اخبار تركيا

قدم مقال للكاتب والإعلامي التركي كمال أوزتورك، قراءة شاملة لحالة الاضطراب العالمي الممتد من الشرق الأوسط إلى آسيا وأوروبا والأميركيتين، ويرصد تشابك الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي باتت تهدد النظام الدولي برمته.

وينتقل الكاتب من توصيف الواقع المأزوم في سوريا وغزة وتركيا وأفريقيا وأوكرانيا، إلى استشراف العام المقبل بوصفه عام القرارات المصيرية والأزمات الجديدة، حيث ستُفرض خيارات قاسية على الدول الكبرى والإقليمية على حد سواء.

كما يناقش المقال صعود التوترات في آسيا، وتراجع الدور الأوروبي، واستمرار الهيمنة الأميركية، وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء بفعل جشع شركات التكنولوجيا، وصولا إلى عجز العالم الإسلامي عن الفعل الجماعي.

وفي نبرة تشاؤمية واعية، يخلص أوزتورك إلى أن العالم يقف على أعتاب مرحلة مفصلية، قد تعيد تشكيل موازين القوة أو تدفعه إلى فوضى أعمق، مع ترك الباب مفتوحا لاحتمال أن تكذب الوقائع هذه التوقعات. وفيما يلي نص المقال الذي نشره موقع الجزيرة نت:

عالم يموج بالأزمات من الشرق إلى الغرب

سوريا، التي خرجت من دكتاتورية حزب البعث التي استمرت 61 عاما، ومن حرب أهلية دامت 14 عاما، تحاول أن تلتقط أنفاسها، لكنهم لا يتركونها بسلام.

غزة، التي دُكت بالأرض على مدى عامين عبر قصف بـ200 ألف طن من القنابل، قتل فيهما 70 ألف إنسان، تحاول أن تتشبث بالحياة من خلال هدنة هشة وخطة سلام ضعيفة الأمل، لكنهم لا يتركونها وشأنها.

تركيا تحاول منذ أكثر من أربعين عاما أن تضع حدا للإرهاب الذي كابدته، وتسعى إلى وطن بلا إرهاب ومنطقة خالية من العنف، لكن هناك من يسعى لإفساد هذا المشروع.

أفريقيا، التي عانت لعقود من مرارة الاستعمار؛ حيث استعبد ملايين من أبنائها، واختطفوا من ديارهم وقتلوا، تحاول اليوم أن تقف على قدميها، لكنها تعاد إلى دوامة الألم من جديد بفعل مخططات خفية لا تريد لها أن تنعم بالسلام.

في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، لا يعرف عدد القتلى على وجه الدقة؛ هناك من يقول إنهم 500 ألف، وآخرون يقدرونهم بمليون.. لكن بعيدا عن الأرقام، فهذه الحرب تؤثر على العالم كله، من أوروبا إلى أفريقيا، ومن آسيا إلى أميركا، والراغبون في إنهائها أضعف من أولئك الذين يريدون استمرارها. الموت والألم مستمران.

أميركا اللاتينية تعيش حالة من الخوف والترقب من سفن الحرب التي تقترب من سواحلها، ومن آلات الموت التي تحوم في السماء، وهي تبحث عن مستقبلها وسط هذا التهديد.

أوروبا، باقتصادها الذي يزداد انكماشا، وتأثيرها السياسي المتراجع، وأفكارها المحصورة، وتحت ضغط اليمين المتطرف، تبدو كمن لا يعرف ما يفعل، وتترنح تحت وطأة الخوف من “التهديد الروسي”، وتحاول أن تبقى واقفة.

أما آسيا، فهي لا تقل اضطرابا عن الشرق الأوسط. فالتوترات قائمة في مناطق مثل الهندباكستان، وأفغانستانباكستان، والصينتايوان، وكمبودياتايلند، وتشهد هذه المناطق صدامات متقطعة. التوتر بين اليابان والصين، والتوتر بين الولايات المتحدة والصين، يجعل من آسيا ربما أخطر بؤرة توتر في العالم.

العالم ينجرف نحو أيام مظلمة، باردة وغامضة، بين تمرد الفقراء الذين حرموا من نصيبهم في توزيع الثروات، وبين هجوم الأغنياء الجشعين الذين لا يشبعون.

أما العالم الإسلامي، فيعيش حالة من التوتر والعجز؛ لا يستطيع أن يفعل شيئا أمام هجوم إسرائيل على ست دول، ويقضي أيامه تحت ضغط عجزه عن تجديد فكره، أو العثور على طرق جديدة للخلاص.

باختصار، نحن نمر بأيام صعبة، ونستعد لدخول عام لن يكون سهلا.

ماذا ينتظرنا في العام المقبل؟

في العام المقبل، ستكون سوريا مضطرة لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بتأسيس دولة موحدة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودمج الأكراد والدروز والنصيريين ضمن الدولة المركزية.

تركيا ستكون أمام ضرورة إصدار قوانين لإنهاء الإرهاب في البلاد، لكنها ستدخل فترة صعبة، خاصة مع عودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) ودخولهم البلاد، أو الإفراج عنهم من السجون.

في غزة، لا بد من الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب؛ فإعادة إعمار المدينة، وإنهاء المأساة الإنسانية فيها، يتطلبان تحركات من الدول الضامنة ومن الولايات المتحدة خلال العام المقبل.

أما الحروب الأهلية الدائرة في السودان، والصومال، واليمن، فقد وصلت إلى حد لم يعد ممكنا استمراره. الخسائر البشرية، وخراب المدن، وانهيار الاقتصاد، وحركات النزوح الكبرى، كلها تفرض أثمانا باهظة على المنطقة، ولا بد من تطورات حاسمة في العام المقبل.

أوكرانيا لم تعد قادرة على مواصلة الحرب وسط ضغط الولايات المتحدة وإصرار أوروبا؛ مواردها البشرية تضاءلت، وقوة صمودها ضعفت، وفقدت الكثير من الأرض على الميدان، ولم تعد قادرة على الصمود أكثر. على أوروبا وأميركا أن تقررا ما إذا كانتا ستدفعان بهذا البلد نحو مواصلة القتال، أم القبول بالاستسلام. هذا القرار سيتخذ في العام القادم.

دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا، وكولومبيا، ونيكاراغوا، والسلفادور، وغيرها، لم تعد قادرة على تحمل الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري الأميركي، وسيتوجب عليها أن تتخذ قرارا: إما الخضوع لما تريده أميركا، أو الاستعداد لمواجهة السلاح للأسف.

أوروبا ستجبر على اتخاذ قرار بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ويبدو أنها ستنفذ ما تريده الولايات المتحدة، وبالتالي ستنسحب تماما من الساحة السياسية العالمية. كل ما فعلته أوروبا بذعر خوفا من “التهديد الروسي” سيرتد عليها. وفي النهاية، ستتحول إلى تكتل من الدول المنعزلة التي يهيمن عليها اليمين المتطرف. سنبدأ برؤية أولى إشارات هذا التحول خلال العام المقبل.

في آسيا، حيث تتوتر كل خطوط الصدع، وتشهد اشتباكات صغيرة (كزلازل خفيفة)، نتوقع حدوث زلزال كبير (أي حرب) خلال العام المقبل. أتمنى أن أكون مخطئا. لكني لا أعتقد أنني مخطئ في توقعي بأن آسيا ستصبح بؤرة التوتر الجديدة في العالم.

إلى أي مدى يمكن لعمالقة التكنولوجيا الجشعين أن يواصلوا نهبهم للعالم؟ في تركيا وحدها، تستولي شركات التكنولوجيا الأميركية على 75% من كعكة الإعلانات. أما من يعملون في التجارة الإلكترونية، فيمنح ثلث أرباحهم تقريبا لهذه الشركات تحت اسم “إعلانات”. العالم بأسره يشهد هذا النوع من التوزيع الجائر للثروة. وهذا سبب كافٍ للثورة. جميع الاضطرابات التي نراها تنبع من هذا الصراع بين المستغِلين والمستغَلين.

إسرائيل لن تسمح أبدا بالسلام أو الاستقرار في غزة. كما أن لا أحد يريد للناس أن تنعم بالطمأنينة في لبنان، أو اليمن، أو سوريا، أو إيران. ولهذا، ترتكب الاغتيالات، وتشن القصف، وتثير الفتن. تظن أنها ستجد الطمأنينة من خلال هذه الأفعال، لكنها مخطئة. إسرائيل بهذا السلوك تعرض حياة اليهود في كل مكان للخطر.

أما العالم الإسلامي، فعليه أن يبدأ في اتخاذ قرارات جادة من أجل منطقته، ويجب أن يبدأ أولى خطواته في هذا الاتجاه العام المقبل.

أعتقد أن العام المقبل سيكون عام القرارات الصعبة، وأيضا عام الأزمات الجديدة. أدرك أن هذا المقال يحمل طابعا تشاؤميا. لكن العالم مكان قابل للتغير في أي لحظة، ولذلك قد لا تصح توقعاتي. أرجو أن أكون مخطئا بالفعل. وفي نهاية العام المقبل، دعونا نرجع إلى هذا المقال، ونرى كم منها تحقق، وكم لم يتحقق.

شاركها.