تركيا خالية من الإرهاب.. خبير تركي يستعرض 5 مراحل

اخبار تركيا
نشرت صحيفة يني شفق التركية تقريرا للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، يستعرض 5 مراحل لمبادرة “نركيا خالية من الإرهاب” التي أطلقتها الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وقال بستانإن المسارالذي رسم معالمه الرئيس أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ولعب فيه رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن دورًا محوريًّا، قد دخل مرحلة جديدة بعد إعلان تنظيم “بي كي كي” الإرهابي قراره بالتخلي عن السلاح.
وأضاف: “إننا نتحدث عن مسار نُسج بالصبر والتأنّي، وقد وُضع له تصور دقيق، ويبدو جليًّا أن الأمور لم تُترك للظروف؛ بل وُضعت لها خطة بخمس مراحل ضمن إطار من الجدية والصرامة المؤسسية”.
وفيما يلي نص التقرير:
لا أدري أيَّ واحد منها أتناول أولاً. هل أبدأ بالقمة الرباعية التي عقدت في الرياض حول سوريا بمشاركة الرئيس أردوغان وترامب ومحمد بن سلمان وأحمد الشرع؟ أم بقرار ترامب برفع العقوبات عن دمشق؟ (وهو قرار سيشكل ضغوطاً هائلة على كل من إسرائيل و”قسد”). أم مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا التي عقدت في إسطنبول؟
كل هذه التطورات بالغة الأهمية. ولكن هناك تطور أكبر من كل ما سبق، تطور سيؤثر بعمق على مستقبل تركيا والمنطقة: إنه عملية “تركيا خالية من الإرهاب”.
إن المسارالذي رسم معالمه الرئيس أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ولعب فيه رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن دورًا محوريًّا، قد دخل مرحلة جديدة بعد إعلان تنظيم “بي كي كي” الإرهابي قراره بالتخلي عن السلاح. وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة مهمة: كيف تم التخطيط لإتمام هذه المرحلة؟ كم عدد المراحل التي يتكون منها هذا المسار؟ وما هي الخطوات المقبلة؟ وكيف سيتخلى التنظيم عن سلاحه؟ لقد حصلت على بعض الإجابات، وسأضعها بين أيديكم الآن:
يتكون هذا المسار من خمس مراحل
إن التنظيم الإرهابي هو قيد يعيق تقدم هذا الوطن. مهمته هي استنزاف طاقة هذا البلد. إنه صراع بين الإخوة، لم يجلب سوى الدموع والدماء. وهو عبء على تركيا والمنطقة. لقد فقدنا آلاف الأرواح لأجل هذه القضية. وتكبدنا خلال 40 عامًا فاتورة بلغت 1.8 تريليون دولار. غير أننا نقف اليوم على أعتاب مرحلة مفصلية. وكما أشرت في مقالات سابقة، فإن تركيا بصدد تنفيذ مناورة استراتيجية كبرى؛ فبينما يُعاد تشكيل النظام الإقليمي والعالمي، تقوم بتحصين جبهتها الداخلية. إنها تسعى لخلق مناخ من الرخاء والسلام لن يخسر فيه أحد.
إننا نتحدث عن مسار نُسج بالصبر والتأنّي، وقد وُضع له تصور دقيق، ويبدو جليًّا أن الأمور لم تُترك للظروف؛ بل وُضعت لها خطة بخمس مراحل ضمن إطار من الجدية والصرامة المؤسسية. ونحن الآن في المرحلة الثالثة، ولكن دعونا نستعرض المراحل من بدايتها:
المرحلة الأولى.. رسم الإطار العام للعملية
بدأ كل شيء بالخطاب الذي ألقاه الرئيس أردوغان في “أخلاط” بمناسبة ذكرى انتصار ملاذكرد، حيث قال: “سوف نجتمع تحت ظل الهلال الكريم، أتراكًا وأكرادًا وعربًا، سنةً وعلويين، 85 مليونًا”. كانت هذه الكلمات تجسيدًا لروح ملاذكرد، كما أنها ملامح المرحلة الأولى من المسار. ثم جاءت الدعوة لـ”تعزيز الحصن الداخلي” في مواجهة التهديدات العالمية والإقليمية. وتلتها خطوة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي عندما صافح وفد حزب DEM في البرلمان في الأول من أكتوبر. ثم اكتملت المرحلة الأولى بدعوته في 22 أكتوبر إلى “إمرالي”، بعد أن بدأت في 26 أغسطس.
المرحلة الثانية.. دعوة إمرالي
بدأت المرحلة الثانية في 27 فبراير عندما وجه عبد الله أوجلان دعوة إلى التنظيم الإرهابي قال فيها “ألقوا أسلحتكم وحلوا أنفسكم” وقد كان الهدف في هذه المرحلة هو إيصال التنظيم إلى نقطة التخلي عن السلاح. وخلال هذه المرحلة، حافظت الدولة على توازن دقيق بين مكافحة الإرهاب من جهة، والسعي إلى إقناع التنظيم بترك السلاح من جهة أخرى. وقد أجرى وفد حزب “DEM” لقاءات مع أحزاب سياسية وزعماء وفاعلين في المشهد السياسي، في حين واصل جهاز الاستخبارات التركية أعماله التحضيرية والبنية التحتية للمسار. واكتملت هذه المرحلة في 12 مايو، بإعلان التنظيم قراره بتسليم السلاح وحل نفسه.
