اخبار تركيا

اللاجئون السوريون: ورقة خسرتها المعارضة التركية مع سقوط الأسد

اخبار تركيا

رأت الكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، أن أحزاب المعارضة التركية أصيبت بالإحراج وبدا عليها التخبط وفقدان التوازن بعد عودة سطوع نجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه مجددا على الصعيد الشعبي على خلفية التطورات التي جرت مؤخرا في سوريا.

وقالت الكاتبة في مقال بموقع الجزيرة مباشر إن بعض الأحزاب في تركيا ذهبت إلى التقليل من قيمة الإنجاز الذي تحقق في سوريا، بل والتحذير من أن سقوط الأسد سيؤدي إلى تقسيم سوريا، وأن القيادة السياسية التركية ارتكبت خطأ فادحا بدعمها لعناصر المعارضة السورية المسلحة، وأن مصلحة البلاد كانت تقتضي مساندة نظام الأسد وليس العمل على إسقاطه.

وأضافت: “الغريب في الأمر أن من اتخذ هذا الموقف هو أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر اليميني المتطرف، أكثر الشخصيات السياسية التركية كرها للاجئين، وأبرز المنادين بضرورة ترحيلهم عن البلاد بشتى الطرق”.

وفيما يلي نص المقال:

مع سقوط نظام حزب البعث في سوريا، وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد وجدت المعارضة التركية نفسها في موقف لا تحسد عليه، فعلى مدى السنوات الماضية استطاعت توجيه ضربات متتالية للحكومة، ونجحت في اقتناص انتصارات عدة في الاستحقاقات الانتخابية بشقيها البرلماني والمحلي الأخيرة على خلفية استغلالها للأزمة السورية.

وتوظيفها لملف اللاجئين تحديدا في شن حملات ممنهجة ضد الحكومة، والترويج إعلاميا لأكذوبة أن كافة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المجتمع التركي، ويعاني جراءها في تفاصيل حياته المعيشية، يعود في المقام الأول إلى كثافة عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، والسياسات الفاشلة التي انتهجتها الدولة تجاه هذه القضية على مدى سنوات الأزمة..

وهو ما انعكس سلبا على شعبية حزب العدالة والتنمية، وأدى إلى تعرضه لخسارة فادحة دفع ثمنها من شعبيته بين الأتراك عموما، وداخل قاعدته التصويتية التقليدية على وجه الخصوص، التي غيّر بعضها وجهته التصويتية إلى الأحزاب المحافظة كالرفاة من جديد، والديمقراطية والمساواة، والمستقبل، إلى جانب حزب السعادة، بينما أمعن جزء لا يستهان به منها في إعلان سخطه وغضبه من سياسات الدولة بصورة عامة عبر التصويت لحزب الشعب الجمهوري المعارض أكبر الأحزاب المنافسة.

لتأتي عملية تغير النظام الحاكم في سوريا، تعقبها هجرة عكسية واسعة النطاق للاجئين السوريين المغادرين للأراضي التركية إلى مدنهم وقراهم، الذين وصل عددهم خلال خمسة عشر يوما فقط إلى 25 ألف لاجئ وفق بيان وزارة الداخلية التركية، ليشكل الأمر برمته صدمة لأحزاب المعارضة التركية التي لم تكن تتوقع إمكانية حدوث هذا الأمر، وبهذه السرعة التي حدث بها.

فهي من ناحية خسرت ورقتها الرابحة التي طالما استخدمتها في مهاجمة الحكومة وتوجيه أشد اللوم لها، وهي ورقة اللاجئين في ظل استعداد الآلاف منهم للعودة إلى بلادهم واستعادة حياتهم الطبيعية، والمشاركة في تعمير ما دمرته سنوات الحرب بعيدا عن مشاعر العنصرية والعدائية التي عانوا من تداعياتها أشد المعاناة، خاصة بعد أن زادت حدتها تجاههم خلال السنوات الأخيرة نتيجة خطاب الكراهية الذي تبنته ضدهم أحزاب المعارضة، التي اعتمدت في حملاتها الانتخابية شعار “ترحيل السوريين أهم أولوياتنا”.

ومن الناحية الأخرى فإن البدء في إنهاء قضية اللاجئين السوريين الذي واكب سقوط بشار الأسد تعني في نهاية المطاف تحقيق الحكومة التركية ورئيسها أردوغان انتصارا سياسيا تاريخيا يحسب لهم، وهي السياسة التي طالما وصمتها المعارضة بالفشل، ووجهت بسببها لوما شديد اللهجة للحكومة ولأردوغان شخصيا.
هذا الانتصار سيؤدي دون شك إلى زيادة شعبية أردوغان وحزبه، وزيادة ثقة ناخبيه والمواطنين عموما في طريقة إدارته للدولة واستراتيجيته المتبعة فيما يتخذه من قرارات سواء ما يرتبط منها بالوضع الداخلي، أو فيما يخص علاقاتها الخارجية، وهو ما يقوض تلقائيا فرص المعارضة الطامحة في اعتلاء السلطة بالبلاد.

