اخبار تركيا

وجه الدكتور علي القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، دعوة صريحة إلى تأسيس تحالف إسلامي استراتيجي لمواجهة التهديدات المتزايدة التي تمثلها إسرائيل والدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

وفي مقال نشره موقع الجزيرة مباشر، حذر القره داغي من أطماع المشروع الصهيوني في تفكيك العالم الإسلامي، داعيا إلى تجاوز الخلافات الطائفية والسياسية بين الدول الإسلامية، بما في ذلك الصراعات الة بإيران والدول العربية المتضررة من تدخلاتها.

وشدد على أن الوحدة لا يمكن أن تتحقق بالشعارات والعواطف، بل تحتاج إلى خطة واقعية، وقمة إسلامية حقيقية تنتج عنها وثيقة شرف ملزمة، وإنشاء قوة دفاعية مشتركة على غرار “ناتو إسلامي”.

كما أؤكد أن المصالحة الداخلية بين الحكومات وشعوبها وخاصة التيارات الإسلامية المعتدلة شرط أساسي لنهضة الأمة واستقلال قرارها في وجه الهيمنة الصهيونية والغربية.

وفيما يلي نص المقال:

لا يخفى على الجميع ما تعاني منه أمتنا الإسلامية وبخاصة أمتنا العربية من عدم مشروع يجمعهم ويحميهم، ومن الضعف، والعجز، وعدم القدرة على حماية نفسها أمام المشاريع السائدة، وبخاصة المشروع الصهيوني الذي يريد السيطرة على العالم العربي، بل والإسلامي، وهذا ليس سراً، وإنما هو تصريح نتن ياهو، ووزرائه المتطرفين من تغيير الشرق الأوسط، وعدم إبقاء أي قوة تٌشمٌّ منها رائحة التهديد لإسرائيل.

ومع الأسف الشديد نجد بوضوح تبني أمريكا ومعظم الدول الغربية هذا المشروع بقوة.

ولذلك كانت كلمة الرئيس أردوغان أمام وزراء الدول الإسلامية في 22 يونيو/حزيران 2025 صريحة وواضحة حيث بيّن مخاطر أطماع إسرائيل في الهيمنة على العالم الإسلامي، وقال صراحة إن طهران ليست وحدها مهددة، بل إن جميع حواضر العالم الإسلامي بما فيها إسطنبول، والقاهرة، وحتى مكة المكرمة، والمدينة المنورة مهددة أمام مخاطر الاستعلاء الصهيوني، والقضاء على أي قوة إسلامية مهما كانت طبيعتها.

ولذلك دعا إلى تحالف إسلامي وبخاصة في المجال العسكري، الدفاعي.

علما بأن ما قاله الرئيس أردوغان هو ما تشعر به الشعوب المسلمة، وتطالب قادتها بالوحدة والقوة وتبني مشروع متكامل كما فعل صلاح الدين حيث انطلق من التوحيد (أي من توحيد الله ثم توحيد الكلمة والأمة) إلى تحرير المسجد الأقصى، ولكن اعتمد على الله ثم على العلماء وجيشه …….. وبذل في ذلك جهودا عظيمة…

ولذلك فإن تحقيق هذا الهدف العظيم [التحالف الإسلامي] لا يتحقق بالعواطف والكلمات فقط، وإنما يحتاج إلى الجهود والتضحيات والقناعات، والخطة الاستراتيجية.

ومن خلال الواقع الإسلامي فإننا نرى أن هذا التحالف ليس سهل المنال لوجود تحديات جسام، وأخطرها الاختلافات الجوهرية العميقة داخل العالم العربي، حيث إن عدداً من دوله تقف مع الصهاينة ليس بالصمت، أو التأييد المعنوي، بل بالدعم الاقتصادي، واللوجستي والدبلوماسي، بل حتى العسكري، حتى في ظل مجازر غزة، والضفة، بل إن بعضها دعمت، وتدعم العدو الصهيوني للقضاء على المقاومة الفلسطينية وكذلك تُوجِد تنافرا كبيرا بين بعض الدول العربية والإسلامية، فهذه المشكلة تحتاج إلى حل جذري؟!!

