تحديات تواجه اللاجئين السوريين الراغبين في العودة من دول الجوار
اخبار تركيا
يواجه اللاجئون السوريون في دول الجوار تركيا، ولبنان والأردن، ممن يرغبون في العودةـ تحديات معقدة تشمل غياب الضمانات الأمنية ودمار البنية التحتية، وسط جهود لتسهيل العودة الطوعية وتردد الكثيرين بسبب الظروف الراهنة.
ويترقب ملايين اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في بلادهم بعد الإطاحة بنظام الرئيس السوري المخلوعبشار الأسدلتحديد موقفهم من العودة إلى وطنهم من عدمه، بعد رحلة لجوء امتدت 13 عاما.
ومنذ اندلاع الصراع فيسورياعام 2011، أُجبر ملايين السوريين على ترك منازلهم والبحث عن الأمان في دول الجوار وفي مختلف دول العالم، واليوم ومع تغير المشهد السياسي والأمني تدريجيا في البلاد، باتت عودة اللاجئين قضية تتصدر النقاشات إقليميا ودوليا.
وفي هذا الإطار، سلّط تقرير لـ “الجزيرة نت” الضوء على قضية عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وتشرح دوافعها، وتجيب عن تساؤلات: هل تتوفر الظروف الملائمة لاستقرارهم وعيشهم بكرامة في وطنهم؟ وما التحديات التي تواجههم لبناء حياتهم من جديد وسط ظروف معقدة؟
لبنان.. قوانين وضوابط
في لبنان صرح مصدر من الأمن العام اللبناني للجزيرة نت بأنه يسمح لأي سوري بمغادرة لبنان إلى بلاده دون شروط، باستثناء الحاصلين على إقامات عمل بموجب موافقات من وزارة العمل، ويتوجب على هؤلاء الحصول على براءة ذمة من الوزارة.
ويشير المصدر، الذي طلب عدم ذكر إسمه، إلى أنه في الفترة الممتدة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 26 ديسمبر/كانون الأول غادر 46 ألفا و932 سوريًا إلى بلادهم عن طريق المعابر البرية.
في المقابل، أعلن وزير الداخلية والبلديات بحكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لمجلس الأمن الداخلي المركزي لمتابعة الأوضاع الأمنية والإجراءات المتخذة عند المعابر الحدودية عن إصدار تعليمات مشددة تهدف إلى منع الدخول العشوائي إلى لبنان.
وأكد مولوي أن الدخول إلى الأراضي اللبنانية سيكون مسموحا فقط لمن يحمل إقامة شرعية أو جواز سفر أجنبيا وإقامة أجنبية، كما أشار إلى إمكانية دخول لبنان كوجهة عبور (ترانزيت) بشرط تقديم بطاقة سفر مؤكدة.
ومن جانبه أشار محمد شمس الدين الباحث بالدولية للمعلومات، وهي شركة لبنانية متخصصة بالدراسات والأبحاث والإحصاءات العلمية في حديث للجزيرة نت إلى غياب إحصاءات دقيقة أو رسمية لعدد السوريين المقيمين في لبنان، إلا أن تقديراته تشير إلى أن عددهم يبلغ حوالي مليون و700 ألف.
وأضاف الباحث أنه خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عاد نحو 420 ألف سوري إلى بلادهم، مما أدى إلى انخفاض العدد إلى قرابة مليون و300 ألف.
وتابع “إنه بعد سقوط نظام بشار الأسد لم تحدث عودة جماعية للسوريين إلى بلادهم، بل اقتصر الأمر على عودة بعض الشباب المعارضين للنظام أو الفارين من الخدمة العسكرية.”
بينما تشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى عودة 300 ألف نازح سوري من لبنان إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد.
تركيا.. عودة طوعية
وفي تركيا، باتت العودة الطوعية للسوريين مفتوحة أمام الجميع مع توفير المزيد من الخطوات المبسطة، والإجراءات التي تتزايد تسهيلا يوما بعد آخر.
ووفقا للإجراءات الرسمية المعلنة، تُتاح العودة الطوعية للسوريين المقيمين في تركيا ممن يندرجون تحت بند الحماية المؤقتة أو أولئك الذين يحملون إقامة قانونية في تركيا، مع توفير تسهيلات خاصة لنقل ممتلكاتهم ومركباتهم. أما غير السوريين، فيقتصر دخولهم على المؤسسات الخدمية والإغاثية والإعلامية، شرط الحصول على موافقات مسبقة من الجهات الرسمية في تركيا.
وتأتي هذه القيود في ظل الضغط المتزايد على المعابر الحدودية، مع التركيز على تلبية احتياجات السوريين العائدين وضمان سلاسة العملية لهم.
وفي هذا الإطار، أصدر الرئيس التركيرجب طيب أردوغانتعليمات تتيح لشخص من كل عائلة سورية السفر إلى سوريا والعودة منها 3 مرات، خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2025، بهدف تسهيل ترتيبات عودة أسرته.
كما أعلنت وزارة الداخلية سلسلة إجراءات لتشجيع العودة الطوعية، تضمنت السماح للسوريين بنقل جميع ممتلكاتهم ومركباتهم إلى سوريا، مع تيسير المعاملات عبر منصة إلكترونية تتيح تقديم الطلبات وحجز المواعيد في اليوم نفسه، بهدف ضمان انتقال سلس للعائدين.
