اخبار تركيا

انهيار النظام السوري: فرصة لإسرائيل أم بداية مأزق جديد؟

اخبار تركيا

تناول تقرير للإعلامي التركي سليمان سيفي أوغلو، التحولات الكبرى في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، مسلطًا الضوء على التغيرات الجيوسياسية التي أدت إلى تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل.

ويربط التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق بين أحداث السابع من أكتوبر في غزة وانعكاساتها على الإقليم، موضحًا كيف أن إسقاط الأسد قطع الطريق أمام إيران للتمدد نحو المتوسط، وأضعف النفوذ الروسي، وفتح الباب أمام صراع جديد بين أنقرة وتل أبيب على النفوذ في سوريا.

كما يستعرض التقرير محاولات إسرائيل لتوظيف القوى المحلية، مثل الدروز وتنظيم واي بي جي الإرهابي، لكبح التمدد التركي، وسط صعوبات تواجهها مع إدارة ترامب الساعية إلى تحقيق توازن إقليمي معقد.
في النهاية، يخلص التقرير إلى أن الصراع التركيالإسرائيلي في سوريا دخل مرحلة مفتوحة من التصعيد دون حلول قريبة في الأفق.

وفيما يلي نص التقرير:

ما جرى في سوريا من أحداث أدت إلى سقوط نظام الأسد لن يُفهم على حقيقته الكاملة إلا لاحقًا، عندما تتضح التفاصيل كاملة. أما الآن، فليس أمامنا سوى تحليل النتائج ومحاولة استنتاج ما وراءها. النقطة الأهم هي الربط بين مسار إسقاط الأسد وما حدث بعد السابع من أكتوبر في غزة، لفهم الصورة العامة. إذ إن ما جرى في سوريا ولبنان وغزة هو نتاج لخيوط مترابطة تصوغ نسيجًا واحدًا.

ومن أبرز النتائج المباشرة لتلك الأحداث، قطع الاتصال التام بين إيران والبحر المتوسط، إلى جانب تحجيم الميليشيات الحليفة لطهران، وعلى رأسها حزب الله. أما النتيجة الثانية فتمثلت في تراجع الحضور الروسي في المنطقة، نتيجة انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، رغم أن نفوذها لم يُمحَ بالكامل.

بسقوط الأسد، تحققت الأهداف التي سبق أن أعلنتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس. ومع ذلك، هناك من يرى أن سقوط الأسد لم يكن يصب في مصلحة إسرائيل، انطلاقًا من اعتقاد مفاده أن تل أبيب تحتاج إلى وجود أعداء لتبرير سياستها التوسعية. ووفق هذا الرأي، فإن خروج الأسد من المشهد يُعدّ خسارة لإسرائيل، لأنه كان يشكّل أحد أعدائها التقليديين.

لكنني لا أوافق على هذا الرأي. على العكس، رأيت في غياب النظام السوري فرصة لإسرائيل لتوسيع نفوذها. وهذا ما حصل بالفعل، إذ سارعت إسرائيل إلى احتلال كامل مرتفعات الجولان، وسيطرت على جبل الشيخ الاستراتيجي. ولم تكتف بذلك، بل وظفت بعض المكوّنات المحلية، مثل الدروز، لتشكيل قوة إقليمية موالية لها. واليوم، لم تعد المسافة بين القوات الإسرائيلية والعاصمة السورية دمشق تتجاوز 20 كيلومترًا، أي ما يعادل المسافة بين منطقتي توبكابي ومالتبه في إسطنبول.

لكن هذا الفراغ لم يكن باستطاعة إسرائيل أن تملأه وحدها. وقد أدركت سريعًا أن تركيا ستلعب دورًا محوريًا في هذا السياق. وهنا بدأت إسرائيل في الشعور بالقلق الحقيقي. فقد كانت العلاقات التركيةالإسرائيلية متوترة منذ حادثة “وان مينيت”، رغم وجود إيران آنذاك كطرف ثالث. وبعد انسحاب إيران من المشهد، برزت تركيا وإسرائيل كقوتين فاعلتين في سوريا، واقتربتا جغرافيًا بشكل كبير. ورغم محاولات تحسين العلاقات في بعض الفترات، فإن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة أعادت العلاقات إلى التوتر مجددًا.

هذا المشهد يتطلب تحليلًا عميقًا ودقيقًا. فبالنسبة لإسرائيل، فإن التصادم مع تركيا، التي بات نفوذها في دمشق واضحًا، يعني الدخول في مواجهة مزدوجة: فمن جهة، وجدت إسرائيل عدوًا جديدًا بعد خروج الأسد، ومن جهة أخرى، فإن هذا العدو الجديد، مقارنة بإيران، يُعدّ أكثر صعوبة في المواجهة. ويمكن تفسير حالة الذعر داخل الحكومة الإسرائيلية، والاجتماعات الطارئة المتكررة، وتصريحاتها العلنية حول احتمال نشوب حرب مع تركيا، ضمن هذا الإطار.

