اخبار تركيا
في خطوة لافتة، أعلنت تركيا وباكستان وأذربيجان تشكيل تحالف عسكري مشترك خلال فعالية احتفالية في مدينة لاتشين الأذربيجانية. الإعلان جاء بدلالات رمزية واقتصادية عميقة، وسط تعاون متنامٍ في مجالات الدفاع والتصنيع العسكري، بما في ذلك مشروع تطوير طائرة مقاتلة من الجيل الخامس.
وكان رئيس وزراءباكستان ورئيس تركيا قد اجتماع بمناسبة يوم استقلال أذربيجان في استضافة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، خلال مايو/ أيار الماضي، وأعلنا بصورة مشتركة إنشاء تحالف عسكري.
وكان لاختيار مدينة لاتشين دلالة واسعة، إذ كانت المدينة إحدى المدن الثلاث التي استعادتها أذربيجان عام 2022 في ناغورنو قره باغ. وأعلنت أذربيجان في هذا المؤتمر، إلى جانب إقامة تحالف عسكري مع تركيا وباكستان، استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في تركيا وملياري دولار في باكستان، بحسب ما يذكره الكاتب والباحث سجاد أظهر، في مقال له على موقع “اندبندت عربية”.
وفيما يلي تتمة المقال:
وتتمتع الدول الثلاث بأهمية اقتصادية وعسكرية كبيرة، إذ يبلغ مجموع سكانها 350 مليون نسمة، ويبلغ حجم اقتصادها 1.5 تريليون دولار.
وتعود أواصر الأخوة بين الدول الثلاث لعقود متأخرة من التاريخ وتشترك في قواسم ثقافية مشتركة عديدة، وهي الآن بصدد التحول إلى تحالف عسكري جديد. وفيالحرب الهندية الباكستانيةالأخيرة، كانت تركيا وأذربيجانالدولتين اللتين وقفتا علناً إلى جانب باكستان.
من جانب آخر كانت تركيا أول دولة تعترف بأذربيجان عندما أعلنت استقلالها عن روسيا عام 1991، وتلتها باكستان في الاعتراف. ولعب الدعم الباكستاني والتركي لأذربيجان دوراً حاسماً في استعادة إقليم ناغورنو قره باغ عام 2023 الذي احتلته أرمينيا بعد استقلال أذربيجان بفترة وجيزة، وأثبتت طائرات TB2 التركية المسيرة فعاليتها في هذه الحرب.
تعمل الدول الثلاث على تطوير مقاتلة “قان” الحديثة (Creative Commons)
ورداً لهذا الجميل تقف أذربيجان إلى جانب باكستان في كل مناسبة وتدعمها في قضية كشمير، كما يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على موقفه الثابت في شأن القضية كشمير، كذلك تدعم باكستان وأذربيجان تركيا بصورة كاملة حيال قضية قبرص.
وأجرت الدول الثلاث في سبتمبر (أيلول) 2021 تدريبات عسكرية مشتركة أطلق عليها اسم “الإخوة الثلاثة”، وترتبط الدول الثلاث بعلاقات استراتيجية واقتصادية، إذ يعتمد بعضها على الآخر في شراء الأسلحة، ويبرز هذا التعاون في استيراد إسلام آباد الأسلحة الحديثة من أنقرة، إذ أصبحت باكستان، وهي عاشر أكبر دولة مستوردة للأسلحة في العالم، تعتمد على تركيا في شراء الأسلحة بعد الصين خلال السنوات الأخيرة. واستوردت إسلام أباد أخيراً السفن الحربية والقنابل والصواريخ والطائرات من دون طيار من أنقرة، كما ارتفعت مبيعات الأسلحة التركية إلى أذربيجان خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية.
الجانب الآخر لهذه المعادلة هو أن تركيا وباكستان كانتا من أبرز مشتري الأسلحة الأميركية التي توقفت عن بيع الأسلحة لكلا البلدين على مدار العقد أو العقدين الماضيين، أحد أسباب ذلك هو منح إسرائيل تفوقاً عسكرياً في الشرق الأوسط، لتضطر تركيا إلى شراء نظام صواريخ “إس400” من روسيا، كما حولت باكستان وجهتها للصين لشراء الأسلحة بدلاً من الولايات المتحدة، وأخيراً بدأت كل من تركيا وباكستان وأذربيجان العمل معاً على تطوير طائرة “قان” المقاتلة الحديثة من الجيل الخامس.
