اخبار تركيا

في تقرير بصحيفة يني شفق المحلية، سلط الكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، الضوء على دور بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب ألمانيا في تأجيج المجاعة الكارثية التي تشهدها غزة، من خلال دعم مباشر وغير مباشر للسياسات الإسرائيلية الاستعمارية.

ويركّز تورك يلماز على مسؤولية هذه الدول في استخدام التجويع كسلاح ممنهج لإخضاع الشعب الفلسطيني، موضحًا أن الصهيونية ليست حركة مستقلة، بل امتداد لمشروع استيطاني أنجلوساكسوني بدأ منذ الحقبة الاستعمارية.

كما ينتقد الرواية التي تبرئ الغرب بحجة خضوعه لرأس المال اليهودي، مؤكّدًا أن الفاعل الحقيقي هو النظام الإمبريالي الغربي ذاته، الذي يعيد توظيف أدواته القديمة بوجوه جديدة لكسر إرادة المقاومة الفلسطينية.

وفيما يلي نص التقرير:

تُعدّ بريطانيا والولايات المتحدة المسؤولتين الوحيدتين عن المجاعة التي تشهدها غزة، والتي تدفع تقريبًا كامل الشعب الفلسطيني نحو الموت. لقد أصبح لزامًا على العالم أن يحدد موقفه وفقًا لهذه الحقيقة. فعند النظر إلى مشاهد يوم القيامة التي يعيشها أهل غزة، نلاحظ أن موجات الغضب العارم تتراكم في جميع أنحاء العالم ضد الصهيونية. ولكن لا يمكن تجاهل الدور المحوري لكل من بريطانيا والولايات المتحدة في إيصال الأمور إلى هذه المرحلة الحرجة.

وللأسف لطالما تم التعتيم على هذا الدور، وخلق انطباع بأنهما رضختا تحت وطأة رأس المال اليهودي. غير أن الحقائق التي انكشفت اليوم تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنّ بريطانيا والولايات المتحدة، إلى جانب ألمانيا، كانت على علم تام بكل الجرائم القذرة التي ترتكبها إسرائيل، بل وشريكة في تنظيمها وتتحمل المسؤولية عنها. وبتوجيه من هذه الدول، تواصل المجاعة حصد أرواح مئات الأشخاص يومياً، فيما يختار كل من كير ستارمر، ودونالد ترامب، وفريدريش ميرتس توجيه اللوم إلى الذين يدافعون عن أوطانهم، لمجرد أنهم رفضوا الاستسلام. ويكرّر هؤلاء الخطاب ذاته بعنجهية وتعصّب أعمى، مظهرين بوضوح أن تجويع الفلسطينيين حتى الموت يُعدّ جزءًا من استراتيجيتهم. لذلك يجب على العالم بأسره أن يوجه أنظاره نحو بريطانيا والولايات المتحدة تحديداً.

لقد أعاد الأنجلو ساكسون صياغة علاقاتهم مع إسرائيل ونقلوها إلى مستويات جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تعاونوا مع الصهاينة لتصنيف الفلسطينيين بما يخدم أهدافهم في كسر إرادة المقاومة. وبهذا، خلقوا بيئةً ملائمة للغاية لمآربهم. وربطوا مفهوم “معاداة السامية” بالمسلمين، فجعلوا من القضية الفلسطينية العادلة قضية دينية الطابع. بل وصل الأمر إلى طرح مزاعم بأن الحاج أمين الحسيني عقد اتفاقًا مع النازيين وقام بتوجيههم ضد اليهود في أوروبا. في حين أن البريطانيين، ومنذ عام 1920، كانوا قد شرعوا بالفعل في بناء مستعمرة جديدة على أراضي فلسطين التاريخية، بالتعاون مع منظمات الاستيطان الصهيونية. وكانت الغالبية العظمى من هذه المنظمات الاستعمارية اليهودية الصهيونية تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، وتحظى بعلاقات مباشرة مع الدولة العميقة الأمريكية. لقد كان الأنجلوساكسون يسعون لتأسيس مستعمرة دائمة وجديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو مشروع واسع النطاق دون شك. وقد شكّلت الصهيونية الأيديولوجيا المركزية لهذا المشروع الاستعماري. ورغم إغفالها إلى حد كبير، إلا أن هذه الأيديولوجية نشأت أيضًا في بريطانيا والولايات المتحدة.

