اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والخبير السياسي التركي يحيى بستان، بصحيفة يني شفق، تحوّلًا استراتيجيًا في العلاقات بين سوريا وتركيا، على خلفية زيارة رفيعة المستوى لوفد سوري ضم وزيري الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات إلى أنقرة.
ويسلط بستان الضوء على أبعاد التعاون الأمني المحتمل بين الطرفين في مواجهة “قسد/واي بي جي”، التي تُتهم بالعمل كأداة للمشروع الإسرائيلي الساعي إلى تقسيم سوريا عبر ما يُعرف بـ”ممر داوود”.
كما يتطرق التقرير إلى تداعيات أحداث السويداء، وردود الفعل الدولية، وخاصة الدورين الأميركي والروسي، ويحلل موقف إسرائيل الساعي لإبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة.
ويرجح الكاتب قرب توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين أنقرة ودمشق، مع دعم تركي غير مباشر لتحرك ميداني محتمل ضد “قسد” في المناطق ذات الغالبية العربية. وفيما يلي نص المقال:
شهدت أنقرة قبل يومين زيارة عمل مكثفة لوزيري الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات السوريين. توجه الوفد أولاً إلى وزارة الخارجية، ثم إلى وزارة الدفاع. أما المشهد الأبرز فتمثل في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في وزارة الخارجية التركية، حيث وجه الوزير هاكان فيدان “الإنذار الأخير لـ”قسد/واي بي جي” في تصريح بالغ الأهمية. كما كانت مذكرة التفاهم التي وُقعت في وزارة الدفاع جديرة بالملاحظة.
تعددت التساؤلات حول دلالة هذه التطورات، من قبيل: “هل تعتزم تركيا التدخل عسكريًا ضد قسد/واي بي جي؟”. لكن أعتقد أن الرسالة التي وجّهتها أنقرة لم تقتصر على قسد، بل شملت إسرائيل أيضًا. ماذا يعني ذلك؟ سأوضح، لكن لا بد أولا من استعراض تطورات ميدانية بالغة الأهمية ربما لم تحظَ بالاهتمام الكافي.
ما قبل وما بعد أحداث السويداء
كانت للحكومة السورية الجديدة أربعة أولويات رئيسية:
1ـ بناء القدرات المؤسسية.
2ـ تلبية تطلعات الشعب الاقتصادية.
3ـ تحقيق الاعتراف والشرعية الدولية.
4ـ ضمان وحدة أراضي البلاد وسيادتها.
وحتى اندلاع أحداث السويداء الشهر الماضي، كانت هناك إنجازات ملموسة في البنود الثلاثة الأولى: مفاوضات دولية ناجحة، ورفع العقوبات، وعقود استثمارية بمليارات الدولارات مع شركات متعددة الجنسيات، ووصول الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، وغيرها. كانت الأمور تسير نحو الاستقرار، وهو ما لم يغب عن أعين إسرائيل. عندها ضغطت على الزناد، إذ أن هدف إسرائيل يتمثل في إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة.
كان لأحداث السويداء والقصف الإسرائيلي على دمشق نتائج مهمة، نلخصها فيما يلي:
أولا: الولايات المتحدة لا تزال تدعم وحدة الأراضي السورية، لكنها عاجزة عن كبح جماح إسرائيل. فالمبعوث الأميركي باراك واصل اتصالاته الدبلوماسية، لكنه تراجع خطوة إلى الوراء. وفي تصريح أدلى به عقب أحداث السويداء مباشرة، في 22 تموز/يوليو، أوصى الحكومة السورية بـ“البحث عن دعم أمني إقليمي”، وكأنه يقول: “لقد وصلت إلى أقصى حدود نفوذي”.
ثانيًا: بناءً على ذلك، توجهت دمشق بطلب رسمي إلى أنقرة للحصول على دعم عسكري.
ثالثًا: قام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بزيارة إلى موسكو. وأعقب هذه الزيارة بدء أعمال ترميم وصيانة في القاعدتين العسكريتين الروسيتين في حميميم والقامشلي في سوريا. كما طلبت موسكو من دمشق منحها حق استخدام ميناء سوري.
رابعًا: حاولت فرنسا، تحت غطاء دعم سوريا، نقل المباحثات بين دمشق وقسد إلى باريس. ونظرًا لعلاقة فرنسا بقسد وضعف موقف دمشق، بدا واضحا أن بعض الإملاءات قد تُفرض، لكن تدخّل أنقرة حال دون ذلك.
