اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التصعيد الأخير الذي شنّته إسرائيل ضد ممثلي حركة حماس في قطر، موضحًا أن الهدف الحقيقي لم يكن الدوحة وحدها، بل الولايات المتحدة نفسها، من خلال جرّها إلى مغامرة عسكرية محرجة تهدد مكانتها في الخليج.

ينطلق الكاتب من تحليل إستراتيجي للأدوار الإقليمية، ويكشف عن مشروع إسرائيلي أوسع للهيمنة مستغلًا تراجع النفوذ الأمريكي. كما يتطرق إلى القلق الخليجي المتزايد من فكرة “إسرائيل الكبرى”، وما تثيره من مخاوف في السعودية ومصر والإمارات.

ويخلص بستان إلى أن الهجوم شكّل نقطة تحوّل في مواقف بعض العواصم العربية، وقد يدفعها لإعادة النظر في تحالفاتها مع واشنطن، في ظل تنامي الشكوك حول نواياها ومصداقيتها. وفيما يلي نص التقرير الذين نشرته صحيفة يني شفق بعنوان (الخريطة التي أشعلت الخليج قبل القصف الإسرائيلي):

في الواقع كان من المفترض أن يكون عنوان هذا المقال: “الصاروخ الإسرائيلي لم يضرب قطر بل الولايات المتحدة”. لكنني رأيت بالأمس في صفحة عناوين صحيفتنا “يني شفق” خبرا يتحدث عن هذا بالضبط، ويتضمن تحليلا قيِّما كتبه صديقي العزيز سيرنور ياسكايا تحت عنوان «نتنياهو أصاب الولايات المتحدة أيضًا». في أوقات الأزمات التي يغفل فيها الجميع عن معرفة مسارات الأحداث، تصبح القدرة على رؤية ما وراء سحب الضباب دون الخوض في التفاصيل مهارة قيمة.

في هذا المقال سأواصل من حيث توقف سيرنور. سأتحدث عن تلك الخريطة التي أثارت الفوضى في عواصم الخليج قبل أن تضرب إسرائيل الدوحة. ولكن أولًا، علي أن أتطرق إلى بعض النقاط المتعلقة بالهجوم الإسرائيلي على الدوحة.

حملة ضد تركيا وقطر

أولاً: كانت الولايات المتحدة، التي ترغب في تركيز اهتمامها على الصين، تسعى إلى إنشاء بنيةٍ إقليمية ضمن إطار “اتفاقيات أبراهام”. وقد كتبت سابقًا أنها تريد توسيع هذه البنية لتشمل أذربيجان وأرمينيا وحتى آسيا الوسطى (انظر: “أنقرة وواشنطن: تحديث الاستراتيجية الكبرى”، 8 أغسطس). ربما أرادت الولايات المتحدة تحقيق توازن بين أنقرة وتل أبيب ضمن هذه البنية. وهذا ما يفسر تأكيدهم في البداية على أن “مفتاح سوريا في يد تركيا”. لكن الحسابات تتغير. (انظر: “عرض أمريكي جديد لقسد..”، 9 سبتمبر). وقد غدا ترامب الآن تحت سيطرة نتنياهو، وتسعى إسرائيل إلى استثمار الفراغ الإقليمي الذي قد تخلقه الولايات المتحدة لبناء هيمنة عسكرية قائمة على القوة. ولا شك أن لذلك ردود فعل وتأثيرات سنبيّنها لاحقًا.

ثانيًا: أكبر عقبة أمام الهيمنة الإسرائيلية هي تركيا. ولعلكم تتذكرون كيف اتُّخذ قرارٌ بـ “شن حملة” ضد تركيا وقطر (انظر: “الكشف عن عملاء إسرائيل المتخفين”، 26 أغسطس). وعندما أعلنت إسرائيل عن استهداف قيادات حماس في دول مختلفة، عادت تركيا وقطر إلى الواجهة. قطر هدف سهل. فلا تلتفتوا إلى ما يكتبه المتطرفون الإسرائيليون؛ أما تركيا فتفوق إسرائيل. لكن ذلك لا يمنعها من محاولات زعزعة الداخل التركي أو تعكير صفو علاقات أنقرة مع العواصم الأخرى.

جهود ترامب لاحتواء الأضرار

ثالثًا: لقد نُفِّذ هذا الهجوم بموافقة الولايات المتحدة وإشرافها. أما تصريحات ترامب التي قال فيها: «علمنا من البنتاغون، وأبلغنا قطر على الفور» فهو كذبة صريحة. هذه التصريحات هي مجرد “عملية لاحتواء الأضرار” تم التخطيط لها قبل الهجوم، وهي جزء من الهجوم نفسه. لقد شاركت الولايات المتحدة في الهجوم على حليفتها المقربة قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. ومن الواضح أن هذا أحدث أزمة ثقة كبرى في الخليج.

رابعًا: كان لإسرائيل هدفان أساسيان من العملية. الأول: تصفية وفد حركة حماس المفاوض، وبذلك تنتهي المفاوضات كليًا. وقد أقدمت تل أبيب على هذه الخطوة قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان متوقعًا أن تمارس دول عدة وفي مقدمتها تركيا ضغوطًا مباشرة على ترامب، تهدف إلى إغلاق باب المفاوضات إلى الأبد. لقد خاطرَت تل أبيب مخاطرة كبيرة، كلَّفت الولايات المتحدة ثمنا باهظا، ونجحت في إنهاء المفاوضات، لكنها لم تتمكن من القضاء على وفد حماس. وفي هذا الإطار تحوّلت العملية بالنسبة لها إلى «خسارة أكبر من المكسب» وأصبحت «الصفقة خاسرة». أما الحديث عن عمليات تكميلية أو تكرار للمحاولة، فلا أعتقد ذلك. في تقديري، كان الأمر رصاصة واحدة خرجت من فوهة السلاح وانتهى.

مبادرة لافتة من جامعة الدول العربية

في الخامس من سبتمبر، عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعًا أقرّ خلاله مبادرة سعودية مصرية بعنوان «رؤية مشتركة للأمن والتعاون الإقليمي». وشددت المبادرة على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بما فيها سوريا.

وأعربت القاهرة عن استيائها الشديد من فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر. أما الإمارات، فالتزمت الصمت حيال ما يجري في غزة، لكنها وللمرة الأولى أعربت عن قلقها إزاء التطورات في الضفة الغربية، ولوّحت بأن علاقاتها مع إسرائيل قد تتأثر. في الوقت ذاته، بدأت الرياض تصدر بيانات غاضبة وحادّة تجاه تل أبيب. وفي هذا السياق، شاركتُ هذه الأخبار مع شخص مطلع على هذه القضايا وسألته: “ما دلالة ذلك؟”، فأجاب: “لا تتوقعوا ولادة ناتو عربي”، ثم أردف موضحاً:

قلق متصاعد في الخليج من مشروع “إسرائيل الكبرى”

“لكن العالم العربي مستاء جدًا من إسرائيل. إن تركيز نتنياهو على فكرة ‘إسرائيل الكبرى’، أثار قلقهم بشكل خاص. لأن ‘إسرائيل الكبرى’ لا تقتصر على فلسطين فقط، بل تشمل شمال السعودية، وجزءًا من العراق، وسوريا، وشرق مصر.”. وهذا بالضبط ما قصده سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، ليتر، عندما قال: “إننا نغير ملامح الشرق الأوسط”. لقد فتحت دول الخليج والدول العربية أعينها على هذه الحقيقة. وجاء الهجوم على الدوحة ليعمق مخاوفها. ولهذا يُعدّ هذا الهجوم نقطة تحول في المنطقة.

إذن، ما الذي سيحدث؟ بحسب تحليل لصحيفة “العربي الجديد”: “قد يبتعد قادة العرب في الخليج بعضهم بدأ بالفعل بتوسيع علاقاته مع الصين وروسيا وتركيا لتنويع رهاناتهم عن أمريكا التي يُنظر إليها على نحو متزايد كحليف غير موثوق.” أي أن رامب الذي اعترف قائلًا: «لقد خسرنا الهند لصالح روسيا والصين» قد يواجه تطوراً مماثلاً في الشرق الأوسط. أعتقد أن هذا سيكون له صدى في الولايات المتحدة أيضاً.

ونختم بهذه الملاحظة: لا شك أن هذه التطورات ستغير أيضاً طبيعة المحادثات الإقليمية التي تجريها أنقرة مع واشنطن. ومن المفيد متابعة الاجتماعات التي سيعقدها الرئيس أردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة عن كثب.

شاركها.