أما التحدي الآخر الذي واجهته إسرائيل فتمثل في عودة دونالد ترامب إلى السلطة. فبينما كان بايدن يُظهر بعض التحفظ في تأييده لإسرائيل، فإن ترامب اتخذ موقفًا صهيونيًا صريحًا؛ لم يتردد في الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، ودعا إلى “تطهير” غزة من الفلسطينيين. ولهذا بدت عودة ترامب بمثابة الفرصة الذهبية لتوجيه “الضربة القاضية” لإيران، بالتعاون بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي، تمهيدًا لإسقاط النظام الإيراني عسكريًا واقتصاديًا.

لكن حسابات إسرائيل لم تتطابق مع الواقع. إذ لم تُقدَّر التداعيات المحتملة لمثل هذه الحرب، التي يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة وتحرق المنطقة بأسرها. وكان من الواضح أن أي تحرك لإسقاط النظام الإيراني سيؤثر مباشرة على دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية. ولذلك عبّر الخليجيون والسعوديون عن رفضهم الشديد لهذا المسار، ويبدو أنهم نجحوا على الأقل مؤقتًا في إقناع ترامب بالتراجع.

لا يزال الوقت مبكرًا لإجراء تقييم نهائي، لكن من الواضح أن الأمور لا تسير حاليًا كما كانت تأمل إسرائيل.

تُوظف إسرائيل استثماراتها في الساحة السورية بشكل مباشر بهدف كبح نفوذ تركيا. فكما تسعى إلى توظيف الطائفة الدرزية في الجنوب لتحقيق مكاسبها، تدعم في الشمال تنظيم واي بي جي الإرهابي ليكون بمثابة حاجز أمني ضد تركيا. وتسعى تل أبيب بكل ما أوتيت من أدوات إلى الدفع باتجاه تشكيل بنية فيدرالية للدولة السورية.

وقد اتضح خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهدف الرئيسي منها كان تقديم شكاوى ضد تركيا. ففي الكواليس، تقدّم نتنياهو بمطالب جذرية إلى الإدارة الأمريكية بغرض تقليص نفوذ أنقرة، إلا أن تصريحات ترامب عقب اللقاء أوحت بأن تلك المطالب لم تلقَ القبول الكامل. فقد أعلن الرئيس الأمريكي بوضوح أنه لن يستجيب سوى للمطالب “المعقولة”، وهو ما يشير إلى أن نتنياهو قد طرح مطالب مبالغًا فيها.

من خلال هذا المشهد، يمكن ملامسة ملامح الرؤية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط. وعلى عكس توجهات الحزب الديمقراطي، تبدو إدارة ترامب غير مستعدة للتخلي عن تركيا. فهي تسعى إلى إقامة توازن ثلاثي بين العرب، والأتراك، والإسرائيليين. وإذا نظرنا إلى الفاعلين ضمن هذا التصور، نجد كلاً من تركيا، والأردن، ولبنان، والعراق، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، إلى جانب إسرائيل، يشكلون ما يمكن وصفه بتحالف “الكرة الموسّعة”. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذا النموذج الطموح يواجه صعوبات بالغة، ويقف التوتر التركيالإسرائيلي في قلب تلك العقبات.

ويظل تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مرهونًا بانسحاب إسرائيل من غزة، وتأسيس دولة سورية موحّدة. غير أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا؛ فإسرائيل تواصل دعم تنظيم واي بي جي الإرهابي، وتُصعّد من ممارسات الإبادة في قطاع غزة. أما هدفها الاستراتيجي الأكبر، فيكمن في إبعاد تركيا تمامًا عن الملف السوري.

أما كيف سيتمكن ترامب من كسر حالة التوتر بين البلدين، فلا يزال سؤالًا مفتوحًا. فهل بمقدور واشنطن إيجاد حل وسط يُرضي الطرفين؟ في الوقت الراهن، يبدو ذلك أمرًا بالغ الصعوبة.

من جهة أخرى، يبرز إشكال آخر يتعلّق مباشرة بتنظيم واي بي جي الإرهابي. إذ تواصل الولايات المتحدة، بالتعاون مع إسرائيل، دعمه رغم انحسار خطر تنظيم داعش الذي كان يُستخدم كمبرّر لهذا الدعم. ويبدو أن واشنطن تميل الآن إلى تسليم ملف مكافحة داعش إلى محور إقليمي خماسي يضم تركيا، ولبنان، وسوريا، والأردن، والعراق. ويمكن قراءة إعادة التموضع العسكري الأمريكي الأخيرة في سوريا والتي لا ينبغي تفسيرها على أنها انسحاب في هذا السياق. ومع ذلك، من المبكر الجزم بأن واشنطن تخلّت عن تنظيم واي بي جي الإرهابي، رغم أن هذه التحركات تثير انزعاجًا بالغًا لدى إسرائيل.

وما زاد الأمور تعقيدًا هو التقارب الأخير بين سوريا والعراق، الذي شكّل القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لإسرائيل. وبناء عليه، من المرجّح أن نشهد في المستقبل القريب سلسلة من الاستفزازات الإسرائيلية ذات الطابع التصعيدي.

الخلاصة: لا جديد يُذكر على الجبهة السورية، فالصراع السياسي بين تركيا وإسرائيل مستمرٌ بأقصى درجات التوتر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *