اخبار تركيا
استعرض مقال للكاتب والمحلل السياسي علي باكير، قراءة في تصاعد التوتر الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا في أعقاب الحرب الإسرائيلية الخاطفة على إيران، والتي أسفرت عن تقويض مكانة طهران الإقليمية وتعزيز هيمنة تل أبيب العسكرية.
ويسلط المقال الذي نشرته صحيفة “عربي21” الضوء على المخاوف الإسرائيلية المتزايدة من تنامي القدرات الدفاعية التركية، خاصة في ظل دعم أنقرة لإعادة بناء الدولة السورية وتوجهاتها الإقليمية المستقلة.
كما يناقش المقال التنافس غير المعلن بين الطرفين، الذي يتجلى في سباق التسلح، والمواقف السياسية المتضادة، والصراع على النفوذ في سوريا، محذرًا من أن المرحلة المقبلة قد تشهد انتقال هذا التوتر إلى مواجهة أكثر حدة، في ظل سعي إسرائيل لفرض هيمنتها الكاملة، وحرص تركيا على الحفاظ على أمنها القومي ومكانتها الإقليمية.
وفيما يلي نص المقال:
أعادت الحربالإسرائيليةالخاطفة على إيران والتي استمرت 12 يومًا (1224 يونيو 2025) تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، حيث عززت الضربات الإسرائيلية ضد البنية التحتية النووية والصاروخية والعسكرية الإيرانية من هيمنة تل أبيب الإقليمية، وقوّضت بشكل عميق وخطير من توازن القوى الإقليمي، وذلك في ظل الإلتزام الأمريكي الدائم وغير المشروط في تحقيق التفوق العسكري النوعي والتكنولوجي الإسرائيلي على كل دول المنطقة.
ومع إزاحة إيران وميليشياتها المسلحة عن المشهد الإقليمي، وسعي إسرائيل لتجريد الدول الإقليمية من قدراتها العسكرية والسماح لها بمجرد قوات شرطيّة، تبرزتركياكآخر ند عسكري لإسرائيل في الشرق الأوسط. ففي هذا السياق، أشار الكثير من الإعلاميين والمحللين والمسؤولين الإسرائيليين خلال الأسابيع القليلة الماضية الى أن تركيا هي الهدف القادم بعد إيران، وأنّه يجب عدم السماح لها بتطوير قدراتها بشكل يهدد إسرائيل أو مصالحها او أجندتها.
وقد اتّخذت هذه التصريحات بعداً أكبر مع إصرار تل أبيب على منع السلطات السورية الجديدة من بناء الدولة وتحقيق الامن والاستقرار، وذلك من خلال تدمير قدرات البلاد العسكرية والأمنية، ومحاولة زرع الفتن الطائفية والاثنيّة، وتشكل كانتونات مجرّدة من سلطة وسلاح ونفوذ الدولة الرسمي، وهو ما يتناقض مع ما توجهات وتصورات تركيا الإقليمية التي تسعى الى التأكيد على ضرورة تحقيق الامن والاستقرار، والسماح لسوريا الجديدة بإعادة بناء نفسها وقدراتها.
وينظر الجانب التركي إلى الأجندة الإسرائيلية فيسورياعلى أنّها تستهدف في نهاية المطاف الأمن القومي التركي. ولذلك، فقد دخل الجانبان في مناوشات إعلامية مؤخراً، بالإضافة إلى محاولات إقناع كل منهما للرئيس الأمريكي ترامب بالانحياز إلى الرؤية التي يمثّلها كل طرف، وذلك بعد فشل محاولات خفض التصعيد واللقاءات التي تمت في أذربيجان.
وبرزت تركيا خلال السنوات الأخيرة بفضل تقدمها السريع في الصناعات الدفاعية المحلّية لاسيما في يتعلق بالأسلحة والمعدّات الاستراتيجية. وأدى إصرار الرئيس أردوغان منذ صعود حزب العدالة والتنمية الى الحكم عام 2002 وحتى اليوم الى تطوير صناعات دفاعية متقدمة للحد من الاعتماد على الخارج وتعزيز الاعتماد على النفس. ونتيجة لهذه السياسات، تطوّر تركيا العديد من المنجزات العسكرية العظيمة، كدبابتها الوطنية المقاتلة الرئيسية، ومقاتلها الشبحيّة الخاصة من الجيل الخامس، وحاملة طائرات، واسطول من المقاتلات المسيرة متعددة المهام والمواصفات، بالإضافة الى أنظمة الدفاع محلية الصنع وأخرى بالتعاون مع دول كبرى، وأخيراً صاروخها البالستي فوق صوتي وغيرها من المنجزات.
ويهاجم مسؤولون إسرائيليون تركيا والرئيس أردوغان بشكل مستمر، كما يعمل اللوبي الصهيوني في واشنطن على زيادة الضغط الأمريكي والدولي على أنقرة لحرمانها من التكنولوجيا المتقدمة او الأسلحة او لفرض عقوبات عليها. اذ يقود اللوبي حملة مع لوبيات أخرى من بينها اللوبي اليوناني لمنع واشنطن من تسليم مقاتلات اف35 الى أنقرة، فيما يعارض آخرون بيع أوروبا لمقاتلة تايفون الى انقرة مع أنّها من الجيل الرابع.