كما إن إيران كان لها دور خطير جداً في سوريا، والعراق، واليمن، بالإضافة إلى محاولاتها المنتظمة لتشييع ما يمكن تشييعه في العالم العربي، والإسلامي، وإفريقيا، ناهيك عن مواقف معظم علمائها حول أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين، ومعظم الصحابة الكرام رضي الله عنهم وعن آل البيت العظام.

فهذه المشكلة يجب أيضا ان تٌحل حتى يزول الاحتقان الكبير السيئ وبخاصة داخل الدول الأربع العربية المتضررة والخليج.

ولذلك فإن التحالف الإسلامي الحقيقي الاستراتيجي لا يمكن أن يتحقق إلا بالصراحة والوضوح، وبما يأتي:

أولاً: أن تعقد قمّة إسلامية خاصة بالتحالف، تقدم إليها ورقة تأطيرية مخدومة لهذا التحالف تتضمن دراسة واقعية بعيدة عن العواطف وخطة عملية مرحلية واستراتيجية، مُفصلة، تتضمن التحديات، والإمكانات، والرؤية، والهدف، والإجراءات، ثم تدرس هذه الورقة من خلال ورشة عمل للخبراء والوزراء، ثم النتيجة تعرض على قمة أخرى للإقرار والبدء بالتنفيذ، ويجب أن تتضمن إنشاء قوة عسكرية قوية تكون بمثابة (ناتو إسلامي) للدفاع عن أمن الدول الإسلامية، والحفاظ على سيادتها واستقلالها، ومنع العدوان عليها.

ثانياً: تناقش الخطة، والقمة أوضاع الدول المطبعة مع دولة الاحتلال، ومدى إمكانية إسهامها في التحالف، مع وضع الضوابط والشروط الصريحة الواضحة، ويجب الإقرار بأنه إذا لم توافق عليها أي دولة يؤجل انضمامها إلى أجل آخر.

ثالثاً: بالنسبة لمشكلة إيران مع الدول التي لها تأثير عليها مثل اليمن، والعراق، فيجب أن تتشكل لجنة عليا لإعادة الأمور إلى نصابها، فاليمن اليوم يدار من أقلية صغيرة، في حين أن الأكثرية خارج الحكم، بل مطاردة، ومحاربة.

فبدون الحلول العادلة لهاتين الدولتين، ومشاركة إيران فيها بقوة وصدق، فلا يمكن أن يتحقق أي تحالف، حتى ولو تم فسيكون هشاً لا يتجاوز العواطف، ويتبخر فوراً، مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي اللتين لم نر منهما أي دور فاعل وقوي لحماية أعضائها، وغزة، وقبلها الكويت خير شاهد على ذلك العجز (ولا ننكر بعض الأدوار الإيجابية لهما).

وإنني شخصيا لم أخف هذا الحق، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بذل جهودا كبيرة في بيان ما حدث وما يحدث في الدول الأربع من ظلم وطائفية، وعدوان على الثوابت ومقدسات الجميع.

رابعاً: ضرورة أن تتمخض القمة عن وثيقة شرف بين الدول الإسلامية تتضمن المبادئ، والضوابط والبرامج والمناهج، وحتى الاعتذارات، والالتزامات بمنتهى الصراحة.

ومن أهم بنودها أن تنص بأنه لا يجوز قطعاً أن تكون أي دولة إسلامية خطراً على دولة أخرى، أو تهديداً لأمنها وسيادتها، وهنا تفصل مخاوف الدول العربية من إيران، أو بالعكس.

ومن المعلوم أن دولة الاحتلال (إسرائيل) قد استفادت من تخويف بعض دول المنطقة من إيران وجعلتها فزاعة أدت إلى أن تقف معها مع الأسف الشديد، ولكن اليوم قد انكشفت خطة إسرائيل في الهيمنة على الشرق الأوسط بالكامل، والقضاء على أي قوة فيه، وأن القضية ليست إيران، وإنما أي قوة في العالم العربي والإسلامي فيجب أن تهزم، لتكون اليد العليا للصهاينة في الشرق الأوسط، وهذا ما أشار إليه الرئيس أردوغان.

خامساً: أن حاضنة الحكومات هي شعوبها، وأنهم مصدر قوتها بعد الله تعالى، ولذلك “خير الأمراء من تحبونهم ويحبونكم …”.

لذلك يجب على الدول التي فيها بعض المشاكل الداخلية أن يتصالح قادتها مع شعوبها بما فيها التيارات الإسلامية المعتدلة على أساس العدل والحقوق والواجبات، ولا يمكن لأي عاقل أن يستوعب المصالح في محاربة هذه التيارات، فلننظر إلى حكومة إسرائيل كيف تحمي تياراتها الدينية حتى المتطرفة.

فالواجب هو توحيد الداخل وبخاصة في ظل التحديات الخارجية وبشكل أخص التهديد الصهيوني لجميع دول المنطقة، وقد صرح نتن ياهو بعد ضرب أمريكا المفاعل النووي بأنه يتفق مع الرئيس ترامب في فرض السلام بقوة أي يقوم بإذلال الدولة واستسلامها، ثم فرض ما يريده عليها.

ولذلك فالعالم العربي والإسلامي بأمسّ الحاجة إلى مصالحة داخلية شاملة وعادلة والاستفادة من جميع مكونات الشعب، لأن الأعداء يريدون تجريد الحاكم من قوة شعبه بجميع مكوناته، وتياراته، وعندئذ يعتمد على الخارج لحماية نفسه، أو كرسيه، وهنا تقع الطامة الكبرى.

ثم الواجب الأهم أيضا أن تقوم القمة بمصارحة واضحة بين دولها، وقبل ذلك النية الصادقة والإخلاص لله تعالى، والإرادة الحازمة، والتعاون على البر والتقوى، وبما ذكرناه يتحقق بإذن الله تعالى التحالف الاستراتيجي القائم على الصراحة وقوة المنطق، والقوة الحقيقية للدفاع وليست للظلم، بل لمنع العدوان فقد أمر الله تعالى بإعداد القوة الشاملة فقال: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” ثم بين حكمته فقال تعالى “تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” وعندئذ لا يحاربكم الأعداء.

يا أيها القادة الكرام:

لا شك أنه بدون هذه الخطوات لن تتحقق الوحدة والتحالف الاستراتيجي، وبدونهما فإن مصير العالم الإسلامي نحو ظلام دامس، وفشل ذريع كما قال تعالى “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” (الأنفال:46).

فالوحدة الشاملة (داخل الدولة، وداخل الأمة) فريضة شرعية، وضرورة واقعية، حتى سماها الله تعالى بالإيمان، كما سّمى الفرقة بالكفر، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ” (آل عمران:100)، أي يردوكم بعد وحدتكم متفرقين، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأمته يوم حجة الوداع: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”. رواه البخاري في صحيحه (6868،6869،4405) ومسلم (65، 66).

هذه خلاصة ما فاض بها قلبي المليء بالألم العميق من أحوالنا، وبالأمل العريض بمستقبل الإسلام، وأن العاقبة للمتقين، وأن الظلم مهما طغى فهو منكسر، وأن القوة الغاشمة مهما علت فهي مقهورة ومهزومة بإذن الله تعالى.

وإننا نحن المسلمين، معنا وعد الله الحق الصادق، وأن الصهاينة مصيرهم إلى الزوال “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” صدق الله العظيم.

شاركها.