هل يتحقق حلم “الطائرة المشتركة”؟
تعمل تركيا جاهدة على تطوير مقاتلة الجيل الخامس “قان” بدعم مالي وفني كبير من باكستان وأذربيجان، وتمتلك تركيا حالياً طائرات “F16” أميركية الصنع، وترغب في استبدالها بطائرات “قان” الحديثة. ويصف الخبراء شراكة باكستان، التي حققت بالفعل مكانة رائدة في تصنيع الطائرات بمساعدة الصين مع تركيا، بأنها تطور ثوري.
وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام أعربت باكستان وتركيا عن التزامهما بإنشاء مصنع مشترك لإنتاج “قان”، كما أشار وزير الدفاع التركي يشار غولر إلى إمكان التوصل إلى اتفاق بين البلدين قريباً بهذا الشأن، وبحسب بعض الخبراء فإن مئات الخبراء الباكستانيين بدأوا العمل على المشروع.
وتتمتع تركيا بخبرة مميزة في تصنيع الطائرات المقاتلة من دون طيار، وأثبتت هذه الطائرات فعاليتها القتالية العالية في الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة. ولا تكتفي تركيا بتزويد باكستان بطائرات مقاتلة من دون طيار حديثة وحسب، بل تساعدها أيضاً في إنتاجها.
من جانب آخر، تبيع باكستان مقاتلات JF17 Thunder Block المصنوعة باشتراك الصين وباكستان لأذربيجان، مما يعكس التعاون الدفاعي المتزايد بين البلدين. ووقعت أذربيجان، في بادئ الأمر، على شراء 16 مقاتلة من طراز JF17، لكن نظراً إلى أداء المقاتلة الاستثنائي خلال المواجهة الأخيرة مع الهند رفع العدد المطلوب إلى 50 مقاتلة، ما سيجلب 4 إلى 5 مليارات دولار لباكستان.
وستجهز الطائرات المباعة لأذربيجان بصواريخ وأجهزة إلكترونية مصنعة في تركيا، وتجلت فائدة طائرة JF17 Thunder خلال الحرب الباكستانية الهندية الأخيرة، إذ أبدت عدد من الدول الاهتمام في شرائها.
الجانب التطوعي والدبلوماسي
أطلقت مؤسسة “حيدر علييف” مشاريع خيرية في باكستان منذ عام 2000، وتشرف على المؤسسة السيدة الأولى ماريبان علييفا التي تعمل على عدد من المشاريع في قطاعات التعليم والبيئة والصحة في باكستان.
ويربط باكستان وتركيا وأذربيجان طريق الحرير العريق، وتتيح مبادرة “الحزام والطريق” الصينية مزيداً من الفرص في هذه الدول الثلاث، وتفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي، كما يمكن أيضاً إدراك عمق العلاقات بين باكستان وأذربيجان بكون باكستان الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعترف بأرمينيا، غريمة أذربيجان.
وعندما ضمت الهند منطقة كشمير المتنازع عليها بموجب المادة 370، احتج رجب طيب أردوغان بشدة على ذلك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أخيراً التحالف العسكري بين باكستان وتركيا وأذربيجان له أهمية كبيرة في ظل الوضع الاستراتيجي المتغير في المنطقة، وينبغي النظر إلى زيارة قائد الجيش الباكستاني عاصم منير إلى باكو برفقة رئيس الوزراء شهباز شريف ولقائه وزير الدفاع الأذربيجاني العقيد حسين ذاكر أصغر أوغلو في هذا السياق. ويتحول التحالف العسكري بين الدول الثلاث إلى تحالف اقتصادي أيضاً، فأذربيجان دولة غنية بالموارد الطبيعية بما في ذلك النفط والغاز، وتركيا حققت مكانة بارزة في الصناعة والتجارة الحديثة، وتحتل المرتبة الـ12 من حيث الحجم الاقتصادي في العالم في ما يخص القدرة الشرائية، إذ توجد إمكانات هائلة لاستهلاك المنتجات الباكستانية.