المرحلة الثالثة.. المرحلة الأكثر حساسية
نحن الآن في قلب المرحلة الثالثة من عملية “تركيا خالية من الإرهاب”، وهي المرحلة التي يُفترض فيها أن تتحول قرارات التنظيم المتعلقة بتسليم السلاح وحلّ نفسه إلى خطوات عملية على أرض الواقع. وليس هناك جدول زمني محدد لانتهاء هذه المرحلة، فقد تستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر، أو ربما أكثر. فالتنظيم يمتد بأذرعه داخل تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، ويضم ما بين 8 إلى 10 آلاف عنصر، يجب أن يسلم جميعهم السلاح. ولكن لكل منطقة خصائصها، وتوازناتها، ودينامياتها الداخلية المختلفة، ولهذا يجري إعداد تصورات ومواعيد زمنية منفصلة لكل ساحة. وقد أُنشئت آليات خاصة بكل دولة على حدة، وسيقوم جهاز الاستخبارات الوطنية بمتابعة تنفيذ قرارات الحل وتسليم السلاح من خلال هذه الآليات. وسيرفع رئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم قالن، تقارير دورية إلى الرئيس أردوغان حول تطورات العملية.
آليات خاصة لكل دولة
في العراق، سيتم إخلاء مناطق قنديل، ومتينا، وزاب (بالإضافة إلى مناطق أخرى بالطبع). ويجري في هذا الإطار حوار مباشر مع الحكومة العراقية، وسيتم التعاون معها في هذا الشأن.
أما في سوريا، فالتوقعات تدور حول تفعيل اتفاق مكوّن من ثماني مواد بين دمشق وقسد. وإلغاء الولايات المتحدة لعقوباتها المفروضة على سوريا سيسرّع هذا المسار. ولن يُقبل بمطلب “الفيدرالية” الذي تطرحه قسد، ومن الشروط الأساسية أن يعمل التنظيم على توفير بيئة من الثقة في سوريا. وتتمثل الخطوة الأولى في هذا السياق في تسليم إدارة المعابر الحدودية والمنافذ الجمركية إلى حكومة دمشق، وينبغي أن ينسحب التنظيم من المناطق ذات الأغلبية العربية. ويُقال إن الولايات المتحدة ستُكمل انسحابها من سوريا بحلول نهاية العام، وقد وجّهت بالفعل رسالة واضحة إلى قسد: “عليكم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية.”
ولا يشكل تنظيم “بيجاك” الإرهابي في إيران تهديدًا مباشرًا لتركيا، إلا أن تصفيته تدريجيًا مع مرور الوقت تُعد خطوة ضرورية. ويتطلب ذلك أن تضطلع إيران بدور بنّاء في هذه المرحلة، ومن المتوقع أن تُجرى اتصالات بهذا الشأن.
أما عناصر تنظيم “بي كي كي” الإرهابي الموجودون داخل الأراضي التركية، فتشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين 50 إلى 100 عنصر. وتعمل الاستخبارات التركية بالتعاون مع الجيش التركي بهذا الخصوص. ولا توجد أي عوائق قانونية تحول دون عودة من لا سجل جنائي له إلى دياره.
كل خطوة إيجابية تُمهّد لمرحلة جديدة
المرحلة الثالثة تُعدّ حرجة؛ إذ ينبغي الحرص الشديد على إبقاء التنظيم في مسار التخلي عن السلاح، والحذر من الاستفزازات المحتملة. فهناك أطراف قد تسعى إلى تقويض هذا المسار داخل تركيا، وفي المنطقة، وعلى المستوى الدولي، بل وحتى داخل بنية التنظيم ذاته، وهذا ليس سرا.
فالنهج الأساسي يقوم على أن كل خطوة إيجابية تُهيّئ الأرضية للخطوة التالية. وفي هذا الإطار، من الممكن اتخاذ بعض الإجراءات بالتوازي مع استمرار المرحلة الثالثة. فتصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان حول إمكانية اعتبار تعيين الأوصياء حالات استثنائية، تُعدّ إشارة في هذا الاتجاه. وقد تطرح على الطاولة ملفات مثل: الإفراج عن السجناء المرضى وكبار السن، ومنح عبد الله أوجلان حق الالتقاء بمحاميه، وعائلته، وزواره في إمرالي ضمن إطار قانوني، وكذلك تعديلات محتملة في قانون تنفيذ العقوبات بدعم من الأحزاب السياسية. وفي غضون ذلك، قد تحدث تطورات جديدة ستسعد أمهات ديار بكر.
المرحلتان الأخيرتان.. نحو المصالحة المجتمعية والتكامل الاجتماعي
المرحلة الرابعة هي مرحلة الديمقراطية والإصلاحات التشريعية. ستدخل هذه المرحلة حيز التنفيذ فور التأكد من إلقاء تنظيم “بي كي كي” السلاح بشكل فعلي ونهائي. وفي هذه المرحلة، سيكون للبرلمان، والأحزاب السياسية، دور محوري. أما ماهية الإصلاحات التي ستُنفَّذ، فستُحدّد من خلال نقاشات بين الأحزاب ثم يقرها البرلمان.
أما المرحلة الخامسة، فيشار إليها بـ: مرحلة الاندماج الاجتماعي والنفسي. وبعبارة أخرى، هي مرحلة المصالحة المجتمعية الشاملة. وإذا ما كُتب النجاح لهذا المسار، فسنشهد تحوّلًا نوعيًّا في حزب (DEM)، حيث سيتخلّص من وصاية قنديل، ويتحول إلى حزب وطني تركي شامل. وقد استخدم قادة التنظيم خلال المرحلتين الأولى والثانية، خطابًا مسؤولًا ومتزنًا، ومن المؤكد أن لغتهم في المراحل المقبلة ستكون بالغة الأهمية أيضًا.