اخبار تركيا

تحديات العودة.. ما مصير استثمارات اللاجئين السوريين في دول الجوار؟

إرم بزنس

منذ اندلاع الحرب في سوريا، العام 2011، نزح الملايين إلى دول الجوار بحثاً عن الأمان والفرص الجديدة. وعلى الرغم من التحديات التي رافقت هذه الهجرة القسرية، إلا أنها ساهمت بشكل غير مباشر في تعزيز اقتصادات الدول المضيفة. ومع التحولات السياسية وسقوط نظام بشار الأسد، بدأ العديد من اللاجئين في اتخاذ مسار العودة إلى وطنهم.

لكن عودة اللاجئين السوريين أثارت تساؤلات حول تأثير هذا التغيير على اقتصادات الدول المستضيفة.

تستضيف مصر نحو 9 ملايين لاجئ، من بينهم 1.5 مليون سوري، ما يكلّف ميزانية الدولة حوالي 6 مليارات دولار سنوياً نتيجة الخدمات التي تقدمها لهم، مثل: الصحة والتعليم، وفقاً لتصريحات رسمية لمسؤولين في الحكومة المصرية.

أما في الأردن، فيقيم نحو 4 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، ويمثلون أكثر من ثلث سكان الأردن البالغ عددهم قرابة 11 مليون نسمة. ومن بين هؤلاء، يوجد 1.4 مليون لاجئ سوري، وفق تصريحات سابقة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

وأشار أمين عام وزارة التخطيط الأردنية، مروان رفاعي، في تصريحات إعلامية سابقة، إلى أن الأردن تحمّل عبء استضافة اللاجئين بقيمة 63 مليار دولار حتى نهاية 2022، بينما تلقت البلاد 10 مليارات دولار فقط من الدول الداعمة، ما ترك تأثيراً واضحاً على الاقتصاد الوطني، وأسهم في ارتفاع نسب الفقر والبطالة.

3 ملايين سوري في تركيا

وفقاً لتصريحات رجل الأعمال التركي غزوان المصري، نائب رئيس منتدى الأعمال الدولي (IBF) وعضو جمعية «الموصياد» لرجال الأعمال، لـ«إرم بزنس»، يعيش نحو 3 ملايين سوري تحت الحماية المؤقتة في تركيا، إلى جانب 1.2 مليون آخرين تحت الحماية الدولية، وذلك وفق الإحصاءات الرسمية.

إلى جانب هؤلاء، هناك عدد من السوريين يحملون إقامات نظامية، مما يرفع العدد الإجمالي إلى حوالي 4.5 مليون سوري في تركيا.

وأشار المصري إلى أن شريحة من السوريين نجحت، رغم التحديات، في تأسيس شركات حققت إنجازات ملحوظة في مجالات مثل التصنيع والتصدير. وتركزت هذه الشركات، وفقاً له، في مدن مثل: غازي عنتاب، ومرسين، وبورصة، وإسطنبول، حيث تنشط في قطاعات الملابس الجاهزة، والمواد الغذائية، وأسهمت بشكل كبير في دعم الاقتصاد التركي.

كما أوضح أن الشريحة الكبرى من السوريين في تركيا تضم العمال المهنيين، الذين قدموا من مناطق شمال سوريا، وانخرطوا في قطاعات الزراعة، والصناعات التركية مثل النسيج، والمواد الغذائية، وصناعة الأثاث. وأثبت هؤلاء كفاءتهم، مما جعلهم يشغلون أدواراً رئيسة في الشركات التركية.

ورجح المصري عودة معظم اللاجئين من كبار السن والمتقاعدين إلى سوريا، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم قدرتهم على العمل، في حين أشار إلى أن عودة العمال المهنيين تعتمد على توفر فرص العمل والتنمية الاقتصادية في سوريا، بما يشمل بناء المصانع وإطلاق مشاريع صناعية.

كما توقع أن رجال الأعمال السوريين قد يستفيدون من فرص عمل مزدوجة بين تركيا وسوريا، عبر فتح فروع أو مصانع في وطنهم الأصلي مع استمرار العمل في السوق التركية وأسواق التصدير.

أما بالنسبة لطلبة الجامعة والمرحلة الثانوية، فيميلون إلى البقاء في تركيا لإكمال تعليمهم، في حين أن الفئات الأصغر سناً قد تعود إلى سوريا مع عائلاتها.

وأكد المصري أن تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي يعد شرطاً أساساً لجذب السوريين من جميع الفئات للعودة، بالإضافة إلى استقطاب المستثمرين الأجانب. وأشار إلى أن سوريا تتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي يمكن أن يعزز هذه الجهود.

وأعرب عن أمله في أن يمتد تأثير اللاجئين السوريين ليشمل إحياء الاقتصاد السوري بعد عودتهم، خاصة أنهم اكتسبوا خبرات متميزة في أوروبا وأمريكا وتركيا خلال العقد الماضي. وأكد أن هذه الخبرات ستسهم في تحقيق نقلة نوعية للاقتصاد السوري، ودعم نهضته الحديثة.

تزايد أعداد العائدين

في ظل التطورات الأخيرة الة بسقوط النظام في سوريا، يعتقد رجل الأعمال التركي يوسف كاتب أوغلو في حديث مع «إرم بزنس»، أن عودة اللاجئين السوريين شهدت تصاعداً ملحوظاً، حيث زادت بنسبة تتراوح بين 1.5 إلى ضعف المعدلات السابقة، وفقاً لتصريحات وزير الداخلية التركي، علي يرليكايا.

وأضاف أوغلو أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين رسمياً في تركيا، قد ينخفض إلى 2.2 مليون بحلول نهاية العام الجاري.

وأشار إلى قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح معبر حدودي جديد في منطقة « يايلا داغي»، المتاخمة لمعبر «كسب»، الذي ظل مغلقاً لأكثر من 11 عاماً، كجزء من الجهود لتخفيف الضغط على المعابر الأخرى، مما يعكس وجود تدفق كبير للعائدين إلى سوريا.

الفئات الاقتصادية للاجئين

يقسّم يوسف كاتب أوغلو اللاجئين السوريين في تركيا إلى 3 فئات رئيسة، لكل منها تأثير اقتصادي مختلف. الفئة الأولى تشمل مجموعة كبيرة من رجال الأعمال وأصحاب الشركات، حيث توجد أكثر من 10 آلاف شركة سورية تعمل في إسطنبول، إلى جانب آلاف الشركات الأخرى المنتشرة في المدن الصناعية مثل غازي عنتاب ومرسين.

وأوضح أن هذه الشركات تسهم بنسبة 3% في الاقتصاد التركي، وتدعم الصادرات التركية بما يتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار سنوياً.

ورجح أوغلو أن هذه الفئة لن تغادر تركيا بسهولة بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي توفره البلاد، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية في سوريا حتى الآن.

كما يرى أن العمالة السورية، التي تسهم بشكل كبير في قطاعات مثل النسيج والمطاعم، قد تكون الفئة الأكثر تأثراً بعودة اللاجئين إلى سوريا.

وأوضح أن هذه الطبقة ربما تكون الأسرع في اتخاذ قرار العودة، خاصة إذا توافرت بيئة آمنة ومستقرة. لكنه أضاف أن هذه العودة ستترك فجوة في سوق العمل التركي، حيث تمتاز هذه العمالة بمهارتها وكفاءتها التي يصعب تعويضها سريعاً.

وعن الفئة الثالثة، نوه إلى أن أكثر من 338 ألف سوري حصلوا على الجنسية التركية، مما يمنحهم حقوق المواطنة الكاملة. وتوقع كاتب أن هؤلاء لن يتخلوا عن استثماراتهم أو أعمالهم في تركيا، وقد يكتفون بزيارات مؤقتة إلى سوريا دون أن يؤثر ذلك بشكل كبير على الاقتصاد التركي.

المساعدات الدولية

وعن المساعدات الدولية، يؤكد أوغلوأن الوعود الأوروبية بتقديم 6 مليارات يورو لدعم اللاجئين السوريين في تركيا لم تتحقق بالكامل، حيث لم يُصرف سوى أقل من مليار يورو.

واعتبر أن تركيا تحملت العبء الأكبر من خلال توفير التعليم والصحة والخدمات الأساسية للاجئين، دون الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية.

ويعتقد أن استضافة اللاجئين السوريين أثرت على الاقتصاد التركي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ العام 2018.

لكن بحسب أوغلو سيظل تأثير عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم على الاقتصاد التركي محدوداً على المدى القصير، خاصة أن الفئات الأكثر استقراراً، مثل رجال الأعمال والمجنسين، ستظل ة بالاقتصاد التركي. ومع ذلك، قد تواجه تركيا تحديات في تعويض العمالة الماهرة في بعض القطاعات التي ستتأثر بعودة الطبقة العاملة إلى سوريا.

