اخبار تركيا

في تركيا، لا يقتصر سحر بحر إيجة على سواحله البيضاء وموانئه الحالمة، بل يمتد إلى عالم مدهش تحت سطح الماء، حيث تمتزج الأزمنة بالحياة البحرية، وتتحول الحطامات القديمة إلى شعاب نابضة بالألوان.

من بودروم إلى غاليبولو، تنتشر عشرات المواقع التي تُعد من أجمل وجهات الغوص في العالم، حيث يجد الغواص نفسه في حوار مع التاريخ والطبيعة في آن واحد.

هذه الرحلة عبر أعماق بحر إيجة ليست مجرّد مغامرة بحرية، بل تجربة تجمع بين الجمال الطبيعي والثراء الأثري، وتكشف عن جانب آخر من تركيا التي استطاعت أن توفّق بين الحفاظ على تراثها البحري وتطوير سياحة مستدامة تجذب عشاق الغوص من كل القارات.

بودروم… متحف طبيعي تحت الماء

حول شبه جزيرة بودروم، تنتشر عشرات الخلجان التي يتغير لون مياهها من الفيروزي الفاتح إلى الأزرق العميق في لحظات. في هذه المنطقة الغنية بالأسماك والأخطبوط وإسفنج البحر، توجد أكثر من 20 نقطة غوص، يمكن فيها مشاهدة الشعاب المرجانية الصغيرة والكبيرة الممتدة حتى عمق 36 متراً.

ويتميّز قاع البحر قبالة بودروم بوجود حطام سفن وطائرات قديمة تم تحويلها إلى شعاب مرجانية اصطناعية، مثل سفينة الشحن SG115، والناقلة “بينار 1”، وطائرتي “دوغلاس C47 سكاي” و”داكوتا”. كما أن متحف بودروم للآثار تحت الماء يعرض حطام سفينة “أولوبورون” الشهيرة التي تعود إلى 1400 عام قبل الميلاد، في مشهد يجمع بين التاريخ والعلم والمغامرة.

داتجة… موطن السلاحف وأساطير الغوص

تُعد شبه جزيرة داتجة من أنقى بقاع بحر إيجة وأكثرها تنوعاً، وتُعرف بأنها أهم منطقة لتعشيش السلاحف البحرية Caretta Caretta في تركيا. هنا يمكن للغواصين السباحة مع الدلافين واكتشاف الخلجان الهادئة التي تعج بالحياة البحرية. داتجة تمنح زائريها رحلة غوص لا تُنسى وسط الشعاب المرجانية والمياه الصافية التي تحاكي الجمال البدائي للطبيعة.

مارماريس… الغوص الهادئ في مياه البلّور

مارماريس وجهة مثالية لعشاق الغوص الهادئ بفضل صفاء مياهها ومواقعها المحمية. تضم المنطقة العديد من مواقع الغوص من الشاطئ أو القارب، بما في ذلك الغوص الليلي. أشهر مواقعها خليج كادريغا، الذي يجمع بين الأمفوريات القديمة وحطام سفينة من العصر الهلنستي على عمق 15 متراً، ما يجعل من مارماريس مزيجاً بين الغوص الأثري والطبيعي.

فتحية… الكهوف والأسماك والضوء

قاع البحر في فتحية لوحة فنية من الأقواس المرجانية والأنفاق الغامضة والمنحدرات السحيقة.

من أبرز مواقعها جزيرة قيزيل التي تنحدر تدريجياً إلى عمق 20 متراً كمدرج طبيعي، وكهف علاء الدين الذي يأخذ الغواص في رحلة عبر كهوف مضاءة طبيعياً بضوء الشمس المتسلل من الأعلى. كما يُعد خليج حوض السمك موقعاً مفضلاً للغوص الليلي، حيث يمكن مشاهدة الشعاب المرجانية الملونة والإسفنج الحي في سكون الليل.

جشمة (إزمير)… صفاء البحر وسحر الكهوف

تمتاز جشمة بصفاء مياهها النادر وتنوّع كائناتها البحرية، وتضم مواقع غوص فريدة مثل كهف غرفة النوم الذي يعد جنة لهواة التصوير تحت الماء، والصخرة المفلوقة في جزيرة أَشَك، حيث يمكن الغوص حتى عمق 45 متراً. أما جزيرة فنر، فهي مكان مدهش لمحبي الحياة البحرية، تحيط بها إسفنجات صفراء وزهور مرجانية، وقد تصادف فيها فقمات نادرة في كهفها الشهير.

كوش أداسي وديديم… مغامرة داخل طائرة

في كوش أداسي، يتحول الغوص إلى تجربة استكشاف فريدة داخل حطام طائرة إيرباص A300 تم إغراقها خصيصاً لهواة الغوص. يمكن للغواصين دخول قمرة القيادة ومشاهدة ضوء البحر الأبيض المتوسط يخترق النوافذ في مشهد لا يُنسى.

أما ديديم، فتوفّر فرصاً مذهلة لاستكشاف سفينة خفر السواحل القديمة وحياة بحرية غنية تجعل منها وجهة مثالية لعشاق التاريخ والبحر.

أيوالق… اللون الأحمر في أعماق البحر

على الساحل الشمالي لبحر إيجة، تقدم أيوالق تجربة غوص فريدة بين جزر ديلي محمد وإليوستا. تمتد الشعاب المرجانية الحمراء بين عمق 27 و50 متراً، وتزخر بالمخلوقات البحرية الملونة. كما يُعد ميناء غافور موقعاً مفضلاً للغواصين من جميع المستويات، حيث يمكن رؤية أرانب البحر وسمك أبو مرينا في مياه شفافة تحبس الأنفاس.

خليج ساروس… أنظف مياه إيجة وأغناها

يُعتبر خليج ساروس في جنق قلعة من أنظف مناطق بحر إيجة، إذ تجدد تياراته الطبيعية مياهه ثلاث مرات في السنة. يضم أكثر من 200 نوع بحري ومواقع غوص مشهورة مثل “جنة”، “جهنم”، و“صخور منوش”.

كما يحتضن الخليج حطام سفينة لاندي التي غرقت عام 1915، وطائرة إيرباص A330 أُغرقت عام 2019، لتتحول إلى مقصد مثالي لعشاق الغوص العميق واستكشاف الحطام.

غاليبولو… الغوص في ذاكرة الحرب

في ملتقى بحر إيجة وبحر مرمرة تقع غاليبولو، حيث تختلط مياهها الزرقاء بتاريخ الحرب العالمية الأولى. تحتوي المنطقة على أكثر من 216 حطام سفينة، من بينها السفينة البريطانية HMS Majestic التي ترقد على عمق 28 متراً، وسفينة Lundy التي غرقت عام 1915. الغوص هنا ليس مجرد مغامرة بحرية بل زيارة إلى التاريخ الغارق.

الغوص في الزمن والماء

من بودروم إلى غاليبولو، يكشف بحر إيجة التركي عن عالم تحت الماء يجمع بين الجمال والأسطورة. فهنا لا تلتقي فقط الكائنات البحرية والشعاب المرجانية، بل تتقاطع ذاكرة الحضارات القديمة مع نبض البحر الحديث.

في هذه الأعماق، يصبح الغوص أكثر من رياضة — إنه رحلة تأمل في عمق الجغرافيا والتاريخ والإنسان، حيث يروي كل حطام وكل شعاب حكاية من حكايات تركيا التي لا تنتهي.

شاركها.