اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، بصحيفة يني شفق، التحركات الدولية المتسارعة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، خاصة بعد لقاءات رفيعة المستوى جمعت ترامب مع بوتين وزيلينسكي، إلى جانب القادة الأوروبيين.

ويركز الكاتب على الضغوط المتزايدة التي تُمارس على كييف للقبول بشروط موسكو، لا سيما ما يتعلق بالمطالب الإقليمية. كما يستعرض مساريْن يجري العمل عليهما بالتوازي: الأول يهدف إلى عقد اتفاق سياسي بين روسيا وأوكرانيا، والثاني يتعلق بترتيبات “الضمانات الأمنية” المستقبلية، بمشاركة دول الناتو وتركيا.

ويلقي الضوء على الدور المحوري المتوقع لتركيا، خاصة في الجانب البحري من أوكرانيا، وعلى خلفية محاولات بعض القوى الغربية الالتفاف على اتفاقية مونترو.

ويخلص إلى أن مشهدًا أمنيًا جديدًا يتشكل في أوروبا، وأن تموضع تركيا سيُحدَّد بناءً على مخرجات التنسيق الأمريكيالأوروبيالروسي.

وفيما يلي نص التقرير:

تسارعت وتيرة الأحداث مؤخرًا؛ فبعد لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا، تبعته محادثات ترامب وزيلينسكي واجتماعات مع القادة الأوروبيين في واشنطن. وكما أوضحنا في المقال السابق، تتلخص الصورة في أن الرئيس الأمريكي، كما يتضح من تعابير وجوه القادة الأوروبيين الذين اصطفوا أمامه، يطالب زيلينسكي بقبول شروط بوتين الصارمة، وخاصة المطالبات الإقليمية. ولتحقيق ذلك، تُمارس “ضغوط هائلة” على كييف.

هناك مساران رئيسيان لإنهاء الحرب؛ الأول: اجتماع بوتين وزيلينسكي، ثم انضمام ترامب إليهما للتوصل إلى اتفاق نهائي. ولا شك أن هذا المسار محفوف بالمخاطر، وسنرى ما إذا كان الزعيمان الروسي والأوكراني سيتفقان. ولكن يبدو أن المسار قد رُسِم.

المسار الثاني يسير بالتوازي مع الأول، ويتعلق بمسألة “الضمانات الأمنية”، وهو الملف الذي يوليه الأوروبيون أهمية قصوى، خشية مواجهة هجوم روسي جديد بعد عقد من الزمن. ورغم رفض موسكو سابقا، فإن المبعوث الخاص ويتكوف صرّح بأن “بوتين وافق على تقديم ضمانات أمنية”. والصيغة المطروحة الآن ألا تصبح أوكرانيا عضوًا في الناتو، لكنها ستتمكن من الاستفادة من حق الدفاع المشترك الذي تنص عليه المادة الخامسة من الحلف.

استطلاع الرأي الأوكراني من واشنطن إلى أنقرة

إذا تحقق السلام، فمن سيتمركز في أوكرانيا؟ وما الدور الذي ستلعبه تركيا؟ سأقدم لكم الآن بعض المعلومات:

أولًا: تجري مناقشة مسألة الضمانات منذ فترة طويلة. وقد احتدم النقاش في فبراير/شباط، عندما جرت المحادثات الأمريكية الروسية في الرياض. وتكثفت الاستعدادات للمرحلة التي ستعقب الحرب.

ثانياً: وفق معلومة خاصة.. في فبراير/شباط 2025، وزعت الولايات المتحدة استبيانًا في مقر حلف الناتو ببروكسل، على جميع الحلفاء بما في ذلك تركيا. كان الاستبيان يدور حول المساهمات التي يمكن للأعضاء تقديمها بخصوص الضمانات في أوكرانيا. وقد أجاب جميع الأعضاء على الاستبيان، وبالتالي يتوفر لدينا الآن سجل شامل.

هناك نوعان من الضمانات الأمنية

ثالثاً: في مطلع مارس/آذار، عُقد اجتماع في لندن حول “الضمانات الأمنية”. وحضر هذا الاجتماع قادة من أوروبا، وأرسل الرئيس أردوغان وزير الخارجية هاكان فيدان ليمثله. (ولمن تساءلوا: “لماذا لم نكن في واشنطن الأسبوع الماضي؟” يمكن أن يفهموا من هنا أن أنقرة لم ترغب في أن تكون جزءًا من “ذلك المشهد” على مستوى القيادة).