وأشار وزير الداخلية علي يرلي قايا إلى أن أكثر من 25 ألف سوري عادوا إلى بلادهم خلال آخر 15 يوما، مما يرفع عدد العائدين منذ عام 2017 إلى 763 ألفا، موضحا أنه يوجد حاليا 2.9 ملايين سوري تحت الحماية المؤقتة في تركيا.
ولتعزيز هذه الجهود، تم رفع قدرة المنافذ الحدودية مع سوريا، مثل معبر باب الهوى، وكسب، وباب السلامة، وعفرين، لاستيعاب أعداد أكبر يوميا مما يسرّع وتيرة العودة الطوعية.
وفي سياق متصل، أصدرت وزارة التجارة تعميما يتيح استخدام “نموذج الخروج الميسر” لتفادي أي تعقيدات إجرائية، مع تقديم تسهيلات لنقل الممتلكات والمركبات السورية المسجلة.وأعلنت القنصلية السورية فيإسطنبولعن بدء منح تذاكر عبور استثنائية للسوريين الذين لا يملكون جوازات سفر أو انتهت صلاحيتها.
وعلى المستوى الدبلوماسي، تم إنشاء مكتب لإدارة الهجرة في السفارة التركية بدمشقوالقنصلية فيحلب، لتقديم الدعم الإداري واللوجستي للعائدين، كما تعمل الحكومة التركية بالتعاون مع الجهات الدولية والمحلية على استقرار المناطق الآمنة شمالي سوريا لضمان توفير بيئة مناسبة لاستقبال اللاجئين العائدين.
الأردن.. ترقب واستقرار
في الأردن، وباستثناء عدد محدود لا يتجاوز 8 آلاف شخص، بحسب التقديرات الرسمية الأردنية، فإن غالبية اللاجئين السوريين في المملكة، والذين يقدر عددهم بنحو 1.3 ملايين سوري، لا يزالون في حالة تردد بين العودة السريعة أو البقاء لفترة إضافية لا سيما أنهم لا يتعرضون لضغوطات تجبرهم على العودة، بحسب اللاجئ السوري طارق الزعبي.
وأكد الزعبي (37 عاما) أن مسألة عودته وذويه تعود إلى أسباب مختلفة، أهمها ارتباط أبنائهم بمقاعد الدراسة، وهم حاليا في مرحلة تقديم الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول.
وأضاف للجزيرة نت أن الأوضاع المتطورة في البلاد بحاجة إلى وقت حتى يستطيع اللاجئ السوري تحديد موقفه من الرجوع أو البقاء في الأردن “خشية حدوث مفاجآت لا تحمد عقباها”.
وأكد أن جميع اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم يتشوقون للعودة بعد سقوط نظام الأسد، لكنهم بحاجة إلى تطمينات تتعلق باستقرار الأوضاع، ومعرفة مصير منازلهم وأراضيهم التي إما تم تدميرها أو الاستيلاء عليها، والتي لم يعد معظمها صالحا للسكن أو العيش.
ووفرت السفارة السورية بعمّانتسهيلات لعودة مواطنيها إلى بلادهم من خلال تقديم خدمة إصدار تذكرة المرور مجانا، وتبلغ مدة صلاحيتها شهرا واحدا منذ تاريخ إصدارها، وهي غير قابلة للتجديد.
تحفيز العودة
وكان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية قد وجه بالسماح للمستثمرين الأردنيين الحاصلين على سجلات تجارية برأس مال لا يقل عن 50 ألف دينار (70 ألفا و500 دولار) باستخدام معبر جابر نصيب الحدودي بين البلدين لغايات السفر إلى سوريا.
وشمل القرار السماح بسفر الأردنيين من موظفي البنوك التجارية العاملة في سوريا، والسماح بمغادرة رجال الأعمال الأردنيين الحاصلين على بطاقات عضوية في غرف الصناعة والتجارة السورية، والطلبة الأردنيين الدارسين في الجامعات السورية شريطة حيازتهم على الوثائق الجامعية اللازمة، كما سمحت الداخلية للوفود الأردنية الرسمية بما فيها الاقتصادية بالسفر إلى سوريا.
كما تم السماح للمستثمرين السوريين وعائلاتهم، ممن يحملون سجلات تجارية أردنية برأس مال لا يقل عن 50 ألف دينار، بالدخول والمغادرة عبر هذا المعبر الحدودي، والسماح للسوريين الذين يحملون الجنسية الأردنية، سواء بالجواز الأردني أو السوري، باستخدام هذا المعبر لغايات السفر.
يُذكر أن مفوضالأمم المتحدةالسامي لشؤون اللاجئينفيليبو غرانديكان قد دعا إلى التحلي بالصبر، وقال في بيان صحفي “هناك فرصة كبيرة أمام سوريا للمضي نحو السلام، وأمام شعبها للبدء في العودة إلى بلده. ولكن، مع استمرار غموض الوضع، يقيّم ملايين اللاجئين ما إذا كانت العودة آمنة، فبعضهم متلهف وبعضهم متردد”.