اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والخبير التركينيدرت إيرسانال، تحليلًا مزدوجًا للأبعاد الجيوسياسية والسياسية الداخلية الأمريكية، حيث يركز بداية على استضافة الرئيس الأمريكي ترامب لقادة دول آسيا الوسطى والجمهوريات التركية في البيت الأبيض، مع توقيع اتفاقيات اقتصادية واستراتيجية، مثل اتفاقية “معادن الأرض النادرة” مع كازاخستان، ضمن سياق أوسع من التنافس بين الولايات المتحدة، الصين، روسيا، والاتحاد الأوروبي، ودور تركيا في هذه المنطقة الحيوية.

وينتقل الكاتب إلى قراءة رمزية وسياسية لفوز زهران ممداني في نيويورك، ويبرز كيف يُمثّل هذا النصر المحلي انعكاسًا لتأثير المهاجرين على السياسة الأمريكية، مع استعراض رموز المدينة مثل تمثال الحرية والتفاحة الكبرى، ودور ذلك في نقل انتصاره إلى الساحة الوطنية ومواجهته للتيارات السياسية المنافسة مثل ترامب.

وفيما يلي نص المقال:

استضاف الرئيس الأمريكي ترامب قادة دول آسيا الوسطى والجمهوريات التركية في البيت الأبيض، وأقام مأدبة عشاء على شرفهم. وحضر اللقاء قادة قيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وكازاخستان، وأوزبكستان. وبهذه المناسبة، جرى توقيع اتفاقية مع كازاخستان تتعلق بـ “معادن الأرض النادرة”. كما أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن عزمه زيارة أوزبكستان. وانضمّت كازاخستان إلى «اتفاقيات إبراهيم»، وأُعلن ذلك رسميًّا على لسان ترامب نفسه. ولا نعلم ما إذا كانت هذه الدعوة قُدمت للقادة الآخرين، لكن حدوث ذلك لن يكون مفاجئًا.

ينبغي أن نفهم ما يجري؛ فلا يمكن الاكتفاء بوصف هذه اللقاءات أو الاتفاقيات بأنها «رمزية» فحسب، ثم نتجاوزها. فهناك سياق جيوسياسي لا يمكن إنكاره.

إنّ هذا الاجتماع الذي أعقب اللقاءات المرتقبة للرئيس ترامب مع قادة كوريا الجنوبية واليابان والرئيس الصيني شي جين بينغ، يجمع بوضوح جغرافيا وتحالفا وتنافسا ذا أهمية بالغة بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند، والذي تُعدّ تركيا طرفًا فيه أيضًا، بالإضافة إلى إيران وأفغانستان وحوض بحر قزوين.

يجب تصنيف عناصر هذا التنافس بعناية؛ إذ يمكن النظر إلى المسألة من منظور “الموارد الجوفية” فقط، ولن يكون ذلك خاطئاً. فكازاخستان تعدّ من كبار منتجي اليورانيوم، وتركمانستان غنية بالغاز الطبيعي. وتمتلك أوزبكستان احتياطيات كبيرة من الذهب، في حين تشهد كلٌّ من قرغيزستان وطاجيكستان تطورًا ملحوظًا في مجال التعدين.

من جهة أخرى، ترتبط هذه الدول بعلاقات مختلفة المستويات مع منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس. وهناك أيضاً منظمة الدول التركية، ومعظمها أعضاء فيها.

من المعروف أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، يحاولون إعادة ترسيخ نفوذهم هنا. وظهرت بوادر ذلك في نهاية إدارة بايدن. وتتعدد الأسباب، ولكن القضية الأساسية هي الصين وروسيا. ففي ولاية ترامب الأولى كانت المنطقة والعالم يعيشان ظروفًا مختلفة، أما الآن فقد اتسع نطاق الأمور. ونحن ندرك أن هناك استراتيجيات جادة، تبدأ من البحر الأبيض المتوسط مرورًا بأوكرانيا، لتشمل الشرق الأوسط، وتمتد نحو آسيا الوسطى وغرب آسيا. وقد أصبحت اتفاقيات إبراهيم أحد أركان هذه الاستراتيجيات اليوم. إنهم يسعون بشدة إلى إشراك تركيا فيها، بل إنهم مولعون بهذه الفكرة.

والأمر يطول، ولكن ما ذكر يكفي، ونختم بالقول: “إن الاهتمام الذي قد تبديه الجمهوريات التركية ودول وسط آسيا باتفاقيات إبراهيم، يبرز بُعدًا يتعين على أنقرة أن توليه اهتمامًا بالغًا، إنها ليست قضية يمكن تجاوزها بسهولة”.

نيويورك ستكون “النور”

لننتقل إلى زهران ممداني..

