اخبار تركيا

تركيا.. قراءة في أبعاد الاعتقالات وسط شائعات الفساد ودعم الإرهاب

اخبار تركيا

تناول مقال تحليلي للكاتبة والباحثة في الشأن التركي صالحة علام، حملة الاعتقالات التي تنفذها الحكومة التركية في الفترة الأخيرة ضد شخصيات مثيرة للجدل، كان آخرها زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ، المعروف بآرائه المتطرفة والعنصرية.

وقالت علام في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إنه في خطوة لم يتوقعها أكثر المتشائمين لمآلات الصراع الحاد الذي تشهده الساحة السياسية التركية على خلفية مبادرة المصالحة مع المتمردين الأكراد التي يقودها الائتلاف الحاكم، قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر المعروف بكراهيته الشديدة للاجئين، والوجود الأجنبي عموما داخل تركيا، على الرغم من أنه من أصول أجنبية، إذ ولد في طوكيو باليابان لعائلة داغستانية الأصل.

وأوضحت أن القبض على أوزداغ جاء عقب اتهامه بتحريض المواطنين على الكراهية والعداء، وانتهاج سلوكيات عنصرية ضد الأجانب، ونشر معلومات مضللة، خلال إلقائه خطابا في اجتماع لرؤساء حزبه بمدينة أنطاليا في جنوب تركيا، مستهدفا شخص الرئيس أردوغان، وهو ما أثار حالة من الاستنفار العام لدى أحزاب المعارضة التركية، التي أعلنت على الفور دعمها له، والوقوف إلى جانبه دفاعا عن مبادئ أتاتورك وأسس جمهوريته.

أوزداغ قال إن “الحملات الصليبية التي مرت على تركيا على مدى الألف عام الماضية لم تحدث ضررا كبيرا في كيان الأمة التركية كما فعل أردوغان، وإنها فشلت في إدخال الجواسيس إلى أركان الدولة، بينما نجح هو أي أردوغان في جلب ملايين من اللاجئين والفارين من العدالة إلى مناطق الأناضول، وخلال فترة حكمه بدأت قطاعات واسعة من أبناء الأمة التركية تفقد الاهتمام بالإسلام بسبب أولئك الذين خدعوهم باسم الدين”.

وأشار إلى أن نسبة الإلحاد في البلاد خلال فترة حكم أردوغان تجاوزت 16%، مرجعا ذلك إلى سياسات الحزب الحاكم، وسلوكيات قياداته، وأنه أي الرئيس تعلم التاريخ والدين من مجنون يرتدي طربوشا، محملا إياه المسؤولية عن اختراق تنظيم فتح الله غولن لمؤسسات الدولة.

وجاء في مقال علام:

عملية القبض على أوزداغ ليست الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، وفق سير الأحداث الجارية وتلاحقها، إذ سبقها اعتقال عدد من مسؤولي الأحزاب ورؤساء البلديات التابعين لحزبي الشعب الجمهوري، والديمقراطية ومساواة الشعوب، فقد تم اعتقال جيم آيدين رئيس فرع الشباب بحزب الشعب الجمهوري والتحقيق معه، بعد نشره فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تضمن تصريحات لرئيس الحزب يصف فيها المدعي العام لإسطنبول بـ”المقصلة المتنقلة”، ثم أُفرج عنه لاحقا مع قرار بمنعه من السفر خارج البلاد، وخضوعه للمراقبة القضائية، والتوقيع في مركز الشرطة التابع له ثلاثة أيام أسبوعيا.

كما تم اعتقال أحمد أوزر رئيس بلدية أسنيورت أحد أحياء مدينة إسطنبول بتهمة دعم منظمة إرهابية، ومن بعده رئيس بلدية بشكتاش رضا أكبولاط و46 من موظفي البلدية بتهمة التلاعب بنتائج عدد من المناقصات والعطاءات التي طرحتها البلدية، وإرسائها على أفراد بعينهم عن طريق رشوة حصل عليها رئيس البلدية والمسؤولون التنفيذيون بها، وقررت النيابة بعد إجراء تحقيقاتها إحالة 40 مسؤولا منهم للمثول أمام المحكمة، والحجز على أموال وممتلكات عدد منهم.

ورغم أن الاتهامات الموجهة إلى رئيس بلدية بشكتاش في مجملها اتهامات بالفساد واستغلال السلطة الممنوحة له، ولا علاقة لها بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، فإن رئيس حزب الشعب الجمهوري قال إن تحرك المدعي العام يأتي على خلفية دوافع سياسية، وإنه بمثابة إعلان للحرب ضدهم، ومحاولة تستهدف تشويه سمعة حزبه، داعيا المدعين العموميين والقضاة إلى تحكيم ضمائرهم وعدم الانسياق وراء التعليمات التي تصدر لهم أيا أن كان مصدرها.

وأكد أن العام الجاري هو عام الانتخابات بامتياز، وأنهم على أتم الاستعداد لخوض هذه الحرب الذي يفرضها عليهم الحزب الحاكم، في سبيل تحقيق هدفهم المتمثل في فضح سجلات الحكومة والمنتسبين إليها، الذين عليهم أن يستعدوا لتسليمهم السلطة في البلاد.

أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى لم يتخلف عن الركب، إذ وجه اتهاما إلى المدعي العام بترهيب الناس، متوعدا إياه بما سماه “استئصال العقل الفاسد الذي يحكمه من أذهان هذه الأمة”، في إشارة إلى أردوغان، قائلا: “نحن سنقتلعه من أجل إنقاذ حتى أطفالك، حتى لا يطرق أحد بابهم بهذه الطريقة عند الفجر، دعنا نضمن السلام لبيتك ولأبنائك”؛ وهو ما دفع المدعي العام إلى فتح تحقيق ضده بتهمة تهديد موظف عام وأسرته، واستهداف من يتولون مهمة محاربة الإرهاب في البلد.

وهو ما وضع إمام أوغلو في موقف حرج قانونا لكونه يواجه حكمين بالحبس، يتراوح أحدهما بين ثلاث إلى سبع سنوات، واحتمال حظر نشاطه السياسي لفترة مماثلة، في قضية تتعلق بحدوث تلاعب في مناقصات وعطاءات حدثت خلال مدة رئاسته لبلدية بيليك دوزو، قبل انتخابه لرئاسة بلدية إسطنبول عام 2019.

كما يواجه حكما آخر بالحبس وحظر نشاطه السياسي أيضا لمدة 5 سنوات بسبب تعقيبه على قرار المجلس الأعلى للانتخابات بإلغاء نتيجة الجولة الأولى لأول انتخابات بلدية يخوضها لرئاسة بلدية إسطنبول، واتهامه بإهانة موظفين عامين، وهي القضية التي لا تزال في طور الاستئناف بعد صدور حكم الحبس فعلا عام 2022، وتُعرف هذه القضية إعلاميا بقضية “الأحمق”.

التحركات المتزايدة للحكومة في ملاحقة رؤساء البلديات المتهمين بالفساد واستغلال النفوذ، أو بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية أثارت استياءً عامًّا داخل الأوساط الحزبية، فشكك بعضها النيات التي تقف وراء هذا التحرك المكثف المفاجئ، وفي تأثيره السلبي في مبادرة المصالحة الوطنية التي يرغب في تحقيقها الائتلاف الحاكم.

ورغم أن الاتهامات الموجهة إلى المقبوض عليهم لا علاقة لها بالتنافس السياسي بين المعارضة والحكومة، فإن أحزاب المعارضة قررت على ما يبدو قلب الطاولة، واستغلال الموقف لمصلحة محاولاتها إجبار الحكومة على الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وقد حدا بها إلى ذلك أن أحدث نتائج استطلاعات الرأي العام تشير إلى تقدم حزب الشعب الجمهوري، ونجاحه في إحراز المركز الأول بنسبة تصل إلى 31.9%، يليه حزب العدالة والتنمية بنسبة 29.6%، وجاء حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب في المركز الثالث بحصوله على نسبة 9.6%، يليه حزب الحركة القومية بنسبة 8.9%، وجاء حزب الجيد في المركز الخامس بنسبة 4.4%، والرفاه من جديد في المركز السادس بنسبة 3.9%، أما حزب النصر فحقق نسبة 3.6%.

وهي النتائج التي شجعت المعارضة على حشد أنصارها ودفعهم إلى التجمع أمام مباني البلديات التي تم عزل رؤسائها، والاعتراض على ما سمته انقلاب الائتلاف الحاكم على إرادة الأمة، واستغلال السلطة القضائية لعزل رؤساء بلديات منتخبين واستبدالهم بأوصياء من لديها.

محاولة الربط بين اعتقال بعض رؤساء بلديات متهمين بالتعاون مع تنظيمات إرهابية وبين علاقة الدولة بمواطنيها من الأكراد يمثل خطورة حقيقية على السلم الاجتماعي، ولعب بالنار من شأنه أن يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، إذا ما استمر هذا الخطاب التحريضي، فالمعروف والمعلن أن الحكومة تحارب الإرهاب منذ عقود مضت، وليس الأكراد، وأنها تتصدى بكل ما أوتيت من قوة لإفشال محاولات تقسيم البلاد المدعومة من الخارج، وأنها لم ولن تستهدف مواطنيها.

وأن أية محاولة يتم بذلها لإفشال مبادرة المصالحة الوطنية سعيا وراء تحقيق مكاسب حزبية ضيقة، سيكون لها تداعيات شديدة الخطر، على مستقبل هذا البلد، على اعتبار أن هذه المبادرة أصبحت اليوم هي طريق النجاة الوحيد الذي يمكن بواسطته ضمان الاستقرار والأمن، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار التي تحيط بالدولة نتيجة التطورات الإقليمية التي تشير إلى إمكانية حدوث تغييرات ضخمة فيما يخص خريطة الشرق الأوسط ومن ضمنها تركيا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *