اخبار تركيا

الوحشية والهمجية تجتاح أوروبا

سلجوق ترك يلماز يني شفق

لطالما ارتبط الدعم الألماني المطلق لإسرائيل بحادثة الهولوكوست التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية. ومع أن أولئك الذين يعملون على دراسة تطور الصهيونية سيدركون سريعًا أن الألمان، قبل هتلر بفترة طويلة، كانوا قد دعموا بشدة ظهور إسرائيل كمستعمرة استعمارية، إلا أن هذه الحقيقة تم تهميشها أمام الدعاية الصهيونية التي ركزت على “القوة اليهودية”. وبهذه الطريقة، تم ترسيخ اعتقاد بأن هناك قوى عالمية تتمتع بسلطة مطلقة، وهو اعتقاد ساهم في تشكيل عقلية مشوهة. ومنذ بداية الإبادة الجماعية في غزة، كانت آراؤنا حول العالم الغربي تتأثر بتلك التصورات. وكان يُعتقد أن الألمان يعانون من عار الهولوكوست، وكان يُنظر إلى العالم الغربي عمومًا على أنه مبتلى بمعاداة السامية.

ولكن بعد السابع من أكتوبر، تغيرت الكثير من الأمور. وفي هذا السياق، أصبح واضحًا أن دعم الغرب لإسرائيل لم يكن ًا بالذنب تجاه معادة السامية. ومن المؤكد أن هذا سيؤدي إلى ظهور أفكار جديدة، ولكن من الصعب تحديد مدى فهم هذه التغيرات. لقد أصبح موقف العالم الغربي، وخاصة موقف ألمانيا، أكثر وضوحًا؛ فقد تبين أنهم لم يعتذروا عن “خطيئة” معاداة السامية، بل أظهروا موقفًا مختلفًا تمامًا. وعندما نتعمق في هذه الأفكار نجد أن عملية ظهور إسرائيل لا يمكن تفسيرهامن خلال اللاهوت اليهودي. فإسرائيل هي في الواقع مشروع استعماري استيطاني تم بناؤه بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، مع مشاركة العديد من الدول الأوروبية الأخرى. ومن اللافت أن دولًا أوروبية مثل المجر انضمت إلى الصهيونية ولم تجد صعوبة في دعم جرائم الإبادة الجماعية الة بالاستعمار الاستيطاني. ولا يمكن تفسير هذا الوضع بسبب وجود “القوة اليهودية” أو “خطيئة معاداة السامية”. لذا، أصبح من الواضح بعد السابع من أكتوبر أنه يجب أن نركز بشكل أكبر على الاستعمار الاستيطاني.

الاستعمار الاستيطاني هو هيكل مُؤسَّس، حيث يرى المستعمرون أنفسهم هذا الهيكل قائم على التناقض بين البرابرة والشعوب المتحضرة. إلا أنه من المهم أن نُدرك أن هذا لا يعني بالضرورة انهيار العالم الغربي بالكامل. ففي الواقع، نشرت منصة “ميدل إيست آي” الرقمية العديد من التحليلات المتعمقة في إطار الاستعمار الاستيطاني، وقد قام عدد من المثقفين اليهود من أمثال إيلان بابيه، الذي يحظى بشهرة واسعة في بلادنا، بتفسير جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في سياق الاستعمار الاستيطاني. كما تناول يورغن ماكيرت على نفس المنصة في مقاله “هذا ليس ذنب الهولوكوست، إنه التفوق العنصري الألماني المتأصل” دعم ألمانيا غير المشروط لإسرائيل، حيث حلل هذه الظاهرة في سياق الاستعمار الاستيطاني، مشيرًا إلى الموقف العنصري الذي يتبناه الألمان.

أود التطرق إلى مقال يورغن ماكيرت بشكل تفصيلي، لكنني سأتناول في الوقت الراهن تقييمه لجرائم “المتحضرين”. حيث يلفت ماكيرت الانتباه إلى التمييز بين “المتحضرين” و”الهمج” الذي يسود الفكر الغربي. ولكن ماكيرت يركز على تجاهل أعضاء البرلمان الألماني لجرائم إسرائيل “المتحضرة”. ففي الاستعمار الاستيطاني، يقوم “المتحضرون” بالتوسع في أراضي السكان الأصليين، ويُنفذون تطهيرًا عرقيًا دون أن يروا في ذلك جريمة، لأنهم يعتقدون أن القضاء على السكان الأصليين ينقل “الحضارة الغربية” إليهم، وبالتالي يعتبرون أن السكان الأصليين مدينون لهم بالامتنان لجلب الحضارة إليهم. لكن المحكمة الجنائية الدولية، التي أسسها “المتحضرون” أنفسهم، ضمت الإبادة الجماعية المرتكبة في فلسطين إلى فئة “الجرائم المتحضرة”. ويؤكد ماكيرت أن دعم البرلمان الألماني لإسرائيل يستند إلى العنصرية الألمانية، حيث يُعتبر الإسرائيليون من “الإنسان الأبيض”. وبالتالي، فإن ألمانيا تتجاهل المؤسسات “المتحضرة” بشكل واضح.

ويشير يورغن ماكيرت أيضًا إلى أن البرلمانيين الألمان لم يتخذوا أي إجراء حيال “جرائم الحرب المدنية” التي يرتكبها الصهاينة. ويستشهد ماكيرت في مقاله، بمقولة مثيرة للاهتمام لـ “كلود ليفي ستراوس: “الهمجي هو، قبل كل شيء، شخص يؤمن بالهمجية”.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *