حسناء جوخدار اخبار تركيا
تزخر تركيا، ولا سيما سواحلها الجنوبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بتراث حضاري عميق الجذور تركته أمم متعاقبة من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصور الوسطى. ففي هذه الرقعة من الأرض، لا يلتقي البحر بالجبل فقط، بل تلتقي أيضًا آثار الإنسان الأول مع قلاع السلاجقة، ومعابد اليونانيين، ومسارح الرومان، وأضرحة الليقيين.
إنها فسيفساء تاريخية وطبيعية نادرة تجعل من كل موقع قصةً منفصلة تستحق الاكتشاف. وقد أدركت منظمة اليونسكو هذه القيمة، فأدرجت عددًا من هذه المواقع ضمن قوائمها للتراث العالمي، لتحظى بالاعتراف الكامل بمكانتها الفريدة.
من كهف قرائن الذي يحمل بصمات أولى خطوات الإنسان المنتصب، مرورًا بدير ألاهان المهيب في جبال طوروس، وقلعة ألانيا ذات الأبراج الحمراء المطلة على البحر، ووصولًا إلى المدينة الغارقة في كيكوفا وتيرميسوس الجبلية العصيّة على الإسكندر الأكبر، تتنوع هذه المواقع بين الطبيعي والمعماري، بين الديني والعسكري، وبين الحضاري والأسطوري.
كل منها شاهدٌ حيّ على عصور ازدهار وانحسار، وتفاعل بين الطبيعة والإنسان. وهذه الجولة عبر مواقع مسجلة لدى اليونسكو ليست مجرد استكشاف للآثار، بل هي رحلة في أعماق الذاكرة المتوسطية لتركيا، حيث يمتزج الجمال بالمجد، والصمت بالحكايات التي لا تنتهي.
كهف قرائن (Karain)، أنطاليا
قائمة اليونسكو المؤقتة للتراث العالمي لعام 1994
يقع كهف قرائن على بعد 35 كم شمال أنطاليا. وهو واحد من الكهوف الستة التي تم اكتشاف وجودها في هذه المنطقة، والتي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، مما يشير إلى أهمية النشاط البشري المبكر في المنطقة. يجذب الكهف الاهتمام باكتشافاته من العصر الحجري القديم المكتشفة هنا. أظهرت الحفريات أن الاستيطان هنا بدأ في وقت مبكر من 700000 قبل الميلاد مع الإنسان المنتصب، واستمر دون انقطاع طوال العصر الحجري القديم بأكمله وحتى وقت متأخر من العصر البيزنطي. تم العثور هنا أيضًا على جزء من جمجمة إنسان نياندرتال وهو معروض الآن في متحف أنطاليا. كما اكتشف شفرات ومكاشط ورؤوس سهام تعود إلى العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. وتوجه انتباه الباحثين بشكل خاص إلى نحت لوجه بشري مشابه من حيث الأسلوب مع القطع الأثرية للثقافة النطوفية التي ازدهرت في بلاد الشام خلال العصر الحجري المتوسط.
دير ألاهان، مرسين
قائمة اليونسكو المؤقتة للتراث العالمي لعام 2000
يقع دير ألاهان على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال سليقية، في جبال طوروس. المناظر الطبيعية للمنطقة مذهلة وتزيد من عظمة الدير. كانت المنطقة تُعرف باسم قيليقيا في العصور القديمة، وكانت بوابات قيليقيا (ممر غوليك) معلماً شهيراً؛ حيث كانت ممراً عبر جبال طوروس يربط بين سهول قيليقية المنخفضة وهضبة الأناضول. على الرغم من أن دير ألاهان لا يقع بالقرب من البوابات القيليقية، فقد كان على بعد حوالي 100 كيلومتر شرقًا، على طريق رئيسي آخر يوفر أيضًا الوصول إلى المناطق النائية من البحر الأبيض المتوسط عبر ممر سيرتافول. كان هذا الممر الجبلي على الطريق من قونية (الأيقونة القديمة) عبر قرمان (لانردة القديمة) إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
قلعة ألانيا وحوض بناء السفن، أنطاليا
قائمة اليونسكو المؤقتة للتراث العالمي لعام 2000
ألانيا هي مدينة منتجعات شهيرة على البحر الأبيض المتوسط، يمكن الوصول إليها عبر مطار أنطاليا ومطار غازي باشاألانيا. تقع ألانيا على الحدود القديمة لجزيرة قيليقيا واسمها القديم كان كوراكسيون. لم يتبق سوى القليل جدًا من هذه الفترة المبكرة، ولكن نجا الكثير من العصر السلجوقي إلى أيامنا. في العصر السلجوقي، كانت ألانيا تسمى “علائیة”، وفي القرن الثالث عشر كانت المدينة السلجوقية الرئيسية على البحر الأبيض المتوسط. قلعة ألانيا، قلعة من العصر السلجوقي يعود تاريخها إلى عام 1226، تشرف على المدينة بأكملها وهي عامل الجذب التاريخي الرئيسي. تم العثور على معظم المعالم الرئيسية في المدينة داخل القلعة وحولها. في أقسام مختلفة من منطقة القلعة توجد الكنيسة البيزنطية، ومسجد السليمانية، الكاروانِسراي، وأسوار المدينة القديمة التي تحيط بغالبية شرق شبه الجزيرة. برج قيزيل (البرج الأحمر)، هو رمز المدينة، وهو مبنى شاهق من الطوب يقف عند المرفأ أسفل القلعة. يضم حاليًا المتحف الإثنوغرافي في ألانيا. ما تزال ترسانة ألانيا (حوض بناء السفن)، المحمي بالجدران الدفاعية، أحد أفضل الأمثلة على العمارة العسكرية في العصور الوسطى. ينقسم حوض بناء السفن إلى خمسة خلجان مقببة ذات أقواس مدببة متساوية الأضلاع، وقد تم بناؤه في القرن الثالث الميلادي.
