اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، بصحيفة يني شفق، الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مسلطًا الضوء على استخدام إسرائيل للجوع والحصار كأداة حرب منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، في ظل دعم سياسي وعسكري أمريكي.
ويعرض المقال تقارير أممية ودولية تؤكد بلوغ الوضع مرحلة “أسوأ سيناريو للمجاعة”، نتيجة منع دخول المساعدات الإنسانية أو التحكم في توزيعها لأغراض سياسية.
كما يتناول تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل، بما في ذلك مواقف أوروبية وأميركية تنتقد تجويع المدنيين، إلا أن هذه الضغوط تبقى محدودة التأثير في ظل غياب إرادة حقيقية لكبح جرائم الحرب والانتهاكات الممنهجة.
وفيما يلي نص المقال:
يصف تقرير “تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل” التابعة للأمم المتحدة الوضع في غزة بأنه “أسوأ سيناريو للمجاعة”.
فـ”الجوع الواسع النطاق، وسوء التغذية، والأمراض” الة بنقص الغذاء، قد أوصلت الوفيات إلى مستويات غير مسبوقة. ومنذ شهر آذار/مارس، يُعد الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل، والخطة المدعومة أمريكياً في الأشهر الأخيرة والتي تقضي بتركيز المساعدات الإنسانية وتوزيعها عبر إسرائيل، من أبرز الأدلة على أن الجوع يُستخدم في غزة كسلاح حرب.
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أطلقت حكومة نتنياهو حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية في غزة، وتواصل التحرك بوقاحة لا تتورع معها عن الادعاء بعدم وجود مجاعة في القطاع، رغم الضغوط الممارسة من المنظمات الإنسانية الدولية. حتى التصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي ترامب، الذي يُعد الجهة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط على إسرائيل، والتي أقرّ فيها بوجود الجوع، تبدو للأسف غير كافية أمام إصرار اليمين الإسرائيلي المتطرف على تنفيذ خططه الهادفة إلى القضاء النهائي على الفلسطينيين.
الضغط الدولي
في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل، التي لا تسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بالطرق المعتادة. فقد أعلنت الأمم المتحدة أن القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول وخروج المساعدات الدولية أصابت العمل الإنساني بـ”الشلل”.
وأكّد مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمين العام للأمم المتحدة أنه ما لم يُسمح بدخول ما لا يقل عن 700 شاحنة يوميًا، فإن المجاعة الجماعية والوفيات ستكون حتمية. ووفقًا للتقارير، فإن إسرائيل لم تسمح حتى شهر تموز/يوليو سوى بدخول 100 شاحنة يوميًا، وقد سيطرت أيضًا على عملية توزيع هذه المساعدات. وفيما لا تبدي القوات الإسرائيلية أي نية حسنة في توزيع المساعدات، فإنها تستخدم هذا التوزيع، الذي هو أصلاً أقل بكثير من حجم الحاجة، كسلاح ضغط ضد حماس.
كما أن البيانات الأخيرة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والتي شددت على أن “الوصول غير المحدود للمساعدات الإنسانية ضرورة ملحة”، تعكس بدورها هذا الضغط المتزايد.
وفيما فُتحت نقاشات في برلمانات دول مثل فرنسا وإسبانيا حول فرض حظر مؤقت على إسرائيل، طرحت في هولندا تهديدات بمنع دخول وزيرين إسرائيليين إلى البلاد.
أما الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فأعلن أن 30% فقط من المساعدات التي أُرسلت إلى غزة عبر الشاحنات وصلت إلى وجهتها، فيما مُنعت النسبة المتبقية من الوصول.
وفي مواجهة هذه الضغوط، أعلنت إسرائيل أنها ستمنح “فترات إنسانية قصيرة لبضع ساعات يوميًا” وستسمح بإلقاء المساعدات من الجو. وعلى الرغم من أن هذه الفترات المؤقتة سمحت في بعض الأحيان بوصول عدد الشاحنات إلى 200 يوميًا، إلا أن دولًا مثل ألمانيا وإسبانيا، رغم إعلانها نيتها إرسال مساعدات جوية، وصفت هذه الجهود بأنها “قطرة في محيط”.
الضغط الأميركي
وقد لقيت الكارثة الإنسانية في غزة صدى داخل الأوساط السياسية الأميركية كذلك. فقد وجّه أكثر من 40 سيناتورًا ديمقراطيًا رسالة مشتركة إلى إدارة ترامب، أشاروا فيها إلى “مخاطر تحوّل الوضع إلى مجاعة جماعية”، وطالبوا بتحويل الموارد إلى وكالات الأمم المتحدة الإنسانية.
ورغم امتناع السياسيين الأميركيين عن التنديد المباشر باستهداف إسرائيل المنهجي للمدنيين الذين يحاولون الحصول على المساعدات، فقد دعوا إلى منع سقوط قتلى في نقاط توزيع المساعدات، وتسريع إرسال المعونات العاجلة.
وطالب 21 سيناتورًا ديمقراطيًا الولايات المتحدة بوقف تحويل الموارد إلى “مؤسسة المساعدات الإنسانية في غزة” (GHF) التي تسيطر عليها إسرائيل، وتحويلها إلى مؤسسات تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وقد اتهم هؤلاء السيناتورات نموذج GHF بأنه يعمل تحت رقابة عسكرية ويتسبب في إيذاء المدنيين، كما أبدوا تحفظاتهم بشأن انعدام الشفافية في تدفق الأموال ضمن هذا النموذج.
بينما وجّه سياسيون ديمقراطيون مثل بيرني ساندرز وهاكيم جيفريز دعوات لرفع الحصار عن غزة، صدرت بعض النداءات من المعسكر الجمهوري أيضًا، وإن كانت محدودة.
فعلى سبيل المثال، دعت مارغوري تايلور غرين، وهي من أبرز السياسيين المحافظين، إلى زيادة تدفق المساعدات، مؤكدة أن “حياة المدنيين في خطر”.
وتُظهر هذه الدعوات، التي يُنظر إليها على أنها تهدف إلى تخفيف الضغط عن إسرائيل والحفاظ على صورتها، أن الضغوط الدولية وضغوط الرأي العام بدأت تؤثر حتى في الجمهوريين.
كما أن الممارسات الإسرائيلية ضد المسيحيين في غزة والضفة الغربية بدأت تثير ردود فعل في صفوف السياسيين الجمهوريين المحافظين.
وقد أشار الرئيس ترامب، عقب لقائه برئيس الوزراء البريطاني ستارمر، إلى وجود مجاعة، بخلاف ما يزعمه نتنياهو، مؤكدًا أن “الصور لا يمكن أن تكون مفبركة”، وهو ما يدل على أن الوضع الإنساني في غزة بلغ درجة لا يمكن إنكارها، حتى في الخطاب السياسي الأميركي.
أما الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل، والذي يُقدَّم أحيانًا مع بعض الشكاوى الشكلية، فقد أتاح لنتنياهو هامش حركة واسعًا في الشرق الأوسط.
ورغم هجماته على دول مختلفة في المنطقة وممارساته التطهيرية بحق الفلسطينيين، لم يدفع نتنياهو أي ثمن يُذكر، ولا يزال يتحدث بوقاحة عن “عدم وجود مجاعة” في غزة.
أما ترامب، وهو الشخص الوحيد القادر على ممارسة ضغط فعلي عليه، فقد أطلق يده أكثر حين ساعده على الإفلات من المحاكمة أمام القضاء الإسرائيلي.
وبينما يواصل نتنياهو استغلال نفوذ اللوبي الإسرائيلي داخل السياسة الأميركية إلى أقصى حد، فمن غير المرجح أن يتجاوب مع الضغط الدولي ما لم يتعرض لضغط مباشر من الإدارة الأميركية أو يواجه تكلفة كبيرة.
إن إسرائيل، التي جعلت من الحديث عن ضمير الإنسانية “مزحة مأساوية”، لا تزال تكشف أمام العالم كله مدى فشل النظام الدولي ونفاقه.