائيليات المفرج عنهن.

أما مشاهد الفلسطينيين، الذين يشكلون جموعًا غفيرة وهم يعودون بعزيمة لا تلين إلى مدينتهم التي دمرت بالكامل تقريبًا ومنازلهم التي أصبحت أنقاضا بعد استشهاد 60 ألفًا منهم، فقد كشفت زيف رواية “النصر” التي تروج لها إسرائيل.

وحتى لو تقبل نتنياهو الرسالة التي تحملها هذه الصور، فإن استمراره في هذا المسار يبدو صعبًا، لا سيما أن بقاء حكومته الهشة مرهون بتماسكها الداخلي. فشريكاه في الائتلاف، الوزيران المتطرفان سموتريتش وبن غفير، يشترطان استمرار العمليات لبقائهم في الحكومة.

يقول سموتريتش: “لم أستطع النوم طويلاً بعد وقف إطلاق النار. ولكن بعد أن اقتنعت بأن نتنياهو وإدارة ترامب عازمان على إخراج حماس من غزة بالقوة إذا لزم الأمر، قررت البقاء في الحكومة. إذا أقام الفلسطينيون دولة، فستقع فورا تحت سيطرة حماس. والقوى المعتدلة في المنطقة تطالبنا بالقضاء على حماس”.

إن جوهر الوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط يقوم على فرض مخططه الاستراتيجي على المنطقة، وهذا هو جوهر “الخريطة الجديدة”.

لا بد من الفوضى في سوريا

لقد أدى تغيير النظام في دمشق إلى تقويض نفوذ إيران في المنطقة، لكن هذا لم يكن كافياً لإسرائيل فهو مجرد مكسب ثانوي، وإسرائيل تفضل أن تبقى سوريا في حالة من عدم الاستقرار، ولهذا السبب استهدفت القدرات العسكرية للجيش السوري ودمرت معداته.

كما أن بقاء التنظيمات الإرهابية “بي كي كي/واي بي جي/قسد” مرهون باستمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا. أما عودة حزب الله إلى الساحة بقوته السابقة، فتكاد تكون مستحيلة؛ ولو كان الأمر خلاف ذلك، لما سقطت دمشق في هذا الوضع أصلًا. فضلًا عن أن حدوث فوضى في سوريا لن يقتصر عليها، بل سيمتد تأثيره إلى دول الجوار، وقد يصل حتى إلى مصر. (كما جاء في مقال نشرته نيويورك تايمز بتاريخ 31 يناير تحت عنوان “مصر تخشى أن تنتقل عدوى حماس الثورة السورية إليها”). وهذا بدوره قد يدفع دولًا مثل مصر والأردن إلى تبنّي مواقف أكثر مرونة في القضية الفلسطينية.

لا شك أن تركيا تمثل عاملًا محوريًا في المشهد. فنفوذ أنقرة في سوريا هو من أكثر الأمور التي يصعب على إسرائيل تقبلها. وهي تدرك جيدًا أن استمرار النزاعات في دمشق سيعقد المهمة أمام تركيا. وهذا يقودنا إلى تساؤل جوهري: هل الحكومة السورية الجديدة قادرة على التعايش مع إسرائيل؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة إقناع دمشق بذلك؟

تركيا وسوريا.. الشوكة في حلق إسرائيل

هناك انقسام في وجهات النظر بشأن الدور التركي في سوريا. فيرى البعض، سواء في المنطقة أو في الغرب، أن نفوذ تركيا هناك أقل مما يبدو عليه، ويرى آخرون أن هذا النفوذ محدود، وأنه سيضعف تدريجياً مع تدخل قوى أخرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وربما بريطانيا، بالإضافة إلى الدول الإقليمية التي ستقدم الدعم المالي لسوريا.

وتتجاهل هذه التحليلات حقيقة جيوسياسية ثابتة، وهي أن أي محاولة للتأثير على التوازنات في سوريا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار دور تركيا. وحتى لو افترضنا وهذا افتراض خاطئ أن نفوذ تركيا في سوريا معدوم، فإنه لا يمكن تجاهلها، وزيارة الشرع إلى أنقرة ستكون بمثابة رد على تلك الادعاءات.

وتزعم بعض التقارير والأخبار، التي نشرتها رويترز ووسائل إعلام عربية، أن الشرع سيوقع اتفاقية دفاعية مع تركيا خلال زيارته. وتنص هذه الاتفاقية، حسب هذه التقارير، على تقديم تركيا المساعدة لسوريا في حالة تعرضها لتهديد مفاجئ. وهذا وحده كافٍ. ولكن هناك مزاعم أخرى تشير إلى أن الجيش التركي سينشئ قاعدتين عسكريتين خارج مناطق العمليات الحالية، وينشر فيها مسيرات من طراز “إيها” و “سيها” و50 طائرة حربية. ويدعي البعض أن هذه المعلومات مصدرها وزارة الدفاع السورية.”

ولا نعلم إن كانت الاتفاقات تتضمن فعلاً هذه البنود فكما هو معلوم، هذا ليس ادعاءنا. ولكن إذا حدث ذلك، فلن يكون هناك مجال للشك في نفوذ تركيا. ومن المؤكد أن إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة. وستتقارب الحدود بين تركيا وإسرائيل إلى أقرب نقطة، بل قد يحدث “تماس” بينهما.

إيران والولايات المتحدة.. ما يدور في ذهن ترامب

هناك فرق ملحوظ بين اللغة التي تستخدمها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه إيران وما تنوي فعله. فمن ناحية، تسعى الولايات المتحدة إلى تقييد تحركات إيران بسبب الضغوط الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى، لا تزال هناك معتقدات بأن بإمكانها كسب إيران.

إن جاذبية مصادر الطاقة الإيرانية الهائلة، ودورها في سياق أوروبا، والأدوار المخصصة لدول الخليج والسعودية في خطط الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط، بالإضافة إلى التخلص من تأثير إيران في “الشرق” وهو ما كان الهدف من الاتفاقية الشاملة الموقعة مؤخراً بين موسكو وطهران. إلى جانب فتح أبواب العودة الأمريكية إلى أفغانستان وباكستان، كل هذه العوامل تدفع ترامب إلى إيجاد صيغة وسطى.

سنرى إلى أي مدى ستجيب زيارة الشرع ونتنياهو على هذه التساؤلات.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *