اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التحركات الدبلوماسية التركية والأمريكية والإسرائيلية فيما يخص أزمة غزة، مركزًا على دور تركيا في الحفاظ على استمرار المفاوضات بين حماس وإسرائيل ومنع تفاقم الإبادة الجماعية، مع إبراز المناورات الذكية التي اتبعتها حماس للحفاظ على حقوق الفلسطينيين.
يتطرق بستان في التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق إلى الهندسة الإقليمية الجديدة التي تحاول تعزيز السلطة المركزية ودمج الفواعل غير الدولة مثل الحشد الشعبي في العراق، مع الإشارة إلى العراق الشمالي وعملية تركيا خالية من الإرهاب وتأثيرها على الإدارة الإقليمية في أربيل وثقة تركيا في جهودها.
ويبرز الكاتب التوترات والتحديات بين القوى الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل ودمشق وإيران، وتأثيرها على استقرار المنطقة ومسار الحلول السياسية والأمنية.وفيما يلي نص التقرير:
تشهد الساحة الدولية حراكا دبلوماسيا مكثفا لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، وكانت نقطة التحول هي اجتماع غزة الذي عُقد في نيويورك بتاريخ 23 سبتمبر، بمشاركة الرئيس أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب على طاولة واحدة. وقد أولت الخارجية التركية أهمية قصوى لهذا اللقاء الذي كانت المهندس الرئيسي له (سبق أن أشرتُ إلى أن “ترامب سيخضع لمراقبةٍ دقيقة”، انظر: “استعدادات لحدث ثلاثي مفاجئ في نيويورك”، 5 سبتمبر).
وخلال ذلك الاجتماع، تم بحث خطة لوقف إطلاق النار تتكون من 21 بنداً. وشملت الخطة عناوين عريضة مثل: وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وإنهاء الاحتلال، ورفض التهجير، ونزع سلاح “حماس”، وتسليم الإدارة لهيئة تكنوقراط فلسطينية، ونشر قوة حفظ سلام دولية. وقد ذكرنا سابقاً أن أنقرة اعترضت على بند في الخطة قائلة: “يجب إنشاء دولة فلسطينية لتقوم “حماس” بتسليم أسلحتها لها” (راجع: “خطة ترامب.. البند الذي اعترضت عليه أنقرة”، 30 سبتمبر).
وتبع ذلك لقاء بين ترامب ونتنياهو، تلاه إعلان خطة من 20 بنداً أثارت قلقًا كبيرًا، إذ أضحى مسار انسحاب إسرائيل غير واضح، واقتُرح تشكيل مجلس دولي لإدارة غزة دون إشراك الفلسطينيين، وهو ما اعترضت عليه حماس بشدة، مؤكدة رفضها لأي قوة دولية تتدخل في قطاع غزة. وصرّح زعيم حماس، أبو مرزوق قائلاً: “سنسلم الأسلحة للدولة الفلسطينية التي ستُقام”.
المناورة الدبلوماسية التي أبقت المفاوضات قائمة
كانت توقعات إسرائيل قائمة على رفض حماس للاتفاق، فيما علق الرئيس الأمريكي ترامب قائلاً: “إذا لم تقبل حماس بهذا الاتفاق، فسيكون الوضع سيئًا” وهنا برز دور دبلوماسية الاستخبارات التركية، حيث توجه رئيس المخابرات إبراهيم قالن إلى قطر بعد اتصال ترامب بأردوغان. ونتيجة للمباحثات، تصرفت حماس بشكل بنّاء، ووافقت على الاتفاق بطريقة دبلوماسية ذكية حافظت على استمرار المفاوضات، وأبقت ترامب مشاركا بالعملية، وفي الوقت نفسه صانت الحساسيات المتعلقة بغزة.
فقد أعلنت حماس استعدادها لإطلاق سراح الأسرى، وتسليم إدارة غزة إلى “اللجنة الإدارية الفلسطينية” المكونة من التكنوقراط، واستعدادها مواصلة التفاوض بشأن القضايا المتبقية. كانت علامة الاستفهام الكبرى تدور حول ما إذا كانت حماس ستوافق على تسليم سلاحها. وتشير المعلومات الواردة إلى أن حماس ستسلم أسلحتها لهيئة مشتركة بين فلسطين ومصر تحت إشراف دولي. وسنرى جميعاً إلى أي اتجاه ستتطور المحادثات التي بدأت في مصر.
إسرائيل تُفسد الهندسة الإقليمية الجديدة
وتستند الهندسة الجديدة التي يتم بناؤها في المنطقة إلى أساس يعزز السلطة المركزية. ومن الواضح أن هذه الهندسة لا تمنح مكاناً للقوى الوكيلة أو الجهات الفاعلة الغير دولية. إن حماس هي حركة تحرير وصلت إلى السلطة بالانتخاب وتقاوم الاحتلال الإسرائيلي. ورغم شرعية موقفها، أظهرت استعدادها للتخلي عن السلاح (في حال تعزيز البنية المؤسسية للدولة الفلسطينية) لفتح الطريق أمام الدولة الفلسطينية وإنهاء الإبادة الجماعية. وحزب الله ليس على نفس النهج ولكن الحكومة اللبنانية تتخذ خطوات في هذا الصدد تحت ضغط من الولايات المتحدة. وهناك نقاش مماثل يدور حول الدمج المؤسسي لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في الجيش العراقي.
إن إسرائيل هي الطرف الذي يُعرقل هذا التوجه الإقليمي. حيث تتمسك بموقف يقول “على الجميع إلقاء السلاح ما عدا وكلائي”. ولذلك، تواصل تسليح الدروز في السويداء رغم خارطة الطريق الأمريكية الأردنية السورية. ومن جهة أخرى، تسعى جاهدة للحفاظ على وجود “قسد”.
ويبدو أن دمشق قررت الانتظار حتى نهاية العام للتعامل مع قضية (قسد). وتكتسب تصريحات المتحدثة باسم الوفد المفاوض لقسد، مريم إبراهيم، بأن “مفاوضات دمشق وقسد توقفت، وليس واضحاً سبب التوقف” أهمية بالغة. ويشهد محور سد تشرين توترًا منخفض الحدة بين الجيش السوري وقسد. ولأن قسد لم تجد ما كانت تأمله من وساطة الولايات المتحدة وفرنسا في المفاوضات مع دمشق، فإنها تدعو الآن دول الخليج إلى الانضمام إلى طاولة المفاوضات.
ما رأيته وسمعته في أربيل..
إن مصير قضية “قسد” سيؤثر بشكل مباشر على عملية “تركيا خالية من الإرهاب”. لقد قضيت عطلة نهاية الأسبوع في أربيل مع مجموعة من الباحثين والأكاديميين، حيث أجرينا لقاءات مثمرة وقيّمة. وفيما يلي أبرز ملاحظاتي:
أولاً: تأثير تركيا في المنطقة لا يزال قويًا وحيويًا. والشارع في أربيل يتجه نحو تركيا، ومن تتحدث معهم سيخبرونك بذلك صراحةً.
ثانياً: هناك تطلعات كبيرة بشأن “تركيا خالية من الإرهاب”. وتُتابع تصريحات الرئيس أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية بهجلي عن كثب. لقد أحدثت هذه العملية تأثيراً كبيراً لدرجة أن… “إيران أيضاً تساءلت في شمال العراق: ‘كيف وصل الأمر إلى هذه المرحلة’ وتسعى لتطبيق تجربة مماثلة على أكرادها.
ثالثاً: رئيس الإدارة الإقليمية نيجيرفان بارزاني يلعب دورًا مهمًا في المسار العراقي من العملية. هذا الدعم يعزز ثقة تركيا بالإدارة الإقليمية. في المقابل، يُشكل التنظيم تهديدًا للإدارة الإقليمية. كما أن نجاح العملية سيزيد من قوة الإدارة. لذلك هناك توقع بأن: “لا تقتصر العملية على قنديل، بل تشمل مخمور وسنجار أيضًا.”
رابعًا: ثمة نقطتان يختلفون فيها مع تركيا:
عند تحليلهم للوضع التركي، يستندون إلى خبراتهم وإطار شمال العراق الضيق. إن الأخوّة التركية الكردية وتطورها التاريخي في تركيا لا مثيل له في المنطقة (كالعلاقات الكردية والعربية وغيرها من العلاقات). إنها فريدة من نوعها. ويجب أن تؤخذ هذه الحقيقة كمرجعية عند اقتراح الحلول.
رغم دعم الإدارة لمسار تركيا خالية من الإرهاب، إلا أن إشاراتها بشأن “منطقة خالية من الإرهاب” متضاربة أحيانًا. فرغم ادعائهم توجيه رسالة لقسد بأن “يتوجّهوا نحو دمشق”، إلا أن المجموعات السورية المقربة من الإدارة الإقليمية تتحرك بالتعاون مع “قسد”، وهو ما يشكل تناقضاً ويولد أزمة ثقة محتملة.