اخبار تركيا

الكيان المؤقت: إسرائيل بين دعم القوى الكبرى وفشل الرؤية الصهيونية البعيدة

اخبار تركيا

قدم تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، مراجعة نقدية لمسار المشروع الصهيوني منذ بداياته في عشرينيات القرن الماضي، مبينا كيف أن إسرائيل، رغم دعم القوى الغربية الكبرى، أخفقت في تحقيق أهدافها البعيدة المدى، لا سيما أمام صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني على مدى قرن.

وأبرز التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق دور المقاومة الفلسطينية في تحويل القضية إلى فكرة حيّة تتجاوز الجغرافيا، محللا كيف أن الإسلام أسهم في تجديد زخم هذه المقاومة، لا كدين فحسب بل كمصدر متجدد للهوية والنضال.

كما انتقد الكاتب السرديات الأوروبية والتركية التي اختزلت القضية في مفاهيم ضيقة، مؤكدا أن فلسطين باتت اليوم رمزًا عالميًا للثورة في وجه الاستعمار والهيمنة. وفيما يلي نص التقرير:
رغم نجاح “إسرائيل” في تحقيق أهدافها القصيرة والمتوسطة المدى منذ عشرينيات القرن الماضي، حين تبلور المشروع الصهيوني واقعًا ملموسًا، إلا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافها بعيدة المدى، رغم الدعم المطلق الذي حظيت به من القوى العظمى. وقد يبدو هذا الحكم مستغربًا للكثيرين، غير أن الأهداف المعلَنة للصهيونية في عشرينيات القرن الماضي كانت تتجاوز بكثير الحدود التي وصلت إليها إسرائيل اليوم. ومن المؤسف أن بعض “المؤرخين المشاهير” في تركيا اختزلوا القضية الفلسطينية في سردية زائفة ومصطنعة تدور حول “بيع الفلسطينيين لأراضيهم”، وهو ما حال دون فهم ديناميكيات مقاومة استمرّت قرنًا من الزمان في بقعة جغرافية صغيرة كفلسطين، في وجه قوى عظمى.

فإسرائيل لم تكن يوماً كياناً مستقلاً بذاته، بل تأسست كمستعمرة أنجلوساكسونية في شرق المتوسط، بدعم صريح من بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، رغم كل جرائم الحرب التي ارتكبتها. ولا ينبغي النظر إلى هذا الدعم بوصفه دعماً تقليدياً فقط؛ بل كجزء من مشروع استعماري ممنهج. ورغم ذلك، لا يزال الفلسطينيون على مدى قرن كامل، يواصلون كفاحهم في هذه الرقعة المحدودة. لذا فإن تقييم إخفاق المشروع الصهيوني يجب أن يتم في هذا الإطار الأشمل.

لقد طوّرت فصائل المقاومة الفلسطينية، منذ سبعينيات القرن الماضي، أساليب نضالية أكثر فاعلية، إلا أن سرديات تلك المرحلة غالباً ما قُدّمت ضمن إطار ضيق يصوّر إسرائيل على أنها “قوة لا تقهر”. صحيح أن مسيرة الكفاح الفلسطيني شهدت مدا وجزرا، لكنها نجحت، رغم كل العوائق، في الحفاظ على استمرارية لافتة بين الأجيال. وهذا يعود إلى أن هذه الفصائل حوّلت القضية الفلسطينية إلى فكرة حيّة. ورغم اندثار بعض الفصائل أو تراجع تأثيرها، فإن القضية ذاتها بقيت حاضرة بوصفها فكرة مقاومة، وهذا بحد ذاته إنجاز بالغ الأهمية ينبغي التوقف عنده.

أما المنظور السائد المتأثر بالمركزية الأوروبية، فيُقدّم القضية الفلسطينية ضمن إطار جامد. والرؤى السائدة في تركيا لا تخرج عن هذا القالب، مما يعوق إجراء نقاش جاد حول ما غيّرته المقاومة الفلسطينية ولا سيما في تركيا. ولا تزال القضية الفلسطينية تختزل في مقولة “نحن المخطئون”، في حين أن القضية أعقد من أن تُختزل في مجرد صراع عربي إسرائيلي، فهي تشير إلى تداخلات وسياقات تاريخية متعددة.

وفي مقال بعنوان “الفلسطينيون تحت الحصار” ضمن كتاب “الانتفاضة الجديدة” الصادر عام 2002، لخص المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أبعاد التحوّل في القضية الفلسطينية على الشكل التالي: “ثورة ضد الاستعمار، وانتفاضة في وجه النظام العالمي بعد الحرب الباردة، ورؤية المسلمين في العالم لهذه الانتفاضة كجزء من صورة أوسع”. هذه الأبعاد الجديدة، التي أشار إليها سعيد، تنسجم تمامًا مع الطبيعة المتقلبة لتاريخ النضال الفلسطيني، لقد لاحظ سعيد عملية ديناميكية ورأى أن القضية الفلسطينية كفكرة، تربط الأجيال والفصائل ببعضها البعض. ومن الصعب رؤية هذه العملية الديناميكية من منظور إطار ثابت يعود إلى قرنين من الزمان مثل لوم أنفسنا وتحميلها الذنب.

وفي تسعينيات القرن الماضي، أدرجت أقلام الاستشراق الجديد والمؤثر، الإسلام والمسلمين ضمن خانة “الإرهاب”، وكما هو معروف، كانت كتاباتهم تعكس لغة تشكلت في سياق التوسع الإمبريالي ووجّهت سهامها مباشرة إلى الإسلام. كما تشكلت في تلك الفترة المفاهيم السائدة اليوم عن “الإسلاميين”. وسنتطرق إلى مناقشة هذه المفاهيم والتصورات لاحقاً. وأود أن لفت الانتباه إلى ما نشهده اليوم من تحوّل، إذ يبدو جلياً أن اللوحة التي رسمها إدوارد سعيد ليست بعيدة عن الواقع. صحيح أن الفلسطينيين ما زالوا “تحت الحصار”، لكن روح الثورة والانتفاضة وتوحد المسلمين مع هذه القضية باتت تفرض تحولات عميقة على مستوى العالم بأسره. وهذه القوّة المستجدة تستند إلى حقيقة لم يتمكن المستشرقون الجدد من إداركها: ألا وهي الإسلام.

لقد رأينا بأعيننا أن الإسلام ما يزال يحتفظ بقدرته كمصدر قوي لا ينضب، وقد مكّن الفصائل الفلسطينية من تجديد ذاتها في أحلك الظروف. علينا أولا أن نقر بأن هذا يتوافق مع واقع متعدد الطبقات. إن استخدام مصطلحات عامة مثل “العالم الإسلامي” دون تحديد دقيق، لا يسهم في فهم البنية الديناميكية لفصائل المقاومة الفلسطينية. بل ينبغي أن ندرك أن الدين الإسلامي يمكن أن يولد مجددا بهوية جديدة من رحم الأنظمة المعقدة.

إن تردد صدى القضية الفلسطينية في كل شوارع العالم اليوم ليس حدثًا عابرًا. وينبغي أن نوقن أن المسلمين في كل أنحاء العالم باتوا ينظرون إلى القضية الفلسطينية باعتبارها جزءًا من صورة أكبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *