اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، التوتر المتصاعد في العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.
وسلّط التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق الضوء على تحوّل لافت في سياسة ترامب، الذي يبدو غير راضٍ عن التصعيد الإسرائيلي، ويضع مصالح الولايات المتحدة الإقليمية فوق اعتبارات الدعم التقليدي لإسرائيل.
كما ناقش الكاتب التحوّلات في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، خصوصًا فيما يتعلق بإيران ودول الخليج، مشيرا إلى تراجع نفوذ نتنياهو في التأثير على القرار الأمريكي، رغم استمرار الدعم العسكري والسياسي من واشنطن لتل أبيب.
وفيما يلي نص التقرير:
رغم رغبة الرئيس دونالد ترامب في أن تُحلّ الأمور “بأسرع وقت ممكن”، إلا أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نيّته احتلال معظم غزة وتوسيع العمليات العسكرية، يعمّق الفتور القائم بين الزعيمين. فقد كرر ترامب، يوم الأحد، في تصريحاته: “نحن نناقش هذه المسألة مع إسرائيل، ونحاول إنهاء هذا الوضع بأسرع شكل ممكن”، في إشارة واضحة إلى رغبته في إنهاء العمليات العسكرية على وجه السرعة.
خلال زيارته إلى الخليج، التي تعمّد فيها تجاهل إسرائيل، وجّه ترامب رسالة واضحة مفادها أن مصالح الولايات المتحدة تأتي أولاً. ويبدو أنه منزعج بشدة من تصعيد نتنياهو بإعلانه نية احتلال غزة. كما أن الخلافات الحادّة في وجهات النظر حول قضايا المنطقة واضحة تمامًا.
ورغم ذلك، أرسل ترامب وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إلى إسرائيل لتقديم التعازي في أعقاب الهجوم المسلح على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، في خطوة تهدف إلى التأكيد على استمرار دعم أمريكا لإسرائيل.
كرئيس اعتاد على نسب الانتصارات السياسية لنفسه في كل قضية، يشعر ترامب بانزعاج متزايد من رفض نتنياهو الانخراط في أي اتفاق، باستثناء وقف إطلاق نار مؤقت. ومن المهم الإشارة إلى أن تدهور العلاقة بين ترامب ونتنياهو لا يُعدّ مجرد تطور عابر، بل يعكس أيضًا التحوّلات التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
هل سيُحمّل ترامب نتنياهو المسؤولية؟
تشكل الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة اختبارًا حاسمًا لمدى استعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانب إسرائيل. فنتنياهو، الذي يُعد من أكثر الزعماء براعة في التلاعب بالسياسة الأمريكية، استطاع خلال فترة إدارة بايدن أن ينتزع ما يفوق حتى ما كان يطلبه.
ورغم التظاهرات المناهضة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، والتوتر المتصاعد في المنطقة، اختار نتنياهو دائمًا التصعيد، ولم يتردد في استغلال نفوذ جماعات الضغط إلى أقصى حدّ داخل الكونغرس. الدعم الأيديولوجي من بايدن، والدعم المفرط من أعضاء الكونغرس، مَكّنا نتنياهو من توسيع دائرة الحرب إلى لبنان وسوريا، بل حتى إيران.
نتنياهو، الذي لم يتحمل حتى قرار بايدن بتجميد إرسال شحنات السلاح، راهن على فوز ترامب بالرئاسة، معتقدًا أن الضغوط عليه مؤقتة. لكن حتى بعدما وافق على اتفاق لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل وفقًا لرغبة ترامب، عاد إلى الحرب قبل أن تكتمل المرحلة الأولى.
تنازل ترامب عن شرط التطبيع مع إسرائيل مقابل تعزيز العلاقات مع دول الخليج اعتُبر خسارة كبيرة لإسرائيل، ومع ذلك لم يتردد نتنياهو في توسيع نطاق الحرب على غزة. وعلى الرغم من أن ترامب أثار مسألة تدهور الوضع الإنساني، إلا أنه لا يبدو مستعدًا لفرض كلفة سياسية أو أخلاقية على نتنياهو.
السياسة الإقليمية الأمريكية وعلاقاتها مع إسرائيل
تشهد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تغيّرًا جذريًا في عهد ترامب. فبينما لم يبدِ بايدن أي رغبة في تطوير سياسة جديدة للمنطقة، واكتفى بالاستمرار ظاهريًا في المفاوضات النووية مع إيران، فوجئ في نهاية المطاف بالإبادة الجماعية في غزة، وواصل دعمه غير المشروط لإسرائيل حتى اللحظة الأخيرة.
أما ترامب، فقد اتخذ خطوات كسرت التقاليد السائدة: الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، الدفع باتجاه صفقة تبادل أسرى مع حماس، التفاوض مع إيران دون إشراك إسرائيل، والسعي لهدنة مع الحوثيين. رغم أن سياساته في ولايته الأولى كانت منحازة بالكامل لإسرائيل كما في اغتيال قاسم سليماني فإنه لا يرغب في الدخول في معادلة لا تمنحه انتصارات سياسية في ولايته الثانية.
وفي حين لم يتردد ترامب في طرح أفكار “خيالية” مثل إخلاء غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، فإنه يطبّق مبدأ “أمريكا أولاً” بوضوح في سياسته تجاه المنطقة. بينما دأبت الإدارات الأمريكية السابقة على وضع أمن إسرائيل في قلب سياساتها الإقليمية، فإن ترامب يعطي الأولوية للمصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية.
وإزاء التآكل العميق لمكانة إسرائيل في الداخل الأمريكي، لم تعد لديها القدرة الكافية على معارضة سياسات ترامب الإقليمية. تصريحاته الإيجابية بشأن المفاوضات النووية مع إيران، ورفضه خطط نتنياهو لمهاجمة طهران عسكريًا، كلها دلائل على تراجع تأثير إسرائيل في توجيه السياسات الأمريكية.
علاقة ترامب بنتنياهو.. هل وصلت إلى طريق مسدود؟
من الصعب القول إن العلاقة بين ترامب ونتنياهو بلغت مرحلة اللاعودة، لكن رفض إسرائيل منح ترامب أي انتصار سياسي يُعقّد هذه العلاقة. حكومة نتنياهو، كما دأبت في الماضي، ستواصل محاولاتها للتلاعب بواشنطن ودفعها إلى إعادة تأكيد أمن إسرائيل كمحور للسياسة.
لكن غياب أي قلق لدى ترامب بشأن إعادة انتخابه، وكونه لا ينظر إلى الأمور من زاوية أيديولوجية كما يفعل بايدن، يُعقّد مهمة نتنياهو. ومع ذلك، فإن طابع ترامب السياسي غير المتوقع يجعل احتمال تبنّيه موقفًا مؤيدًا لإسرائيل في أي لحظة أمرًا واردًا.
ورغم ذلك، يبدو أن ترامب، الذي سعى في ولايته الأولى إلى حلّ القضية الفلسطينية من خلال استكمال مسار التطبيع الإقليمي مع إسرائيل، أدرك أن هذه القضية لا يمكن تجاوزها. وهو يدرك الآن أن عليه كبح جماح إسرائيل من أجل إبرام اتفاق مع إيران، وتطوير علاقاته مع دول الخليج.
يبقى أن ردّ ترامب على محاولات نتنياهو التصعيد، سيكون عاملًا حاسمًا في رسم ملامح سياسة ترامب في الشرق الأوسط.