اخبار تركيا
في تقرير بصحيفة يني شفق، تناول الكاتب والخبير التركينيدرت إيرسانال، المشهد الجيوسياسي الراهن من زاوية مزدوجة؛ أولها استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وما يكشفه من عجز عربي وإسلامي وأوروبي عن ردعه في ظل الهيمنة الأمريكية، مع طرح فكرة أن القوة وحدها قادرة على كبح إسرائيل لكن دون تحديد مصدرها أو آليتها.
وثانياً، الجدل حول احتمال إرسال تركيا قوات إلى أوكرانيا في إطار قوة حفظ سلام، وما يثيره ذلك من إشكالات سياسية ودبلوماسية تتعلق بعلاقات أنقرة مع موسكو والغرب، وبمصداقية حيادها في الحرب الأوكرانية، خصوصاً في ظل التناقض مع ما يجري في فلسطين. وفقا للكاتب.
وفيما يلي نص التقرير
لقد بدأت إسرائيل في تطبيق خطتها الهجومية الجديدة لاحتلال غزة، وفي الوقت نفسه، لمحّت إلى إمكانية إجراء محادثات “وقف إطلاق النار”. إنه لأمر غريب أن يظل هناك من يصدّق مثل هذه التصريحات القادمة من تل أبيب أو يعقد آماله عليها. فحتى لو أطلقت حماس سراح الرهائن في هذه اللحظة، وهي أحد الأهداف الرئيسية للهجوم، هل ستتوقف إسرائيل؟
اليوم، يبدو أن العالم العربي والأوروبي يقفان نظريا ضد إسرائيل، ولكن لا توجد قوة حقيقية أو وحدة قادرة على إيقافها، ولا حتى أي محور مؤثر. والسبب واضح: لا أحد يجرؤ على مواجهة الولايات المتحدة.
وبسبب عدم الاستماع لمن يقترحون طرقًا خارج القراءة السطحية للأحداث، فإن الإبادة الجماعية مستمرة. في الواقع، لم نسمع الكثير من الأفكار الامعة أيضًا. ولو تدخلت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى القادة الإقليميين ذوي الضمير منذ البداية، لما توقف التدمير والقتل فحسب، بل كان نتنياهو سينهار تحت الصدمة السياسية ويسقط من منصبه.
ولم يُعتبر هذا المقترح واقعيًا، ولا يمكنني لومهم. فالعديد من دول هذه الكتل لديها علاقات متشابكة مع الولايات المتحدة، وكثير منها مُقيّد بها.
حتى مادونا أعربت عن استنكارها بشكل أكثر وضوحاً وواقعية من هذه الدول، إذ قالت للبابا: “بدلاً من إقامة قداس في مكانك، انهض واذهب إلى فلسطين”.
إلى الآن، لا شيء جديد، ولكن..
كتب صديقي العزيز وزميلي في الصحافة، أيدين أونال، مقالاً بعنوان: “إسرائيل لا يردعها إلا القوة”. والخلاصة كلها في العنوان. هل هو محق؟ نعم، هو محق تمامًا.
واختتم مقاله بالقول: “لقد أدرك العالم أجمع أن كل الخيارات باستثناء استخدام القوة ضد إسرائيل، ستبقى عقيمة ولا تُجدي نفعًا. وإذا لم تظهر تلك القوة، فستواصل إسرائيل، سرًا أو علنًا، تسميم وتهديد المنطقة والعالم والبشرية بأسرها”.
الشيء الوحيد الذي لم يحدده هو مصدر تلك القوة المرتقبة، وأهدافها، وآلية تجسيدها؛ أي “الكيفية” تحديدًا.
فالاكتفاء بهذا الطرح بمفرده، سيُفضي إلى تجاوزه أو تجاهله بسهولة عبر عبارة شائعة مثل: “أفنحارب أمريكا يا أخي؟”. ويمضون.
والجواب هو أن الإدارة الأمريكية الحالية، كما أوضحنا في عشرات المقالات السابقة، تطبق خطة جديدة أو محدثة في المنطقة، بل وفي نطاق جغرافي يتجاوزها. إنها تسعى إلى خلق تحالفات وإرساء أسس جيوسياسية.
سواءٌ أكان هذا يصبّ هذا في صالحنا أو لا، فتلك قضية أخرى، ولكن بما أن المرحلة النهائية لهذه الممارسة هي عالمية وليست إقليمية، فإن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل لا تتوافق مع نهج واشنطن، بل تتعارض معها وتشكّل عائقًا حقيقيًا أمام تقدم البيت الأبيض.
لكن موازين القوى والمصالح الداخلية في الولايات المتحدة المعروفة للجميع ، وبالأخص تأثير اللوبي اليهودي داخل السياسة والانتخابات والمال والإعلام والدين وبنية الدولة العميقة، فهي تجعل ترامب شريكاً في الجريمة، الأمر الذي يُهدر “الوقت المحدود” المتاح له لاستثماره السياسي وتحقيق أهدافه.
وعليه، فإن الحركة غير المتكافئة (القوة المتوقعة) القادرة على كبح جماح إسرائيل تكمن هنا. ويمكن تطوير صيغة من هنا تُربك الخطة الأمريكية وتزيد من مخاوف فشلها، ومن ثم تُحمِّل إسرائيل وحدها المسؤولية وتضع الفاتورة على طاولة تل أبيب، ثم تقدمها إلى ترامب.
إن أكبر مخاوف الولايات المتحدة هو أن تحدث نقطة انهيار في العلاقات بين تركيا وإسرائيل. وهو سيناريو لا تريده أي من الجهتين. حتى إن القائد الجديد للقيادة المركزية الأميركية، كُلّف بعد سلفه كوريلّا بمهمة “الحفاظ على علاقات جيدة” بين البلدين.
ومع ذلك، فإن ملف”قسد/واي بي جي” يفرض نفسه بقوة على أرض الواقع، ويخلّ بالتوازن رغمًا عن الولايات المتحدة. هذه القوات لا تستجيب للضغوط، بل تقاوم. وهذا يستنفد صبر أنقرة، خاصة مع وضوح الدعم الإسرائيلي لهذا الملف. والولايات المتحدة تدرك ذلك، فقد صرح السفير باراك بهذا تحديدًا. حتى أن بعض الأطراف السياسية المحلية الة بـ”قسد” قالوا: “أي عملية عسكرية ضد قسد ستنهي مسار تركيا خالية من الإرهاب”. والسؤال هنا: “إذا انتهى المسار، فمن سيستفيد؟” الإجابة تعود مجددًا إلى إسرائيل.
باختصار؛ إن أي خطوة تهدف إلى “تقويم” هذا التنظيم الإرهابي، ستكون بمثابة تحذير لمخططات الولايات المتحدة الرامية إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، وستضع إسرائيل في مأزق استراتيجي. وهذا سيدفع القوة الوحيدة التي تحمي إسرائيل إلى التفكير بجدية أكبر.
لا شك أن مثل هذه الخطوة تتطلب توقيتًا مثاليًا ودقة بالغة وحسابات معقدة. فإيجابياتها وسلبياتها كثيرة. ونحن نكتب لنفتح باب النقاش، ولنؤكد أنّ “ثمّة احتمالًا آخر”، وأنّه حيث لا يكون الطريق معبّدًا، فلا بد من شق طريق.
هل على تركيا أن ترسل قوات إلى أوكرانيا؟
مع اقتراب المحادثات في الحرب الأوكرانية من نهايتها واحتمال بدء وقف إطلاق النار، بدأت تظهر شائعات عن نشر “قوة حفظ سلام”. وقد تم إدراج اسم تركيا في هذا السياق.
وقد أصدرت وزارة الدفاع بيانًا بخصوص هذا الأمر، قالت فيه: “لن يكون من الصواب ولا من الحكمة تقييم الوضع بناءً على توقعات لم تتبلور بعد على أرض الواقع”.
هذا البيان منطقي تمامًا وفي محله. فهو يقول بوضوح: “لا يوجد شيء ملموس بعد، فما الذي نتحدث عنه؟”. فمن غير المعقول اتخاذ قرار كهذا في ظل غموض الاحتياجات العسكرية والتقنية، والأهداف، والمهام، وهيكلية المهمة.
ومع ذلك، هذا يتعلق بالجانب الميداني والعملي للأمر. أما الجانب السياسي، فيمكن مناقشته الآن. ويمكننا التحدث من حيث المبادئ حول ما إذا كان يجب على تركيا إرسال قوات إلى أوكرانيا أم لا.
ما هي السياسة الواجب اتباعها في حال اتخاذ مثل هذا القرار؟
أولًا: روسيا لا ترغب في وجود أي قوة غربية هناك، سواء تحت مظلة حلف الناتو أو تحت مسمى قوة حفظ السلام.
ثانيًا: البلدان الأوروبية، التي اصطفت أمام الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي، في الواقع ترغب في استمرار الحرب في أوكرانيا والصراع مع روسيا، ومعظم القادة ما زالوا يدعمون ذلك. بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحدها تكفي.
ثالثًا: أعلنت الولايات المتحدة بشكل حاسم أنها لن ترسل قواتها. أما الدول الأوروبية المذكورة فتبدي رغبتها في الإرسال. وأنقرة تدرك تمامًا أن هذه الدول هي نفسها التي تريد استمرار الحرب وتعرقل جهود السلام.
رابعًا: إذاً، هل سنرسل قوات لدعم «السلام» مع هذه الدول؟ ألا يشكل هذا مخاطرة كبيرة؟
خامسًا: ألا يضر اتخاذ مثل هذا القرار بمصداقية دبلوماسية تركيا القائمة على «الحياد»، والتي تعتبر من أبرز أسباب نجاح سياستها في أوكرانيا؟
سادسًا: وفوق هذا، سينتقد الكثيرون هذه الخطوة، بغض النظر عن المبررات، قائلين: “هل سترسلون قواتكم إلى حرب أوروبا في ظل ما يحدث في فلسطين؟”