خامساً: دخلت “قسد” مرحلةً جديدةً في نهجها الانفصالي. ففي المرحلة الأولى، عقدت اجتماعًا مع مجموعة “المجلس الوطني الكردي” المقربة من البارزاني، واتخذت موقفاً موحداً قبل المفاوضات مع دمشق (مؤتمر القامشلي، 26 أبريل). وكان هذا الموقف متمثلاً في المطالبة بـ”حكم لا مركزي”. كما أعلنت “قسد” صراحةً رفضها نزع السلاح، مخالفةً بذلك اتفاق 10 مارس. أما بعد أحداث السويداء، فقد بدأت “قسد” بالتعاون مع بعض الجماعات العلوية في سوريا وجماعة الهجري الدرزي لتعزيز أجندتها الانفصالية (مؤتمر الحسكة، 8 أغسطس). وهذا يعني فعليًا المضي نحو تقسيم البلاد، وهو ما استدعى الزيارة المفاجئة للوفد السوري إلى تركيا.
ماذا طلبت تل أبيب من موسكو؟
سبق أن أشرت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أرسل سكرتيره العسكري “رومان غوفمان” إلى موسكو، طالبًا من روسيا الإبقاء على وجودها العسكري في سوريا. كان الهدف الإسرائيلي أن تُقسّم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ: الشمال تحت سيطرة تركيا والولايات المتحدة (أي قسد)، والغرب تحت النفوذ الروسي، والجنوب بيد إسرائيل، وما تبقى بيد الحكومة السورية. وهذا الترتيب يعني استمرار الوضع في عهد الأسد المخلوع: دمشق ضعيفة، وعرضة للتقسيم، مع اتفاق غير مكتوب بين إسرائيل وروسيا يمنح تل أبيب حرية عملياتية كاملة داخل الأراضي السورية.
إن هجوم إسرائيل على دمشق بسبب أحداث السويداء، ومنعها الجيش السوري من دخول المنطقة، ومطالبتها بنزع سلاح السويداء، ونجاحها في تحقيق ذلك في الوقت الحالي، يُعد مكسبًا ميدانيًا. أما دفع إسرائيل الإدارة السورية لتوثيق علاقاتها مع موسكو عبر الهجوم على دمشق، فهو مكسب ميداني آخر. وذلك لأن دعم الولايات المتحدة لسوريا كان مشروطًا بوجود روسي وإيراني محدود. وكلما تقدمت دمشق في علاقاتها مع موسكو، ستفقد دعم واشنطن، وهذا أحد أهداف إسرائيل.
أما الورقة الثالثة بيد إسرائيل فهي ما يُعرف بـ”ممر داوود” — الذي يمتد، وفق التصور الإسرائيلي، من الجولان مرورًا بالسويداء وصولًا إلى دير الزور الخاضعة لسيطرة “قسد”، حتى الحدود التركية. وفي هذا السياق، فإن مساعي “قسد” للوصول إلى السويداء تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”، ثم دعوة مجموعة “الهجري” إلى مؤتمر الحسكة، ورفض قسد الانسحاب من دير الزور ذات الغالبية العربية، رغم اتفاق 10 مارس ورغم جميع التحذيرات، كلها تعد مؤشرات واضحة على هذا المخطط.
“قسد” باتت عميلا لإسرائيل
في الخامس من أغسطس، كتبتُ أن احتمال التصعيد في سوريا عبر الوكلاء يتزايد. (راجع مقال: “محور عمل اللجنة و”واي بي جي” الإرهابي وحرائق الغابات” واليوم، أصبح واضحًا أن جناحًا داخل قسد انحرف عن خط إمرالي، وحوّل “قسد” إلى أداة تعمل بالوكالة لصالح إسرائيل.
وقد صرّح الوزير هاكان فيدان بوضوح في مؤتمره الصحفي مع نظيره السوري قائلاً: “لا يمكننا تحمّل ذلك بعد الآن”، وأضاف “لا أحد ساذج”، مستخدمًا وصف “أداة بيد إسرائيل” مشيرا إلى قسد. وهذه رسائل مباشرة لقسد بضرورة التوقف، ولإسرائيل بأن أي تحرك جديد عبر وكلائها سيواجَه بتحطيمهم.
ووفقًا للمعلومات التي تلقيتها، سنرى قريبًا تحول مذكرة التفاهم التي وقعتها تركيا وسوريا إلى اتفاقية دفاع وتعاون شاملة.
ووفقا لتحليلاتي فإن عدم انسحاب “قسد” من المناطق ذات الأغلبية العربية وخاصة دير الزور وعدم التزامها بتعهداتها في اتفاق 10 آذار/مارس، قد يدفع الحكومة السورية والعشائر المحلية إلى التحرك الميداني. ومن المتوقع ألا تتدخل أنقرة عسكريًا بشكل مباشر، لكنها ستقدم الدعم.