ويضمن له في الوقت ذاته استعادة ما فقده من كتلة حزبه التقليدية، بل والقدرة على جذب المزيد من الأصوات لدعم توجهاته السياسية، وقراراته الاقتصادية في ظل ما يتم الإعلان عنه من خطط تتحدث عن شكل العلاقات التركية السورية خلال المرحلة المقبلة.
وما تنطوي عليه هذه الخطط من فتح الطريق رحبا أمام الاستثمارات التركية في سوريا، التي تشمل الكثير من قطاعات الإنتاج، واستعداد العديد من شركات الإنشاءات للمشاركة في عملية إعادة إعمار المدن السورية، والعوائد الاقتصادية المتعددة التي يمكن أن تنعكس إيجابيا نتيجة هذه الخطط على الوضع الاقتصادي بتركيا، وما يمكن أن تحمله من فرص واعده لملايين الأتراك، الراغبين في العمل بسوريا الجديدة.

تحول الأوضاع وعودة سطوع نجم الرئيس أردوغان وحزبه مجددا على الصعيد الشعبي أحرج أحزاب المعارضة، التي بدا عليها التخبط وفقدان التوازن حتى ذهب البعض منها إلى التقليل من قيمة الإنجاز الذي تحقق، بل والتحذير من أن سقوط الأسد سيؤدي إلى تقسيم سوريا، وأن القيادة السياسية ارتكبت خطأ فادحا بدعمها لعناصر المعارضة السورية المسلحة، وأن مصلحة البلاد كانت تقتضي مساندة نظام الأسد وليس العمل على إسقاطه.

الغريب في الأمر أن من اتخذ هذا الموقف هو أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر اليميني المتطرف، أكثر الشخصيات السياسية التركية كرها للاجئين، وأبرز المنادين بضرورة ترحيلهم عن البلاد بشتى الطرق، إذ نشر على حسابه في منصة “إكس” بيانا قال فيه: إن الإطاحة بنظام بشار الأسد سيضع سوريا تحت رحمة التنظيمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وهيئة تحرير الشام، مشيرا إلى أن الأراضي السورية باستثناء تلك التي يقطنها العلويون تهيمن عليها التنظيمات الإرهابية”، وهو التوجه الذي يخالف منهجه الراغب بشده في تفريغ المدن التركية من السوريين، الذي يؤمنه رحيل الأسد عن سوريا.

فيما سعى آخرون إلى تغيير مواقفهم، والتعاطي مع تطورات الأمر بدبلوماسية، معتبرين أن ما حدث في سوريا هو شأن داخلي، ولا يحق لأحد انتقاده، إذ أعلن أوزغور أوزيل زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، الذي كان يطالب قبيل سقوط الأسد بساعات قليلة بضرورة عقد مصالحة معه، أنهم يؤيدون وحدة الأراضي السورية، وتحقيق الأمن والاستقرار بها، معتبرا أن أولوية حزبه فيما يخص الوضع داخل سوريا، يرتبط في المقام الأول بتحقيق الأمن والسلام للمواطنين الأتراك، مطالبا بضرورة العمل على وضع برنامج متكامل يكفل عودة السوريين الموجودين في تركيا إلى بلادهم على الفور لما في ذلك من مصلحة لكلا الطرفين..

بينما ركز أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في حزب الشعب الجمهوري، على ضرورة الإسراع في ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد سقوط النظام الذي هربوا منه، معربا عن استعداد بلدية إسطنبول التي يديرها المشاركة في إعادة إعمار المدن السورية، بما يضمن توفير أماكن مناسبة للسكن أمام العائدين.

ربما كان أحمد داوود أوغلو زعيم حزب المستقبل أكثر أحزاب المعارضة التركية انفتاحا على تطورات الوضع في سوريا، وإسقاط بشار الأسد، بعيدا عن ما يمكن أن يحققه ذلك من مصالح لتركيا، إذ عد أن الشعب السوري نجح في وضع حد لنظام ديكتاتوري طائفي، ليبدأ حقبة تاريخية جديدة، بنظام يحقق له الكرامة الإنسانية، والوحدة الوطنية، مطالبا بضرورة دمج جميع طوائف وأعراق مكونات المجتمع السوري في العملية السياسية، والعمل على إنشاء نظام قضائي عادل، والإسراع في كتابة دستور جديد للبلاد يضمن الوحدة الترابية للأراضي السورية، ويحفظ للسوريين حقوقهم وحريتهم، مع أهمية إعادة تأهيل اقتصاد الدولة، بما يحقق الرفاهية للشعب السوري الذي عانى لسنوات طويلة، والعمل على استعادة الثروات المنهوبة، التي قام الأسد بإخراجها من البلاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *