اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، تطور العلاقات التركيةالعربية من منظور تركي، مبرزًا جذورها التاريخية منذ العصور الإسلامية وصولًا إلى الدولة العثمانية، ثم تحولات ما بعد الحرب العالمية الأولى.
يركز أويصال في مقاله بصحيفة الشرق القطرية على الأبعاد الاقتصادية باعتبار العالم العربي مصدرًا أساسيًا للطاقة والاستثمارات وسوقًا رئيسية للصادرات التركية، إلى جانب البعد الأمني ال بالقضية الكردية واللاجئين والإرهاب.
كما يوضح كيف تؤثر الأزمات العربية بشكل مباشر على استقرار تركيا واقتصادها، مؤكدا أن تركيا ترى في التعاون مع الدول العربية حاجة إستراتيجية للحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي، ولتعزيز مكانتها الإقليمية اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا.
وفيما يلي نص المقال:
الأتراك والعرب شعبان مسلمان مهمان في الشرق الأوسط. لعب العرب دورًا رئيسيًا في ظهور الإسلام وانتشاره في تاريخه المبكر. ومع ذلك، برز الأتراك في أوائل الألفية الثانية الميلادية ولعبوا دورًا في انتشار وتقوية الإسلام (وخاصة الإسلام السني). من الدولة السلجوقية، التي دعمت الخلافة العباسية، إلى المماليك والعثمانيين، استمر اتحاد سياسي طويل وقوي بين الشعبين. خلال هذه الفترة، تشكلت روابط تاريخية وثقافية مهمة بينهما، وتم تحقيق الوحدة الدينية والتشابه اللغوي. وكما يوجد العديد من المواطنين من أصل عربي في تركيا، يوجد أيضًا العديد من الأشخاص من أصل تركي في الدول العربية.
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، اتجهت النخب التركية نحو الغرب، بينما سعت الشعوب العربية إلى التحرر من الاستعمار الغربي. بدأت تركيا تدرك أهمية الشرق الأوسط بشكل أفضل مع فرض العقوبات الغربية (بسبب عملية قبرص) وأزمة النفط على العالم. أدركت تركيا أن الغرب لم يعد ذا فائدة تُذكر لها خلال كلتا الأزمتين. علاوة على ذلك، فإن أقرب جيران تركيا جغرافيًا هم الدول العربية، ويتطلب الوصول إلى الشرق والجنوب المرور عبر المنطقة. في الواقع، كلا الجانبين بحاجة ماسة إلى بعضهما البعض، ولكن في هذا المقال، سنتناول هذه القضية من منظور تركي.
يُعدّ العالم العربي محوريًا للتنمية الاقتصادية والاستقرار في تركيا، فهو مصدرٌ مهمٌّ للطاقة وتدفق رؤوس الأموال، بالإضافة إلى كونه سوقًا رئيسية. تستورد تركيا حوالي 12% من وارداتها من الغاز الطبيعي من الدول العربية، ونصف وارداتها من النفط من هذه المنطقة، يتجاوز حجم الاستثمارات العربية في تركيا 10 مليارات دولار، وتستثمر تركيا، بدورها، أكثر من ملياري دولار في الدول العربية. كما تُعدّ الدول العربية أسواقًا مهمةً للصادرات التركية، لا سيما في قطاعات البناء والمنسوجات والأغذية والمعدات التقنية والسياحة.
تحتاج تركيا إلى علاقات جيدة مع العالم العربي للحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي، للجماعات الكردية والعلوية والمسيحية الموجودة في تركيا حضورٌ قويٌّ في دول أخرى بالشرق الأوسط، كما أن وضعهم الخارجي يؤثر على الوضع الداخلي. فعلى سبيل المثال، بينما تُحاول تركيا حلّ القضية الكردية داخليًا، فإن إيواء أو تشجيع الإرهابيين في الخارج (مثل قسد في سوريا) له عواقب وخيمة. علاوةً على ذلك، فإن تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط، وانتشار الإرهاب، والأفكار المتطرفة، يتطلبان اهتمامًا بالغًا.
يؤثر استقرار العالم العربي، بشكل عام، على استقرار تركيا كدولة صناعية وتجارية وسياحية. وقد أثرت الحرب الإيرانية العراقية، والحصار الأمريكي على العراق، والحرب الأهلية السورية، والفوضى الإقليمية سلبًا على الاقتصاد التركي وحتى السياسة التركية. واضطرت تركيا إلى مواجهة ملايين اللاجئين، وإرهاب داعش، والهجرة غير الشرعية. وفي الوقت نفسه، تُلحق الاضطرابات والحروب الإقليمية، كتلك الدائرة في غزة وأوكرانيا، ضررًا أكبر من نفعها بالنسبة لتركيا. وتسعى تركيا، التي تكتسب قوة عسكرية، جاهدةً للحفاظ على الاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز التعاون الأمني مع الدول العربية الأخرى.
كان التعاون بين العراق وسوريا قيّمًا في ظل سعي تركيا إلى حل قضية حزب العمال الكردستاني. وبالمثل، لعبت تركيا دورًا هامًا في منع الساعين إلى تقسيم سوريا (مثل قوات سوريا الديمقراطية والعلويين) من تحقيق أهدافهم.
من الأمثلة الرئيسية على قلق تركيا بشأن الأحداث التي تتكشف في جيرانها المباشرين سوريا، التي تشترك معها في أطول حدود. وبينما كان نظام الأسد حليفًا لإيران، فقد دعم زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان وظل لاحقًا غير ودي تجاه تركيا. وخلال الثورة السورية، سلم نظام الأسد المناطق الشمالية لعدو تركيا، حزب العمال الكردستاني، مما مهد الطريق لوصول داعش، والأهم من ذلك، تحويل الشعب السوري إلى لاجئين. وقد أثر هذا سلبًا على تركيا في العديد من المجالات، من الصادرات إلى السياحة، حيث أدى إلى إفقار تركيا بشكل كبير على مدى العقد الماضي. باختصار، ستظل الدول العربية، من الخليج إلى دول شمال أفريقيا الأخرى، مهمة بالنسبة لتركيا من الناحية الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية.