اخبار تركيا

تركيا.. دعوات المقاطعة والإفلاس السياسي للمعارضة

اخبار تركيا

استعرض مقال للكاتب والباحثة المصرية صالحة علام، تحليلا لحملة المقاطعة التي أطلقتها المعارضة التركية ضد الشركات والكيانات الاقتصادية التي لم تعلن صراحة موقفها من الأحداث الأخيرة في البلاد، وقررت التزام الصمت.

وقالت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إنه في تصعيد خطير من جانب حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، الذي يقود مظاهرات واحتجاجات في الشارع التركي دفاعا عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي يتواصل التحقيق معه في اتهامات بالفساد واستغلال المنصب، والابتزاز، دعا رئيس الحزب أوزغور أوزيل الكتلة التصويتية لحزبه والداعمين له من مؤيدي الأحزاب الأخرى إلى مقاطعة الشركات والكيانات الاقتصادية التي لديها علاقات بأي صورة من الصور مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، مرورا بتلك التي تدعم وجوده في السلطة، وانتهاءً بهؤلاء الذين لم يعلنوا صراحة موقفهم من الأحداث الجارية في البلاد، وقرروا التزام الصمت.

وذكرت أن هذه القائمة تضم أسماء عدد من الشركات الوطنية العاملة في قطاع المقاولات، وإنتاج الأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية، والمنتجات الغذائية، وبعض الفنادق، والمطاعم، والمقاهي، والمكتبات، ومحطات الوقود، وشركات نقل خاصة برية وجوية، وشركات محمول، ومراكز تسوق، ومحال تجارية، إلى جانب قنوات فضائية، ووسائل إعلام مقروءة ومسموعة، وأسماء فنانين وكتاب وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن لم يحددوا موقفهم من الاحتجاجات والمظاهرات التي يقودها الحزب في الشارع التركي.

ولفتت إلى أن أوزغور أوزيل صرح عقب إعلانه عن قائمة جديدة بأسماء الشركات المستهدفة بالمقاطعة، وهي قائمة آخذة في التزايد، بأن “من يرى سيراجهانه حيث تتم معظم الاحتجاجات يجب أن تروه أيضا، ومن لا يراها يجب أن يتم دفنه في التراب”، وهو التصريح الذي أثار موجة من الغضب الشديد، وردودا رافضة لهذا التوجه في حل الخلافات السياسية على المستويين الشعبي والرسمي.

وجاء في المقال:

المسؤولون الأتراك السياسيون والاقتصاديون رأوا في دعوة المقاطعة نوعا من الإفلاس السياسي. رفعت حصارجي أوغلو رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية على سبيل المثال أكد أن الدعوة إلى المقاطعة، واستهداف الشركات الوطنية التي تنتج احتياجات السوق المحلي، وتوفر فرص عمل للشباب، وتصدر منتجاتها إلى الخارج، لجلب عملات أجنبية للخزينة العامة للدولة، وتستثمر أموالها في إدارة عجلة اقتصاد البلاد، هي أمر خاطئ بكل المقاييس، ويمثل خطورة على مستقبل الدولة على الصعيد الاقتصادي، مطالبا بضرورة بقاء الشركات والمؤسسات الاقتصادية خارج نطاق المشاحنات السياسية.

كما رأى عمر جليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية أن ما يقوم به أوزيل لا يدخل ضمن إطار المعارضة السياسية، معتبرا أنه يقود تهديدا شاملا يستهدف منه تمزيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، باستخدام خطاب يتسم بالتعصب السياسي والتهديد.

فخر الدين ألتون رئيس دائرة الاتصالات بالرئاسة التركية قال إن المنافسة السياسية تتم وفق مبادئ ورؤى محددة، وليس وفق الترهيب والتهديد، الذي لا يستخدمه سوى المفلسين سياسيا، مؤكدا أن استهداف الاستقرار الاقتصادي للدولة لتقويض ثقة المستثمرين في الخارج به هو تخريب للمصالح الوطنية يتجاوز في مجمله المنافسة السياسية.

وأوضح أن الذين يدعون أنهم تغيروا وتطوروا، ويطالبون الآخرين بالعفو عنهم وتجاوز أخطاء الماضي، أثبتوا بتصرفاتهم العدائية أنهم لا يزالون يحتفظون بنفس العقلية والسلوك الفاشي، في محاولة لإيجاد ضغط مجتمعي قبيح، وتخويف أولئك الذين لا يتبنون نفس الرأي، وقال إن هذه العقلية الفاشية التي لا تتحمل اختلاف الآراء، هي عقلية لا تتماشى مع ثقافة العيش المشترك، ولا مع النضج الديمقراطي التي تعيشه تركيا.

وفي أول تعليق من جانب القصر الجمهوري وصف محمد أوجوم رئيس مستشاري الرئيس دعوة المقاطعة التي أطلقها أوزغور أوزيل تحت اسم “مقاطعة الاستهلاك” في 2 إبريل/نيسان بأنها عملية إمبريالية تعتمد مبدأ انتهاك القانون، لإيجاد حالة من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهدف إحداث تغيير في السلطة يخدم الإمبريالية العالمية والسياسات النيوليبرالية.

وشدد على أن فكرة مقاطعة التسوق أي الاستهلاك إنما هي جزء من التخطيط الذي تقوم به الإمبريالية العالمية ضد الدول القومية والمواقف الوطنية، وهو نوع جديد من العمل يعتمد على انتهاك القانون، لتدخل بواسطة ذلك الدول المستهدفة التي تم تهيئة الظروف المناسبة فيها لهذا العبث.

وأشار إلى أن المراكز العالمية التي حرضت على مقاطعة الاستهلاك في تركيا يوم 2 إبريل/نيسان، هي نفسها التي تتولى تنظيم مقاطعة الاستهلاك ضد إدارة ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من نفس الشهر تحت اسم “لا تلمس”، إذ تم الإعداد لأكثر من 600 فاعلية من ضمنها التظاهرات، والاحتجاجات، والسير بلافتات ضد سياسات الدولة في جميع الولايات الأمريكية الخمسين.

وأكد أنه “تم تجنيد الفاعلين على الساحة السياسية التركية، الذين وافقوا على تبني تفعيل استراتيجيات الفوضى لتحقيق الهدف، وتغيير السلطة الحاكمة لسلطة تابعة للإمبريالية العالمية وللنيوليبرالية”، مضيفا: “يبدو أن هذه الخطط القذرة تُعد لتركيا فعلا”.

على الصعيد الشعبي، وفي مقابل دعوات المقاطعة، ومحاولات البعض استهداف هذه الشركات، وترصد المتعاملين معها، وملاحقتهم، والاعتداء عليهم جسديا ولفظيا، شهدت العديد من المدن التركية خاصة إسطنبول وأنقرة تضامنا واسعا من جانب المواطنين مع الشركات التي تضمنتها قائمة حزب الشعب الجمهوري.

فقد بدا واضحا حرص المواطنين على التضامن مع هذه الشركات، وإبراز دعمهم ومساندتهم لها عبر زيادة حجم تعاملاتهم معها، والإقبال على منتجاتها، على الرغم مما يتعرضون له في سبيل ذلك من أذى من جانب حفنة من المتعصبين والعنصريين الداعمين لنهج المعارضة، والمؤيدين لدعواتها المتكررة إلى المقاطعة.

وهو ما ساهم في تحقيق كثير من تلك الشركات لنسب مبيعات يومية فاقت في حجمها ما اعتادت تحقيقه من قبل؛ مما دفع أصحاب بعض هذه الشركات المستهدفة إلى إصدار بيانات شكر للمواطنين الذين يقفون إلى جوارهم، داعمين لهم في هذه المحنة التي يمرون بها دون ذنب اقترفوه أو جريرة.

السلطة القضائية وفي محاولة جادة من جانبها لمواجهة الأمر، ومنع التصعيد، والتصدي لكل من يسعى للعبث باستقرار البلاد، وتفتيت الجبهة الداخلية، وتأجيج نار الحرب الأهلية، قررت فتح تحقيق موسع في دعوى المقاطعة التي أطلقها أوزيل، وتداعياتها على السلم الاجتماعي والاستقرار، وتأثيراتها الآنية والمستقبلية على العملة الوطنية، والأوضاع الاقتصادية في البلاد.

كما أعلن وزير التجارة عمر بولات أنه يمكن للشركات المدرجة على قائمة المقاطعة رفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويضات تتناسب مع حجم الخسائر المادية التي تتعرض لها من جراء هذه الدعوات الهدامة، التي تسعى لتخريب الاقتصاد.

ينظر المدعي العام لمحكمة الصلح والجزاء بإسطنبول من جانبه في طلب تقدم به أحد المحامين للمطالبة بإغلاق حسابات أكرم إمام أوغلو على وسائل التواصل الاجتماعي حتى انتهاء محاكمته، متهما القائمين على هذه الحسابات بالعمل على نشر معلومات مضللة تتماشى مع مصالح إمام أوغلو الخاصة، وإشاعة الفتنة، وتأليب المواطنين بعضهم على بعض،عبر التأثير السلبي لدعواتهم إلى المداومة على التظاهر، واحتلال الشوارع والميادين، والاحتجاج ضد الحكومة، ومقاطعة الشركات الوطنية لوقف إنتاجها، وتعريض أصحابها لخطر الإفلاس، وإلحاق الضرر باقتصاد البلاد.

فهل تنجح الحكومة عبر ما تتخذه من مواقف، وما تقوم به من إجراءات في وقف استنزاف الدولة، والحيلولة دون نشوب حرب أهلية في البلاد، والتصدي لمحاولات تخريب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، أم تتمكن المعارضة بدعم من القوى الخارجية في تأليب المواطنين بعضهم على بعض، وإثارة الفتنة، وتحقيق هدف الأجندات الخارجية التي تسعى لتغيير السلطة القائمة، وتخريب البلاد، وإضعافها، وفقدان مكانتها واستقلالها، وتحويلها إلى تابع ينفذ ما يصدر له من تعليمات وأوامر؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *