الشرق الأوسط بين 1978 و1982: سنوات أعادت رسم الخرائط

اخبار تركيا
سلط مقال تحليلي للكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، الضوء على مرحلة حاسمة شهدها تاريخ الشرق الأوسط بين عامي 1978 و1982، حيث جرت سلسلة من التحولات الجذرية التي أعادت تشكيل توازناتها السياسية والجيوسياسية.
وأشار الكاتب في مقاله بصحيفة الشرق القطرية إلى اتفاقيات كامب ديفيد، والثورة الإيرانية، والحرب العراقية الإيرانية، والغزو الإسرائيلي للبنان، إلى جانب تطورات أخرى مثل الانقلاب العسكري في تركيا والغزو السوفيتي لأفغانستان.
وتطرق أويصال إلى مساهمة هذه الأحداث مجتمعة في تفكك النظام العربي التقليدي، وصعود قوى إقليمية جديدة، وتوسّع النفوذ الأمريكي، مما مهّد لبنية النظام الإقليمي الحالي بكل تعقيداته وصراعاته المستمرة.
وفيما يلي نص المقال:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يشهد الشرق الأوسط استقرارًا حقيقيًّا. فقد واجهت الدول العربية تحديات كبرى، أبرزها قيام إسرائيل في قلب المنطقة، بينما كانت دول عديدة حديثة الاستقلال تسعى لترسيخ الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. وبين عامي 1978 و1982، شهدت المنطقة تحولات جذرية غيّرت مسار تاريخها وأثّرت بعمق في توازن القوى: اتفاقيات كامب ديفيد، الثورة الإسلامية في إيران، الغزو السوفيتي لأفغانستان، الانقلاب العسكري في تركيا، الحرب العراقية الإيرانية، اغتيال السادات، واجتياح إسرائيل للبنان وصعود حزب الله. أعادت هذه الأحداث رسم ملامح التوازنات الإقليمية وتركَت أثرًا واضحًا على النظام العالمي القائم اليوم.
لقد لعبت اتفاقيات كامب ديفيد (1978) دورًا مهمًا في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فمصر التي خاضت عدة حروب ضد إسرائيل ورفضت الاعتراف بها، أصبحت أول دولة عربية تعترف رسميًا بإسرائيل، مما أدى إلى كسر الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، تزعزع موقع مصر كقائدة للعالم العربي، بل وتعرضت للعزلة من قِبل العديد من الدول العربية. إن توقيع مصر على اتفاقية سلام مع إسرائيل وانضمامها إلى المعسكر الغربي لم يُقوِّ من موقف إسرائيل فحسب، بل أضعف أيضًا القضية الفلسطينية.
وبعد أن ضمنت إسرائيل أمن حدودها الغربية، توجهت نحو الشمال فاجتاحت لبنان عام 1982. وقد ساهم هذا الغزو في تقويض استقرار لبنان، الذي كان يُعرف بلقب “لؤلؤة الشرق الأوسط” في الستينيات والسبعينيات، ومهّد الطريق أمام صعود حزب الله، الذي تحوّل لاحقًا إلى كيان فعلي داخل الدولة. وفي خضم هذه التحولات، شكّل انتقال مصر من دائرة النفوذ السوفييتي إلى الاصطفاف مع الولايات المتحدة تطورًا استراتيجيًا محوريًا، ساهم بشكل كبير في توسيع نفوذ واشنطن وتعزيز حضورها في الشرق الأوسط.
شكّلت الثورة الإيرانية عام 1979 نقطة تحول جوهرية في طبيعة النظام الإيراني وموقعه الإقليمي، حيث أطاحت بالحكم العلماني الموالي للغرب بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي، وأقامت نظامًا دينيًا تهيمن عليه طبقة رجال الدين. وقد تجاوز أثر هذه الثورة حدود إيران ليصل إلى العالم العربي وجنوب ووسط آسيا. في بداياته، عارض النظام الجديد الرأسمالية والشيوعية على السواء، إلا أن تصاعد التوتر مع الغرب، خصوصًا مع الولايات المتحدة والدول العربية، دفعه تدريجيًا نحو التقارب مع الاتحاد السوفييتي. اقتصاديًا، وبوصفها من أبرز منتجي النفط، تسببت الثورة في اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، ولا سيما في سوق النفط، مما أدّى إلى أزمات طاقة وصدمات اقتصادية ذات آثار بعيدة المدى على السياسات الجيوسياسية والاستثمارية. أما عربيًا، فقد تدهورت العلاقات الإيرانيةالعربية بعد الثورة، يمكن تفسير صعود صدام حسين إلى السلطة داخل حزب البعث في العراق عام 1980 في هذا السياق. لم يكن غزو العراق لإيران مباشرة بعد الثورة الإيرانية أمرًا عرضيًا. فقد أسفرت الحرب الإيرانيةالعراقية، التي استمرت ثمانية أعوام وأسفرت عن مقتل حوالي نصف مليون شخص من الجانبين وتسببت في خسائر مادية كبيرة للعراق ودول الخليج، عن تعزيز الانقسامات الإقليمية بشكل أكبر. كما أن التكلفة الباهظة لحرب الخليج أدت إلى تدهور العلاقات بين العراق ودول الخليج، مما ساهم في غزو العراق للكويت لاحقًا، وبالتالي فرضت حرب الخليج الأولى أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة على العراق.
في نفس العام، ألهمت مقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام 1980، بالتزامن مع الثورة الإيرانية، العديد من الحركات الإسلامية الراديكالية. بعد انتهاء الاحتلال، عاد العديد من المجاهدين إلى بلدانهم، حيث ساهموا في انتشار الفكر المتطرف وزيادة عدم الاستقرار في منطقتهم. وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار الانقلاب العسكري في تركيا ضد تهديد الشيوعية عام 1980 تطورًا ذا صلة بهذا السياق الإقليمي. ومع اقتراب نهاية الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة في فرض سيطرتها الواضحة على منطقة الشرق الأوسط.
بإجمال، تُعد فترة 19781982 مرحلة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، إذ تركت تأثيرات مستمرة على التطورات الحالية في المنطقة، وأثرت بشكل عميق في التحولات السياسية والجيوسياسية التي ما زالت تتكشفحتىاليوم.