د. مصطفى حامد أوغلو خاص اخبار تركيا
لم يعد خافياً على أحد دور وتأثير التجربة التركية ،التي كانت تجربة فريدة وناجحة ، وملهمة لكثير من الشعوب العربية وخاصة الحركات الاسلامية، ويمكن عدها من بين العوامل المحركة للربيع العربي مع عدة عوامل اخرى خارجية وداخلية.
كثير من المراكز الاعلامية من قنوات وصحف وخاصة التي لها عداوة مع ما يسمى بالاسلام السياسي إن جاز هذا المصطلح تصف التجربة التركية بأنها جزء من حركة وفكر الاخوان المسلمين ، وهي بهذا الوصف تريد ذماً ، بتصنيف ما حصل بتركيا بأنها انتماء وجزء من هذه الحركة.
من جهة اخرى يدغدغ هذا الشعور أبناء الجماعة، ويريدون أن يكتب هذا النجاح ويصنف بخانتهم ، وهي الحركة التي لم تستفد من هذه التجربة التي تدعي الانتساب لها، ولم تقرأها بشكل صحيح ، حتى أن ردود الفعل على كلمة اردوعان بمدرج جامعة القاهرة الذي نصح بعلمانية الدولة وجدت النقد اللاذع والرفض الشديد.
حقيقة الأمر أن حركة أردوغان وزملاءه كانت بمثابة انقلاباُ على عقلية الحرس القديم ، وكانت كلمته الشهيرة “لقد تغيرت ” وأنني خلعت قميص الحركة القديمة، قميص معلمي أربكان والحرس القديم، بمثابة بداية تحول حقيقي وانطلاقة لمسيرة تغيير جديدة سيلاقي خلالها هجوما شرسا من زملاء الأمس .
هذا القرار لم يكن سهلاُ، وتعرض لانتقادات حادة ،
من الضفة التي غادرها ، من حرس حركته القديم ، الذين وصفوهم بأنهم باعوا انفسهم للشيطان وللجيش وأمريكا والغرب.
ومن الضفة الثانية ، جهة الطرف المعادي للاسلام السياسي!! الذين استسخروا بكلمة التغير والتغيير ، “وتغيرت” وظلوا لسنيين طويلة يشككون بها رافضين بها مطالبين بأثباتها بالادلة الواضحة ، واعتبروها مجرد تقية للوصول للحكم ليس إلا..
ويبدو أن الفريقين كانوا مدركين لحقيقة هذا التغير وخائفين من نتائجه..
لكن الرئيس أردوغان بالفعل “تغير” ووصل لقناعة أن المضي بطريقة المعلم أربكان طريقها مسدود ، ولا بد من الانتقال بشكل حقيقي لأسلوب جديد يناسب المتغيرات الجديدة ..
وهذا مالم يستوعبه كثير ممن يدعون الانتساب لهذه التجربة ، وعدم القيام به من خلال “الافعال لا الأقوال”…
الرئيس أحمد الشرع وفي أول لقاء مطول له بعد تحرير سوريا ، كان محور لقاءه ايضاُ يدور عن “التغير”والتغيير” قال “أنني تغيرت” ، من خلال قوله أن الانسان يتغير ويكتسب خبرات وتجارب ويتغير وتتغير نظرته للأمور خلال مراحل الحياة فهو في مرحلة الشباب ،حيث الحماس والعنفوان، غيره في مرحلة الرجولة و النضوج حيث الهدوء والنظرة العقلانية الواقعية…
إذاُ كلمة التغير “وتغيرت” هي شعار الرجلين وعنوان المرحلة الاساسي وجوهر التغيرات التي ستنتج عنها…
وبعد تحرير وسوريا ودخول دمشق ربما كانت مقولة الرئيس الشرع
أننا يجب أن ننتقل من “عقلية الثورة الى عقلية الدولة” هي أول المؤشرات الحقيقية لهذا التغير الذي تحدث عنه..
مما لا شك فيه أن لكل بلد مزاياه ، ولكل شعب ثقافته، و لكل تجربة عواملها الداخلية والخارجية ،ولكل مرحلة خصوصياتها،
لكن هناك أيضاً اطاراُ عاماً وتشابهاً في جوهر التغير والتغيير الذي يُراد القيام به في بلدين متجاورين ، تجمعهما تشابهات أكثر من اختلافاتهما..
الرئيس أردوعان واجه كما قلنا تحديات ومقاومة داخلية وصعوبات ومضايقات خارجية ،رغم كون تركيا اعتادت الديمقراطية والعملية الانتخابية والأحزاب السياسية ..
