اخبار تركيا

تشابهات بين الاغتيالات السياسية في أمريكا وتركيا: دروس من الماضي

اخبار تركيا

استعرض مقال للكاتب والخبير التركينيدرت إيرسانال،مقارنة بين فترة الستينيات في الولايات المتحدة والتسعينيات في تركيا، مع التركيز على الاغتيالات السياسية التي وقعت في كلتا الفترتين.

وسلط المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق الضوء على التشابه بين هذه الحوادث، حيث تظل ملابساتها غامضة ولم يتم الكشف عن كامل الحقيقة وراءها، رغم المحاولات الرسمية والمستندات السرية التي تم الكشف عنها بشكل جزئي.

الكاتب يعرض أيضًا كيف أن الأحداث السياسية التي شهدتها تركيا في التسعينيات، مثل اغتيال مومجو، لم تشهد تحقيقات شافية، بل تم التعتيم عليها بشكل مشابه لما حدث مع قضايا الاغتيالات في الولايات المتحدة.

وفيما يلي نص المقال:

أعتقد أن هناك تشابهاً نسبياً بين ستينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة والتسعينيات في تركيا.

وما يؤكد لي هذا التشابه، الأوامر الرئاسية التي أصدرها الرئيس دونالد ترامب فور توليه منصبه، والتي تضمنت قرارًا بكشف الوثائق السرية المتعلقة باغتيالات الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين جون كينيدي، وشقيقه السيناتور ووزير العدل روبرت كينيدي، والشخصية السياسية الأسطورية مارتن لوثر كينغ، وذلك من أجل كشف ملابسات هذه الاغتيالات.

ومن المصادفة أن كتابة هذه السطور تتزامن مع ذكرى اغتيال الكاتب والباحث الإعلامي عثمان مومجو، في 24 يناير. ورغم اختلاف الآراء حول توجهاته السياسية، إلا أن مبادئه الصحفية وطريقة فكره وأساليبه المهنية لا تزال تمثل نقطة مرجعية حية، ومن المؤسف أن المقارنة بين أسلوب الصحافة اليوم والأسلوب الذي كان يمارسه لم يعد ممكنا لأنه سيفضي إلى نتائج محزنة.

إن هذا الاغتيال الذي يحتل مكانة خاصة في سلسلة الإرهاب في التسعينيات، يحمل تشابهًا مع مثيلاته في أمريكا؛ فهو لا يقتصر على الروابط الوطنية بل يتعداها إلى علاقات دولية، ويمثل تلاقي القوى المحلية والأجنبية. وكغيره من هذه الجرائم، يظل هذا الاغتيال يكتنفه الغموض والحيرة.

وكما قال المخرج الشهير أوليفر ستون في فيلمه “جي إف كي”: “القاتل الذي ضغط على الزناد غير معروف”.

إن اغتيال جون كينيدي ليس مجرد “ظاهرة أمريكية” فحسب، بل هو لغز أثار فضول العالم أجمع. ورغم العديد من الروايات والأفلام الوثائقية والبحوث التي أُجريت حوله، إلا أنه لم يتم حتى اليوم الكشف عن القاتل والأسباب بشكل يرضي الجميع.

والأمر ذاته ينطبق على اغتيال الصحفي التركي أوغور مومجو. فرغم اعتقال بعض المشتبه بهم وتقديمهم للعدالة، وتشكيل لجان برلمانية للتحقيق في القضية وإصدار تقارير، إلا أن هناك شعورًا عامًا بعدم الرضا. وحتى الوثائق الرسمية التي تم الكشف عنها لم تعد تحظى بأي اهتمام، بل أصبحت طي النسيان.

وكذلك الحال في “تقرير وارن” الشهير الذي يضم آلاف الصفحات حول اغتيال كينيدي، والذي يزخر بالعديد من المعلومات القيمة والتناقضات، إلا أنه أصبح مهملًا، يقبع في أرشيفات مهجورة يعلوها الغبار.

وقد تعهد معظم الرؤساء الأمريكيين بالكشف عن الوثائق السرية المتعلقة بهذه الجرائم، ولكنهم تراجعوا ولم يفوا بوعودهم. وفي كل مرة، كانت القضية تهمل وتؤجل تمامًا كما يحدث مع قضية “الأجسام الطائرة” المجهولة. وكأي قضية تندرج تحت تصنيف “الملفات الغامضة” مثل اغتيال البابا في مايو 1981، الذي كان له تداعيات عالمية واسعة، تغذت تلك الحوادث على الأساطير وأصبحت أكثر تعقيدًا مع مرور الوقت.

