العلاقات القطرية التركية بعد زيارة سمو الأمير لتركيا
أ.د أحمد أويصال الشرق
زار سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تركيا الأسبوع الماضي، وشارك في الاجتماع العاشر للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين. والحقيقة أن هذه الزيارات رفيعة المستوى في كل عام هي دلالة على التعاون والتنسيق القوي بين البلدين الشقيقين. وقد جاء اجتماع هذا العام في وقت حساس نشهد فيه تطورات خطيرة في المنطقة والعالم. وقد أسفرت الزيارة والاجتماعات عن توقيع 8 اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بين البلدين. ومنذ إنشاء اللجنة الاستراتيجية في عام 2014، بلغ عدد هذه الاتفاقيات مائة وعشر اتفاقيات.
تزامنت الزيارة مع حالة من الفوضى والدمار الذي تشهده غزة ولبنان جراء اعتداءات إسرائيل، ومع حالة من عدم الاستقرار الناتجة عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويثير هذا الفوز بشكل خاص العديد من التساؤلات حول الحرب على غزة، والصراع بين أوكرانيا وروسيا، والعلاقات بين القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، بالإضافة إلى سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط. وباعتبار أن تركيا وقطر تشكلان ركنين أساسيين في المشهد الإقليمي، فإن البلدين يعملان على مناقشة القضايا الحساسة التي تمس اهتماماتهما المشتركة.
وتربط الشعبين القطري والتركي علاقات طيبة منذ العهد العثماني، وقد احتفل البلدان العام الماضي بمرور 50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وخلال الخمسين عاماً الماضية، تطورت العلاقات الودية بين البلدين إلى علاقات استراتيجية في مجالات الاقتصاد والتعليم والصناعة والطاقة والدفاع والاستثمار والثقافة والشباب. وقد وقفت قطر حكومة وشعباً مع تركيا خلال المحاولة الانقلابية في عام 2016، كما أظهرت تركيا دعماً متردداً لقطر من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي والدبلوماسي في عام 2017.
ونشهد اليوم توسعًا مستمرًا في التعاون الدبلوماسي والعسكري بين البلدين، حيث يتبعان نهجًا مشتركًا في التعامل مع الأزمات وتلبية تطلعات الديمقراطية والتنمية في المنطقة. كما برزت قطر العام الماضي بدورها الإنساني من خلال تقديم دعم سخي لضحايا الزلزال في تركيا وشمال سوريا. وخلال زيارة سمو الأمير، أكد الجانبان على أهمية وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مع التشديد على احترام السيادة الوطنية والعمل على إيجاد حلول عادلة للنزاعات. وأعربت تركيا أيضًا عن دعمها لجهود قطر في الوساطة لإنهاء حرب غزة.
وقد دعمت تركيا تعزيز علاقات قطر الاقليمية، في حين سهّلت قطر تطبيع تركيا مع مصر ودول أخرى في المنطقة. ويؤكد كلا البلدين على السلام والتعاون الإقليمي من خلال تجاوز التوترات الطائفية والعرقية ويرحبان بتطبيع الدول العربية مع إيران ويشجعان إيران على التصرف كجار طبيعي. وتشجع الدولتان الحلول السلمية في سوريا وليبيا واليمن والسودان حيث لا يزال بإمكانهما لعب دور أكثر فاعلية في مجال السلام والوساطة من أفريقيا إلى آسيا والعالم العربي.
وخلال زيارة سمو أمير دولة قطر الأخيرة إلى تركيا، تم التوقيع على 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم ثنائية في مجالات المساعدات الإنسانية، والأرشيف والتوثيق، والإعلام والاتصالات، والشباب، والرياضة، والنقل، وتسهيل التجارة المتبادلة، والدفاع. تبذل تركيا وقطر جهوداً كبيرة لدعم الشعب الفلسطيني على الساحات الدولية. وتركز الاتفاقية الأولى بشكل خاص على التخفيف من حدة الوضع المتردي في غزة ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فالتعاون في الأعمال الأرشيفية مهم للغاية لأن الأرشيف العثماني في إسطنبول يحتوي على 85 مليون وثيقة في الوقت الذي تسعى فيه قطر بشغف لتوسيع أرشيفها الوطني ليغطي تاريخ قطر نفسها ومنطقة الخليج والعالم العربي.
إن التعاون التركيالقطري في مجالات الإعلام والاتصال يعد أيضا أمرًا بالغ الأهمية وخاصة في العصر الرقمي الذي نعيشه، حيث يتم تشكيل القضايا وفقًا لأجندات القوى الكبرى. كما سيستفيد قطاعا الرياضة والشباب من هذا التعاون بطريقة اجتماعية أكثر. تمتلك تركيا مركزًا ثقافيًا في الدوحة يساهم في تعزيز العلاقات الثقافية، لكننا بحاجة إلى مركز ثقافي قطري مشابه في تركيا لتعريف الشعب التركي بالثقافة القطرية والعربية. هذا الأمر ضروري بشكل خاص لمواجهة الدعاية السلبية «الموجهة» التي تهدف إلى إضعاف الشراكة التركيةالعربية. وتضمنت الاتفاقيات الجديدة تعزيز التعاون الأمني وتسهيل التجارة في مجالي الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى تحسين النقل بين تركيا وقطر. إن هذه الاتفاقيات والتعاون المستمر بين تركيا وقطر يعكسان التزام البلدين العميق بتعزيز الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات، ويؤكدان على أهمية العمل المشترك من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.