رغم عدم محاولة أردوغان أسلمة قوانين الدولة بل كان من أشد الناس حرصا في بداية حكم العدالة والتنمية للحاق بالاتحاد الأوربي والحفاظ على المواد الدستورية الأساسية ، كل هذا لم يحمه من محاولة انقلاب عسكري كاد أن يقضي على كل تلك المكاسب السياسية من خلال صناديق الاقتراع الديمقراطية.
اليوم الرئيس الشرع يواجه تحديات أكثر تعقيدأ ,اكثر صعوبة وأشد مقاومة ..
فكرية وسياسية وقومية وعرقية وطائفية داخلية وخارجية
بالاضافة الى الاقتصادية وانهيار كامل لكل مؤسسات الدولة..
تحديات داخلية ليست سهلة ومقاومة صلبة ،عليه حلها واحتواءها واقناعها بالتحول الذي ينشده، وهذا يختلف تماماُ عن تركيا لأسباب كثيرة هي واضحة وأظنها معروفة للجميع..
عدةعوامل تزيد من صعوبة الأمر منها التركيبة الفكرية والذهنية والحالة العسكرية السورية خلال سنيين الثورة ، من عدم بسط السيطرة على كل التراب السورية من جهة ، وما حفرته بالنفوس من آلام وجراح عميقة من جهة ثانية، علاجها يحتاج حكمة وطول بال ووقت.
ومن هنا ندرك تحاشي وربما حكمة الخطاب الرسمي من عدم الخوض بمسميات واضحة قد تثير غضب ورفض شريحة من أخوة الثورة ، ومن جهة ثانية محاولة لتطمين شرائح كثيرة تتنظر الانتقال السريع لمثالية ومصاف الدول التي يتخذونها قدوة لهم من ديمقراطية وأحزاب وانتخابات حرة …
التحدي الآخر هو من الجبهة المقابلة التي تريد من الادارة الجديدة ايضاُ اثبات ” التغير ” من خلال الأفعال وليس الأقوال، وهنا يكمن الخطر الأكبر والحقيقي على مستقبل سوريا برمتها، عندما تريد هذه القوى الخارجية استغلال هذا الوضع الحرج للادارة الوليدة وضعغها ، فهي لا تريد تغيير سوى على مستوى التنازلات ، والتنازلات المؤلمة التي لن نتنهي وربما تجعل الحكومة ضعيفة مهزوزة أمام شعبها وشريحتها الثورية الداعمة في حال كانت هذه العلاقات هدامة لهذه العلاقة التي لا غنى للدولة عنها…
أردوغان وخلال السنيين الأولى من حكم حزبه واجه مقامة من عدة جهات وعلى عدة مستويات، كانت مقاومة العسكر هي الأكبر والاعنف عندما تدخل العسكر لرفض عبدالله جول مرشحاً لرئاسة الجمهورية مما دفع العدالة والتنمية لخوض انتخابات مبكرة وجاء التأييد الشعبي الرافض لتدخل العسكر بالحياة السياسية.
وكانت هناك مقاومة بيروقراطية شديدة لإعاقة الاصلاحات القانونية والسياسية ، ورجال القانون ايضا كانت لهم مقتومتهم الخاصة وكذلك رجال الأعمال ..
جماعةغولن ورغم عدم وجود اتفاق واضح مع عدم الانسجام مع حزب العدالة والتنمية لكنها خدمت العدالة والتنمية من خلال تغلغلها بالدولة بالمحاكم والأمن والمخابرات ..يبدو انها كانت تسعى لتمهيد طريقها للوصول الى الحكم من خلال الانقلاب العسكري ..
لكنها كانت مخلباُ قوياُ سهلت مهمة العدالة والتنمية بالاستمرار بالحكم..
كل هذه تشير الى أهمية الشريحة الثورية الصادقة التي يجب عدم التفريط بها لأنها هي السند الوحيد أثناء الازمات والامتحانات والشدائد..
التعويل على فلول النظام والركون لرجال العهد القديم لكن يكون افضل من جماعة غولن بتركيا لأن من لم يكن مع الثورة قلبا وقالبا سينقض عليها إذا مالت الكفة وضعفت الدولة شأنها شأن البكتيريا والجراثيم الانتهازية التي تنتظر أن تضعف مناعة الجسم لتنقض عليه…
ويظل لكل بلد خصوصيته ولكل مرحلة رجالها.