استثمارات السوريين في مصر

في نهاية العام 2012، اضطر رجل الأعمال السوري حسام مارديني إلى مغادرة بلاده متوجهاً إلى العاصمة القاهرة، تاركاً خلفه مطعمه في منطقة التل بريف دمشق، ليستقر ضمن 1.5 مليون سوري يقيمون في مصر، وفقاً لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة.

وبعد فترة من استقراره في مصر، قرر مارديني افتتاح مطعم «روستو» في مدينة السادس من أكتوبر، غرب القاهرة، على غرار مطعمه السوري. ومع مرور الوقت، استطاع أن يحقق نجاحاً وأصبح يمتلك سلسلة من المطاعم الشهيرة.

يشير مارديني في حديث مع «إرم بزنس» إلى أن عدد المستثمرين السوريين في مصر يبلغ نحو 40 ألف مستثمر، وتبلغ استثماراتهم نحو 23 مليار دولار، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

وتشمل هذه الاستثمارات المطاعم والأنشطة الخدمية، وبعض الصناعات الغذائية والملابس والأحذية، والأصول الثابتة. كما يشير إلى وجود ما بين 8 آلاف و10 آلاف مصنع يديرها مستثمرون سوريون، تضخ نحو 120 مليون وحدة إنتاجية شهرياً في السوق المصرية.

ويؤكد مارديني أن هذه الاستثمارات تدعم الاقتصاد المصري من خلال تقليل الحاجة إلى استيراد بدائل بالعملة الصعبة، مما يسهم في تعزيز ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى توفير فرص عمل كبيرة للشباب المصري، وهو ما يعكس أثرها الإيجابي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

ورغم نجاحات استثماراتهم في الخارج، يبقى حلم العودة إلى وطن آمن ومستقر راسخاً في الأذهان، إذ يؤمن مارديني أن خبرات السوريين في مصر وخارجها ستكون عاملاً حاسماً في إعادة إعمار وطنهم.

ويقول مارديني: «نحن قادرون على تحويل سوريا من جديد إلى مركز اقتصادي مزدهر، كما كانت عبر التاريخ».

لكنه في نفس الوقت يؤكد عدم تصفية استثماراته في مصر ونقلها إلى سوريا، بل يعتزم مع استقرار الأوضاع في بلاده، أن يضخ استثمارات جديدة مع الحفاظ على ما حققه من نجاحات في مصر.

انكماش الاقتصاد السوري

على النقيض من نجاحات المستثمرين السوريين في الخارج، يواجه الاقتصاد السوري واقعاً مريراً نتيجة الحرب المستمرة منذ العام 2011.

وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انكمش بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021، مع توقع انكماش إضافي بنسبة 1.5% خلال العام الجاري.

ومنذ العام 2011، يعاني قطاع الطاقة في سوريا من اضطرابات كبيرة، حيث تراجع إنتاج النفط والغاز الطبيعي بشكل حاد. فبعد أن كان الإنتاج يتجاوز 400 ألف برميل يومياً بين عامي 2008 و2010، انخفض إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً بحلول العام 2015، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

أما الليرة السورية، فقد شهدت انخفاضاً حاداً في قيمتها، حيث تراجع السعر الرسمي لليرة مقابل الدولار الأميركي بمعدل 270 ضعفاً بين عامي 2011 و2023، ليصل إلى نحو 12,562 ليرة للدولار الواحد، بحسب بيانات البنك الدولي.

استبعاد العودة السريعة

وفي ظل هذه الظروف التي يعاني منها الاقتصاد السوري، تبقى مسألة سرعة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، غير مؤكدة، وفق حديث رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية الدكتور رشاد عبده لـ«إرم بزنس».

يأتي ذلك بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتدهور البنية التحتية، والانهيار الحاد للاقتصاد السوري وعملته المحلية.

ويعتقد عبده أن هذه العوامل تجعل مسألة العودة الطوعية للاجئين وإعادة الإعمار والاستقرار في سوريا مهمة شاقة تحتاج إلى جهود طويلة الأمد. لذلك، يستبعد سرعة عودتهم، لا سيما أن الكثير منهم مقيم في مصر منذ 13 عاماً، مشدداً على أن عملية العودة ستكون مرهونة بوضوح الرؤية السياسية والاستقرار الاقتصادي في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *