اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والصحفي التركينيدرت إيرسانال، في صحيفة يني شفق،قراءة معمقة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون وما حملته من رسائل جيوسياسية تتجاوز الانطباعات السطحية التي ركزت عليها وسائل الإعلام التركية.
يسلط التقرير الضوء على تراجع النقاش التركي حول الشرق بعد تحسن العلاقات مع واشنطن في عهد ترامب، مقابل استمرار قوة وتأثير التكتلات مثل شنغهاي وبريكس في تحدي الغرب. كما يناقش التحالفات الإقليمية (تركياباكستانأذربيجان)، والتقارب الروسيالهنديالصيني، ورسائل أنقرة لإيران.
ويخلص الكاتب إلى أن تركيا ما زالت عالقة بين روحٍ شرقية وجسدٍ غربي، وأن موقعها قد يعاد النظر فيه إذا استمر تراجع الغرب وصعود الشرق حتى نهاية العقد. وفيما يلي نص التقرير:
عادت وسائل الإعلام لدينا تتناول قمة منظمة شنغهاي للتعاون بسطحية، حيث انصبّ الاهتمام على مسألة انضمام تركيا أو عدم انضمامها، مرورًا بالتساؤل عما إذا كانت منظمة بريكس وشنغهاي ستتمكنان من تحدي الغرب، وصولًا إلى قناعتهم بأن الغرب سيتفوق عليهما في النهاية.
لقد ظل النقاش حول منظمة شنغهاي، وبريكس، والجنوب العالمي، أو العالم متعدد الأقطاب، مستمرًا في تركيا على مدى 10 سنوات. ولم تتوقف خطوات أنقرة في هذا الاتجاه عن تصدر الأجندة. وخلال فترة رئاسة بايدن، طورت أنقرة علاقات دافئة مع “الشرق”.
ومع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، بدأت العلاقات التركية الأمريكية تشهد تغيرا سريعا بشكل إيجابي. ونظرًا لغياب أي علاقة حقيقية في عهد بايدن، فقد جاء ترامب كـ “بلسم” لتركيا، خاصة أن حكومته كانت تصدر تصريحات إيجابية حول الملفات الحساسة التي تهمنا.
سنرى كيف ستنتهي هذه القصة مع مرور الوقت، ولكننا نتابع باهتمام الدور الذي تدعو إليه “أمريكا الجديدة” لأنقرة في المنطقة، وحتى في المشهد الجيوسياسي الأوسع.
هذا التطور أدى إلى تراجع الاهتمام بمنظمة شنغهاي وبريكس في تركيا. وبعد النقاشات التي دارت حول “طلب العضوية الكاملة”، أصبحنا أقل اهتمامًا بالشرق. كما أن ولاية ترامب خلقت انطباعًا بأن هذه المنظمات فقدت أهميتها وأصبحت غير فاعلة، وأنها لم تعد جزءًا من اللعبة. والحقيقة أن هذه المنظمات وفكرها ما تزال حيّة. فهي ما زالت تسيطر على جزء كبير من سكان العالم، واقتصاده، وسياسته، وجغرافيته السياسية، وتستمر في التحدي العلني للغرب، والنظام أحادي القطب، والهيمنة.
ولم تنقص قوتها، بل إن قوتها الحقيقية تتضح عندما نتساءل عن سبب استهداف الغرب لكل من الصين وروسيا بكل إمكانياته.
إنّ جوهر الأمر يتلخّص في أن صعود “الشرق” يُنظر إليه على أنه تهديد، ولكن السبب الحقيقي لهذا القلق هو أنه يتزامن مع تراجع الغرب.
ويمكن استخلاص الكثير من قراءة الصورة الجماعية لقمة منظمة شنغهاي، ولكن السر الحقيقي يكمن في الصور المُؤطّرة بعناية للقمة.
على سبيل المثال، خلال لقاء رئيس جمهورية أذربيجان، إلهام علييف، مع رئيس وزراء باكستان، نواز شريف، جاء في تصريحات علييف المترجمة: “تشنّ الهند هجمات علينا في المحافل الدولية، وذلك بسبب دعمنا لباكستان وصداقتنا معها. فليهاجموا بقدر ما يشاؤون، باكستان شقيقة لنا”.
لنمضِ قدمًا من هذه النقطة: تُشكل باكستان وتركيا وأذربيجان واحدة من أقوى التحالفات في المنطقة، ولها مناطق نفوذ مؤثرة. إنها بمثابة “مفاتيح” أو “بوابات” استراتيجية. ولكن من ترى الولايات المتحدة والغرب، أن الهند كانت اللاعب الحاسم في ممارسة الضغط على روسيا، ثم تطويق الصين وتحييدها.
وقولي “كانت” لا يعني أنها تراجعت تمامًا، ولكن بسبب سلسلة من الأحداث التي وقعت؛ أولًا: فرض ترامب ضرائب عالية على الهند. ثانيًا، ممارسته ضغطًا شديدًا عليها لقطع علاقاتها بروسيا، وخاصة فيما يتعلق بشراء الطاقة. وثالثًا، دعمه لباكستان خلال الصراع الباكستاني الهندي. وقد أحدث هذا صدمة في نيودلهي فحسب، وكان له أيضًا تأثير على السياسة الداخلية، كما عزز الموقف الأمريكي، فاستضافت الولايات المتحدة قادة باكستان المدنيين و”العسكريين” في البيت الأبيض. وفي النهاية، أصدرت صحيفة “نيويورك تايمز خبرا عنوانه”: “كيف خسرنا الهند”.
إن المحادثة التي استمرت لمدة 25 دقيقة بين الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الهندي مودي، في سيارة ببكين قبل انطلاق الاجتماعات الرسمية، قد شكلت إحدى اللحظات الحاسمة للقمة.
ما يُفسر الصور التي ظهر فيها مودي وهو يمسك بيد الرئيس الروسي بوتين، ففي هذه المرحلة، أصبحت العلاقات الروسية الهندية أكثر تقاربًا، وهذا سيدعم موسكو ماديا، وسيؤثر على الحرب في أوكرانيا بالطبع.
ولكن هناك صورة ثالثة أكبر وأكثر بريقًا. وهي عرض الرئيس الصيني شي جين بينغ: “لتبدأ رقصة التنين والفيل”.
لا بد أن هذا المشهد كان بمثابة صفعة قوية على وجه العقلية الغربي التي كانت تظن أن الصين والهند لن تلتقيا أبدًا، وأن خلافاتهما عصية على الحل وأن الهند مضمونة في صف الغرب. ولا حاجة لمزيد من الأدلة. فالمثلث الذي شكله قادة روسيا والصين والهند على السجادة الحمراء كان واضحًا للعالم بأسره بنفس القدر من الأهمية، بل إنه أقوى من المشهد الذي صف فيه ترامب القادة الأوروبيين أمامه في المكتب البيضاوي.
وهناك صورة أخرى ظهرت في محادثات تركيا وإيران، فقد يبدو تصريح الرئيس أردوغان لطهران: “نحن نهتم بمفاوضاتكم النووية مع الغرب” بسيطا أو روتينيا. لكنه ليس كذلك على الإطلاق! فهو يوازي في أهميته النصيحة التي وجهها أردوغان ذات يوم إلى مصر قائلاً: “احترموا العلمانية”. أود أن أودع هذه المعلومة في أرشيف عقولكم.، فلا تنسوها.
لنقتصر في تحليلنا لقمة منظمة شنغهاي على هذا القدر، ولننظر إلى المسألة من منظور تركيا. وبما أن أنقرة كانت حاضرة، فقد تجدد السؤال القديم: “هل ستنضم تركيا إلى منظمة شنغهاي، أو حتى إلى بريكس؟”
هذا السؤال غير مجدٍ لثلاثة أسباب:
أولًا: ستكون ردة فعل الولايات المتحدة وأوروبا قوية على أي خطوة صادمة من هذا النوع من تركيا، خاصة في هذه الأوقات العصيبة. ونظرًا لأجنداتها المُلحة، لن ترغب أنقرة في التورط في مثل هذه المواجهة.
ثانيًا: سيصاب “الموالون للغرب” داخل تركيا بالجنون. وحتى البنى الغربية المتواجدة في النظام ستبدأ بالاعتراض قبل هؤلاء الأفراد.
ثالثًا: الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق، روسيا والصين، ما زالت ترى تركيا في إطار الغرب وحلف الناتو، ما يجعل الظروف الحالية غير مواتية لعضوية تركيا في هذه التكتلات.
ولكن لدينا مشكلة هيكلية من وجهة نظرنا: فتركيا تشارك “الجنوب العالمي” اعتراضاته على النظام العالمي. بل إنها تعزز هذه الاعتراضات بطريقتها الخاصة. وهذا ما تعنيه عبارة “العالم أكبر من خمسة”. على سبيل المثال، هل يمكن لتركيا أن تقف إلى جانب الغرب في ظل الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل؟ في الواقع، “روحنا في الشرق، ولكن لأسباب سياسية واقعية، يظل جسدنا في الغرب.
ولكن كما ذكرنا سابقاً، فإن الضجيج ناتج عن تراجع الغرب وصعود الشرق، وإذا استمر هذا الاتجاه لمدة 10 سنوات أخرى، فأعتقد أن علاماته ستظهر بحلول عام 2030 أو ربما عام 2028، أي إذا لم يتمكن الغرب من التعافي، فقد تتغير الظروف مرة أخرى. وعندها ستعيد تركيا النظر في موقعها بين الشرق والغرب.