وفي هذا السياق، نقلت عدّة تقارير تحذيرات مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى من خطورة حصول تركيا على مقاتلات إف35، مشيرا إلى أن هذه الخطوة “قد تُستخدم لأغراض هجومية ضد بلاده وانّ “إسرائيل ستتخذ خطوات لإحباط هذه الإجراءات إذا اقتضى الأمر”، مشيراً الى أن “أنقرة تسعى لاستعادة نفوذها العثماني، بما في ذلك في القدس”.
وحذّر الوزير الإسرائيلي عميخاي شيكلي الشهر الماضي من أن خطابات أردوغان تؤكد أنه خلال 10 سنوات ستكون تركيا وسوريا هي الشغل الشاغل للمنظومة الأمنية في إسرائيل، واصفاً الرئيس التركي بأنه “صاحب تأثير واسع في العالم الإسلامي”، ومؤكداً أن قدرات إيران العسكرية لا تقارن بالقدرات العسكرية التركية. كما ذكر تقرير للجنة ناغل الإسرائيلية المتخصصة في قضايا الأمن والدفاع تمّ رفعه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شهر فبراير/شباط الماضي ما مفاده أنّ إعادة بناء قدرات سوريا بدعم تركي سيشكل الخطر الأكبر على إسرائيل خاصة اذا ما تحولت سوريا في هذه الحالة الى حجر زاوية لاعادة بناء الإقليم وفق التصوّر التركي.
ومنذ العدوان الإسرائيلي على غزّة مروراً بلبنان وسوريا وإيران واليمن، دان المسؤولون الاتراك السياسات الإسرائيلية بشدّة معتبرين أنّها تشكل خطراً على الامن والسلم الإقليمي والدولي. وتنظر تركيا الى إسرائيل باعتبارها اكبر خطر حالياً على أمن واستقرار المنطقة وانّ تحقيق هذا الأمر يتطلب وقفها. وإعتبر أردوغان أنّ تنياهو يشكّل أكبر تهديد لمنطقة الشرق الأوسط، وأكّد بعد الحرب الإسرائيلية على إيران على ضرورة ان تكون تركيا جاهزة لردع كل التهديدات والمخاطر.
تؤكد هذه التصريحات على تصور تركيا لإسرائيل كقوة مزعزعة للاستقرار، حيث تهدد قدراتها العسكرية ـ المدعومة من الولايات المتحدة ـ الوضع الإقليمي ومصالح تركيا الاستراتيجية، خاصة في سوريا والعراق، حيث تسعى أنقرة لملء الفراغات القوية الموجودة. في المقابل، تخشى إسرائيل من طموح أنقرة لإعادة بناء الإقليم، وتنظر الى قدرات العسكرية المتزايدة على انّها تهديد. ففي تصريح له، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً “الإمبراطورية الثمانية لن يُعاد إحياؤها قريبًا، حتى لو كان هناك من يختلف معي”.
تعكس هذه الملاحظة تصور إسرائيل لتركيا كمنافس استراتيجي، خاصة مع تقدم صناعة الدفاع التركية. ويعبّر جوناثان أديري، مستشار سابق للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس، عن هذا التصور بقوله أنّ تركيا تصعد بشكل صامت لن استراتيجي، وأنّ “إسرائيل وتركيا تتجهان نحو الحرب”. وتشير التصورات المتبادلة للتهديد والقوة بين تركيا وإسرائيل إلى تنافس متصاعد قد يصطدم على خط التماس في سوريا.
وتوظف تركيا الكشف عن آخر ما توصلت إليه صناعاتها الدفاعية في سياسة عرقلة الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة وردعها، لكن ذلك يضعها تحت المجهر ويكثف الجهود الإسرائيلية لمنعها من التقدم، حيث ترى إسرائيل صعود تركيا كتحدٍ لهيمنتها الإقليمية المطلقة. ويُخفي عدم الإصطدام المباشر بين الطرفين منافسة استراتيجية عميقة، حيث تستعد كلتا الدولتين لتصعيد محتمل بينما تعملان على إنشاء تحالفاتهما الخاصة وتتعاملان مع ضغوطهما الداخلية. لكن، وفيما تستعجل إسرائيل فرض تفوقها العسكري على المنطقة، تعمل تركيا على تطوير قدراتها العسكرية وانشاء توافقات سياسية إقليمية في مواجهة إسرائيل. ومع أنّ مثل هذه السياسة قد لا تردع إسرائيل، إلا انّها قد تعزلها إقليميا وتوفر الوقت اللازم لتركيا لرفع جهوزيتها للتعامل مع أي تصعيد إسرائيلي محتمل ضدها في المرحلة المقبلة.