حديقة جبل غُلُّك تيرمسوس الوطنية، أنطاليا
قائمة اليونسكو المؤقتة للتراث العالمي لعام 2000
ربما تكون تيرمسوس واحدة من أكثر المدن القديمة جاذبية وإثارة للإعجاب، ليس فقط في تركيا، ولكن في العالم بأسره. تضيف حديقة جبل غُلُّك تيرمسوس الوطنية (جبل غُلُّك حديقة تيرمسوس الوطنية) إلى جمالها الفريد. يمكن الوصول إلى تيرمسوس بسهولة من أنطاليا إذ أنها تقع على بعد 35 كم بالسيارة في الجهة الشمالية الغربية على طول طريق دنيزلي إزمير. اسم”تيموس” والاسم القديم لجبل غُلُّك (سوليموس) مشتق من (سوليموس) إله الأناضول الذي صار يُعرف لاحقًا بزيوس. في الواقع، ترك سكان تيرمسوس ملاحظة تقول: “لسنا بيسيديين ولا ليقيين، لكننا سوليميين” في إشارة إلى جبلهم المقدس وإلى الإله الرئيسي للمدينة زيوس سوليموس. في عام 333 بعد الميلاد فشل الإسكندر الأكبر في الاستيلاء على المدينة، وشبهها بعش النسر. لم يحاول الإسكندر حتى فرض حصار عليها، وفضل المضي قدمًا بدلاً من ذلك. ناقش المؤرخ آريانوس النيقوميدي كيف يمكن لقوة صغيرة أن تدافع عن تيرمسوس بسبب تحصيناتها الطبيعية الممتازة. ونظرًا لعدم وجود مستوطنات حديثة أو طرق مؤدية إلى المدينة حتى وقت قريب؛ فإن معظم المباني، في الغالب، سليمة وتعطي الزائرين إحساسًا قويًا بالعودة إلى الماضي.
يلزم لزيارة تيرمسوس ما لا يقل عن نصف يوم. الموقع ضخم مقارنة بغيره؛ حيث يوجد فيه أربع مقابر تحتوي على نماذج جميلة لقبور بيسيدية، ومسرح بإطلالة مدهشة على جبل سوليمو، يتسع لجلوس 40005000 متفرج؛ بوليوتيريون من الفترة الهلنستية يقف في أوجها الأصلي؛ صهاريج مياه أثرية وأنظمة مياه رائعة؛ المعابد، والحمامات، وشوارع ذات أعمدة. ناهيك عن المناظر الطبيعية الرائعة والغابات.
كيكوفا، أنطاليا
قائمة اليونسكو المؤقتة للتراث العالمي لعام 2000
كيكوفا هو اسم منطقة وليس بلدة أو مدينة قديمة. وهي تقع على بعد حوالي 200 كم غرب أنطاليا و 250 كم شرق فتحية. كيكوفا هي مجموعة من الجزر الخلابة والخلجان العديدة. على طول الساحل الشمالي لجزيرة كيكوفا، تسببت الزلازل في غرق المنازل القديمة تحت المياه الصافية، ما شكّل مدينة غارقة. لا يسمح بالسباحة أو الغوص في الموقع ولكن يمكنكم رؤية الأنقاض من قارب. المنطقة بأكملها مليئة بالآثار القديمة من الفترة الليقية. تشرف أطلال مدينة سيمنا الليقية القديمة على خليج كيكوفا، وتقع أسفل أسوار قلعة رومانية تضم مسرحًا صغيرًا محفوراً في الصخر. سيمنحكم التسلق إلى القمة رؤية شاملة للخلجان ومنابع المياه والجزيرة واليخوت التي تبحر فوق المياه الصافية. وفي الأفق سترون العديد من التوابيت الحجرية المنتشرة على التلال. وعلى الجانب الآخر توجد قرية أوج أغِز الخلابة، والتي كانت ذات يوم مدينة ليقية قديمة تسمى “ثيميوسا” كلا الاسمان يعنيان الأفواه الثلاثة، في إشارة إلى انفتاح المدخل على البحر عبر ثلاث مداخل.