ترامب والفوضى المنظمة: كيف نواجه مقامر السياسة قبل أن يختزل العالم في شخصه؟
إسلام الغمري خاص اخبار تركيا
منذ أن دخل دونالد ترامب البيت الأبيض، اعتمد أسلوبًا صداميًا قائماً على الفوضى المنظمة، مستخدمًا الصدمة والترويع كسلاح استراتيجي لإرباك خصومه وحلفائه على حد سواء. لا يعتمد ترامب على خطط مدروسة بقدر ما يستخدم تكتيكات المقامرة، حيث يرفع سقف مطالبه بشكل مبالغ فيه، فإن قوبل بالموافقة زادها، وإن قوبل بالرفض، أبقاها على الطاولة للضغط والمساومة.
هذا الأسلوب تجلى بوضوح في سياساته الخارجية، سواء عبر مطالبته أوروبا بزيادة الإنفاق الدفاعي من 2% إلى 5%، أو ابتزازه لدول الخليج بمئات المليارات، مستغلًا مناخ الخوف الذي زرعه بسياساته التصعيدية. لكن الأخطر من ذلك هو مشروعه القائم على تفكيك مؤسسات الدولة الأمريكية لتصبح السلطة متمركزة في يده وحده، متجاوزًا كل مراكز صناعة القرار التقليدية.
تأثير ترامب على فلسطين والعالم الإسلامي
لم يكن ترامب مجرد رئيس أمريكي تقليدي يتبنى الانحياز لإسرائيل، بل كان الأجرأ في تنفيذ أجندة صهيونية متطرفة دون مواربة. قراراته مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان، ومحاولته فرض “صفقة القرن”، لم تكن مجرد تحولات سياسية، بل محاولات لإعادة تشكيل خريطة الصراع وفق مصالح الاحتلال الإسرائيلي، وإخراج القضية الفلسطينية من المعادلة الدولية.
وعلى مستوى العالم الإسلامي، عزز ترامب سياسة “فرّق تسد”، مستغلًا الأنظمة الحليفة له لتمرير مشاريع التطبيع مع إسرائيل، وإضعاف أي تيار سياسي يسعى لاستقلال القرار الوطني بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
كيف نواجه مشروع ترامب؟
لمواجهة التأثير المدمر لشخصية ترامب وسياساته على فلسطين والعالم الإسلامي، لا بد من استراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
1. تفكيك أسطورة “الرئيس القوي” وكشف حقيقته
• ترامب لا يعتمد على ذكاء استراتيجي بقدر ما يوظف الفوضى والتضليل الإعلامي لصناعة صورة الرئيس القوي القادر على تحقيق “انتصارات” سريعة. من الضروري تفكيك هذه الصورة وكشف تناقضاته المستمرة، مثل فشله في القضاء على المقاومة الفلسطينية رغم كل الضغوط، وعجزه عن كسر إرادة الشعوب في أكثر من محطة تاريخية.
2. بناء تحالفات عربية وإسلامية قائمة على الاستقلالية
• لا يمكن مواجهة شخصية ترامب بمعزل عن تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي للدول الإسلامية، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في الملفات الحساسة. المطلوب هو إعادة إحياء المشاريع الإقليمية التي تعزز التكامل الاقتصادي والتعاون العسكري بعيدًا عن الإملاءات الأمريكية.
3. تحصين القضية الفلسطينية من المقامرات السياسية
• ترامب أثبت أن القضية الفلسطينية بالنسبة له ليست سوى ورقة مساومة، ويمكن للرؤساء الأمريكيين القادمين أن يستكملوا هذا النهج. المطلوب هو تعزيز الوعي الشعبي والرسمي بأن الحقوق الفلسطينية غير قابلة للمساومة أو الابتزاز، ورفض أي مشروع يحاول فرض حلول تصفوية تحت عناوين براقة مثل “السلام الاقتصادي”.
الخلاصة
ترامب ليس مجرد رئيس عابر، بل هو نموذج لنهج أمريكي جديد قائم على الفوضى المنظمة والتلاعب بالموازين الدولية. التعامل معه ومع من يسيرون على نهجه يتطلب وعياً سياسياً، وتخطيطًا استراتيجيًا يمنع العالم الإسلامي من أن يكون ضحية مقامراته. العالم لم ولن يُختزل في شخص واحد، وهذه هي المعادلة التي يجب ترسيخها لمواجهة ترامب وأمثاله.