وهذه أيضاً معلومة خاصة.. ناقش الاجتماع نوعين من الضمانات الأمنية: 1. ضمانات قصيرة الأمد تتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار، 2. ضمانات طويلة الأمد لحماية السلام من أي هجوم روسي محتمل. وركز اجتماع لندن على الضمانات الأمنية قصيرة الأمد المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وطُرحت مسألة قوات المراقبة الجوية والبحرية والبرية.

رابعاً: في الخامس عشر من أبريل، عقد الرئيس الأوكراني زيلينسكي مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع الأمين العام للناتو، مارك روته، وصرّح فيه قائلاً: “نعتقد أنّ لتركيا مكانة محورية في الضمانات الأمنية البحرية المستقبلية” (في إشارة إلى المدن الساحلية مثل أوديسا وميكولايف).

محاولات الالتفاف على اتفاقية مونترو

خامسًا: بعد عشرة أيام من ذلك، عُقد اجتماع في أنقرة بمشاركة 21 دولة لمناقشة أمن البحر الأسود. وأصدرت وزارة الدفاع بيانًا جاء فيه: “تركيا تتولى قيادة البعد البحري للتخطيط العسكري بهدف الحفاظ على بيئة السلام في البحر الأسود”. وخلال الاجتماع، شددت أنقرة بشكل واضح على أهمية اتفاقية مونترو للمضائق مؤكدةً على مبدأ “الملكية الإقليمية” ورفضها إدخال أي طرف خارجي إلى البحر الأسود. وفي تلك الفترة، حاولت بعض دول الناتو كالولايات المتحدة وفرنسا، الالتفاف على مونترو بطرق ملتوية. وقد رُفضت هذه المحاولات. وخلال أزمة الحبوب، أُعيدت بعض السفن من المضائق التركية.

سادسًا: هذه النقاشات التي دارت آنذاك، فما هو الوضع الراهن؟ ثمة مشهد جديد يتشكل الآن. لقد غيرت الولايات المتحدة موقفها وأكدت أنها قد تكون جزءًا من جهود الضمانات. وصرّح ترامب بأن القوات الأوروبية ستكون خط الدفاع الأول، أما واشنطن فتفضل البقاء في الخلفية. وفي هذا السياق، قد تقدم دعمًا للمراقبة الرادارية. وأما التغيير الثاني في الوضع الجديد، فيتعلق بحجم مسألة الضمانات. فالموضوع يتحول من مجرد مراقبة وقف إطلاق النار إلى حفظ السلام على المدى الطويل، وردع أي هجوم روسي محتمل في المستقبل، أي ضمان أمن أوروبا أيضًا. وهناك خطوة مثيرة للاهتمام تتمثل في رغبة الروس في إدخال الصين إلى المعادلة، وهو أمر كفيل بتغيير الكثير، خصوصًا وأن أوروبا لا تنظر إلى هذه الفكرة بعين الرضا.

دعوة أوروبية إلى تركيا… ولكن الجيش التركي لن يتجه إلى الحدود

سابعًا: ما الذي ستفضي إليه هذه التطورات بعد القرار الأميركي؟ ما خرجتُ به بعد البحث هو أن النقاشات السابقة بشأن الضمانات لأوكرانيا كانت في مراحلها التحضيرية، حتى أن التخطيطات كانت أكثر تقدمًا، وأما الآن فقد باتت الأمور أكثر جدية. فهل ستتخذ الأطراف مواقف مغايرة؟ سنرى ذلك.

لقد وُجّهت دعوة صريحة لتركيا من الجانب الأوروبي؛ إذ صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام بأنّ “البريطانيين والفرنسيين والألمان والأتراك مستعدون لإطلاق عمليات ضمان في أوكرانيا”. هذا ما ترغب به كييف أيضًا. أمّا موسكو، فليس متوقعًا أن تعارض الوجود التركي، لا سيما أنّها لم ترسل أي رسالة سلبية بهذا الشأن. وأما الدور الأمريكي فما زال غامضًا وغير محدد المعالم.

إنّ موقع تركيا في هذه المنظومة سيتحدد وفق الصورة العامة، وهذه الأخيرة تعتمد بدورها على الموقف الذي ستتخذه واشنطن. وإذا ما توافقت الآراء، فستتحمل أنقرة المسؤولية في هذا الملف. ولن يقتصر دعمها لسلام أوكرانيا على البحر فقط، فهي على علاقة وثيقة مع الطرفين، لذا لن تتمركز قواتها على خطوط التماس المباشرة، بل قد تتخذ دور “الدعم الخلفي” لتعزيز الأمن. وربما يكون وجودها في منطقة أوديسا.

شاركها.