إن اللجوء إلى اللاهوت اليهودي لتحليل أيديولوجية الصهيونية بشكل شامل هو ضرب من العبث، فاللاهوت اليهودي هو أحد مصادر الصهيونية، لكنه مصدر ثانوي. وللكشف عن جميع جوانب الصهيونية كأيديولوجيا استعمارية، يجب النظر إلى تاريخ بريطانيا والولايات المتحدة. وحتى وقت قريب جدًا، كان هناك من يروّج لفكرة أن الحقبة الاستعمارية في الولايات المتحدة ليست سوى امتداد للاستعمار البريطاني. غير أن مستعمرات أمريكا كانت قد استُوطنت من قِبل مستعمرين قدموا من بريطانيا وسائر الدول الأوروبية. وهؤلاء هم المستوطنون المستعمرون الحقيقيون الذين كانوا يتوسعون بوحشية نحو الغرب.

وخلافا لاستعمار أمريكا الجنوبية، لم يسمح الاستعمار البريطاني مطلقاً ببقاء السكان الأصليين على قيد الحياة، ولم يجيزوا قط اختلاط السكان بالمحليين. وللأسف، حين يُذكر تاريخ الولايات المتحدة لدينا، لا يخطر في البال هذا التمدد الاستيطاني الوحشي. وهناك أسطورة مفادها أن المستعمرين البريطانيين كانوا بارعين في كسب قلوب الجماهير في مستعمراتهم. وهذه الأسطورة مبنية على الأوهام والخرافات، إذ لم يبقَ في أمريكا الشمالية، ولا في نيوزيلندا، ولا أستراليا، أي جماهير أُعجبت بهم، لأنهم لم يُبقوا وراءهم أحداً. فقد قضوا على غالبيتهم الكبرى، عبر تجويعهم حتى الموت، على غرار ما يفعله الصهاينة الإسرائيليون اليوم،.

في ذلك الوقت أيضًا، كانت لديهم أيديولوجيات مشابهة للصهيونية. فالصهيونية الإسرائيلية المعاصرة ليست سوى انعكاس لتاريخ الاستعمار البريطاني في القرنين العشرين والحادي والعشرين. أما من يعتقد أن بريطانيا والولايات المتحدة خضعتا لرأس المال اليهودي، فهو غارق في وهم عميق. إن استخدام التجويع كسلاح للقتل، لتحقيق أهداف التوسع الاستعماري الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية التاريخية هي من صنع بريطانيا والولايات المتحدة، ولا نتحدث هنا عن تأثير غير مباشر.

منذ 7 أكتوبر 2023، دخل العالم مرحلة جديدة. فقد بدأت بريطانيا والولايات المتحدة، إلى جانب ألمانيا، بفرض نمط جديد من الهيمنة على العالم. كما أن جزءًا كبيرًا من أوروبا اللاتينية يواجه خطر الخضوع لهذه الهيمنة الجديدة. وفي إطار محاولاتهم لكسر مقاومة أهالي غزة وجميع الفلسطينيين، ينخرط البريطانيون والأمريكيون في أعمال قذرة وجرائم مروّعة لا توصف. هذه هي الحقيقة التي ينبغي التوقف عندها بجدّية. أما اعتبار كير ستارمر ودونالد ترامب وفريدريش ميرتس مجرد أدوات بيد اليهود وتحليل المواقف على هذا الأساس، فهو خطأ جسيم وفهم عقيم.

شاركها.