يصف ممداني نيويورك ويقدمها على أنها “النور” الذي سيوجه السياسة الأمريكية. وهذا تشبيه بالغ الأهمية. فالمقابل الرمزي لهذا “النور” في نيويورك هو تمثال الحرية ذاته، والمشعل الذي يحمله في يده هو هذا النور. فهو بمثابة المرشد والعلامة الدالة على الطريق. وهذا أيضا معنى اسم زهران؛ “المضيء والمُشرق”. ويقدم ممداني نفسه للجمهور بوصفه تجسيداً لذلك النور. أما الأمريكيون فيوسّعون دلالة اسمه ليصل إلى “الشمس”، وهو أيضاً ما يرمز إليه تاج تمثال الحرية..

والأهم من ذلك، أن ممداني يبني سياسته وخطابه ال بها على “المهاجرين”، وأول ما يرونه عند وصولهم إلى نيويورك هو تمثال الحرية. فالمهاجرون إلى أمريكا وتمثال الحرية يشكلان لوحة تاريخية لا تنفصم. ويكفي أن تسأل محرّك البحث «غوغل» لترى الصور التي تُنهي الجدل حول هذا الترابط.

ويقول دان براون على لسان شخصيته الشهيرة روبرت لانغدون: «قليلون هم من يدركون هذا، لكن أكثر الأشياء التي تُصوَّر في مدينة نيويورك هو تاج الشمس. فتمثال الحرية يحمل تاجًا شمسياً، وهو هالة رمزية قديمة. لقد استخدمنا هذا الرمز العالمي عبر التاريخ للإشارة إلى الأشخاص الذين نؤمن بأنهم يتمتعون بنور إلهي أو مستوى عالٍ من الوعي». (مجلة “سر الأسرار”، ص 1819، 2025).

نقل النصر المحلي إلى الساحة الوطنية

أولا: إنه شخصية ذات أصول هندية، وُلد في أوغندا، ومتزوج من سيدة سورية؛ أي إنه قادم من منطقة كانت وما تزال هدفًا لاستغلال الغرب وهيمنته. فهل يتبنى موقفا سياسيًا مناهضًا لذلك؟

ثانيا: ألا يبدو نسخة نموذجية من أوباما؟ لكنه ليس كذلك، إنه أداة اندفاع وهجوم.

ثالثا: إن خطاب النصر الذي ألقاه بعد فوزه بالانتخابات كان تحديًا صريحًا، ويحمل رسائل تتجاوز منصبه كعمدة. ففي خطابه الذي وضع فيه المهاجرين ـ القاعدة التي صنعت أمريكا ـ في مواجهة ترامب، بدا وكأنه يقول: “إذا أردت واحداً منا، فعليك أن تدوس على جثثنا جميعاً”.

رابعاً: وصف ترامب هذا الخطاب بأنه “خطير” ونظراً للديناميكيات الداخلية الحالية في الولايات المتحدة، فإن التصادمات المحتملة قد تصل إلى حد مواجهات بين الحرس الوطني التابع لترامب وقوات الشرطة التابعة لممداني.

خامساً: من بين الصور والتعليقات التي حاولت وصف المشهد بعد الانتخابات، كان هناك من أشار إلى أحد ألقاب نيويورك، وهو “التفاحة الكبرى (Big Apple)”، فجعلها “التفاحة الحمراء (Red Apple)”، ومن وضع سيف ذي الفقار في يد تمثال الحرية، وهي رموز قوية للغاية.

سادسا: بما أن ممداني ليس مولودًا في الولايات المتحدة، فلا يمكنه أن يصبح رئيسًا. إذًا، ما سبب وضعه أهدافًا بهذا الحجم؟ وماذا يعني حصوله على دعم سوروس وساندرز معًا؟

سابعا: هو عدو لترامب بالفعل، لكنه يسعى أيضاً لمنع ظهور “ترامب آخر” في المستقبل. لذلك، فإن مرشح الديمقراطيين الذي سيدعمه ممداني في الوقت المناسب سيُظهر لنا ما إذا كان ممداني “عالمياً” أم لا.

ثامنا: لقد قرأنا العديد من التحليلات عن كيفية فوزه بالانتخابات. لا بد من الإقرار بأنه نقل صدقَه وإخلاصه إلى الناس بمهارة تامة. لكن العوامل الاقتصادية، ونجاحه في الوصول إلى جميع شرائح المدينة، وطرقه أبواب ثلاثة ملايين منزل، وتغييره لحقيقة أن نسبة مشاركة المسلمين في الانتخابات لم تتجاوز سابقًا 7% من أصل مليون نسمة، وحصوله على 30% من أصوات اليهود، وتأثير حرب غزة… كلها عوامل حاضرة. ولكن..

تاسعًا: لا أعلم إن كان هذا هو العامل الأول في فوزه، لكن السبب الحقيقي وراء هتافات الفرح والانفعال هو شعور نيويورك الدائم بالاستياء والاضطهاد من ترامب، رغم أنها مدينة ديمقراطية تقليدياً. وهذا ما يمنح فوزه إمكانية نقل انتصاره المحلي إلى الساحة الوطنية.

عاشرا: أما سبب الاحتفالات الحماسية عندنا، فأترك تفسيره لكم..

شاركها.