ولم يحدث هذا في تركيا أيضًا، فلم تتعمق أي حكومة في التحقيق في هذه الاغتيالات أو لم تستطع التعمق، لمعرفة العلاقة بين الأحداث الداخلية والشبكات الخارجية التي تقف وراءها.

مع أن العديد من الحوادث الخطيرة التي وقعت مؤخرًا لها جذور تاريخية عميقة ة بالأسباب والنتائج التي أدت إلى وقوع هذه الأحداث، حتى الأدلة الواضحة كانت تُهمل ولا يُحقق فيها.

وللواقع السياسي الراهن دور كبير في اتخاذ دونالد ترامب لهذا القرار. ففي فترة رئاسته الأولى، كانت القرارات التي اتخذها ضد النظام المؤسسي القائم تُعرقل ويتم إفشالها من خلال ألاعيب النظام والمناورات التي استهدفته.

بمعنى آخر، يرى ترامب أن هناك صلة بين القوى التي تقف وراء الاغتيالات والآليات التي استخدمت لتقويض رئاسته. بغض النظر عن تسميتها، سواء كانت وكالة الاستخبارات المركزية أو البنتاغون أو عالم الأعمال أو الاستقطابات الدولية، أو ديناميكيات الحرب الباردة أو المجمع الصناعي العسكري أو اللوبيات أو شبكاتها المتداخلة بينها.

إن مساهمات عائلة كينيدي في انتخابه مجددا، وحتى الشائعات حول تعيين أحد أفراد العائلة نائبًا لمدير وكالة المخابرات المركزية، كلها ة بهذا التصور الراسخ في الأذهان.

لنوضح الأمر أكثر، إذا أدى قرار ترامب بفتح الملفات السرية المتعلقة باغتيال كينيدي إلى الكشف عن جميع الأسرار، وإذا تم نشر الوثائق التي كانت خاضعة للرقابة الصارمة وأصبحت أسرار النظام المؤسسي علنية، فقد يمهد ذلك الطريق لكشف الوثائق الرسمية المتعلقة بمحاولات اغتيال ترامب، وقد يؤدي ذلك إلى الكشف عن صلات “الدولة العميقة”.

وفي هذه المرحلة، فإن الشبكة التي تقف وراء الهجوم على مكانة ترامب في السلطة الأمريكية والقوى العالمية، والعلاقات السياسية ورأس المال والدولة والإعلام، والأفراد الين بالهجوم، سيتم الكشف عنها. وهذا أمر كبير لأنه لن يقتصر على الولايات المتحدة فقط.

ولكن هل يمكن أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة؟ هذا أمر غير مؤكد. فبينما تشير تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب الحازمة وتوقيعاته إلى وجود نية جادة، إلا أن التجارب السابقة لا يمكن تجاهلها. ومن غير الواضح ما إذا كان ترامب يهدد النظام القائم بشكل غير مباشر فقط للحفاظ على حكمه لمدة أربع سنوات أم لا. ومع مرور الوقت، قد يتم تخفيف حدة القضية، وقد تتدخل البيروقراطية العميقة لخنقها أكثر، أو ربما تُحسم خلف الأبواب المغلقة من خلال اتفاقات سرية ومصافحات في الظل. وإذا سمعنا عن الإعلان عن الكشف عن بعض الوثائق، فاعلموا أن القضية قد أغلقت، وما سيُعلن لا يتعدى كونه تفاصيل سطحية لا أهمية لها.

أما في تركيا، فلا ندري كيف يمكن أن يتم ذلك. قد يُقال إن “الدولة لا تفقد الوثائق” لكن يبدو أن الأمر في تركيا ليس متعلقًا فقط بغموض عقود معينة، بل بعمق زمني أطول، ربما يمتد إلى 75 عامًا. إنه تجاوز كبير للأحداث المعتادة، وربما يكون تحقيق هذا الهدف ممكنًا فقط إذا دعمت السلطة بشكل كامل هيكلاً مستقلًا يعمل على كشف الحقائق.

كما أن البنية التي ستظهر للعيان ستؤدي على الأقل إلى كشف الحقائق التاريخية، وتسليط الضوء على الأحجار الأساسية التي شكلت الأحداث غير الاعتيادية التي أثقلت الحياة السياسية على مدار الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة.

قد يقول البعض: “الأمر مضى وانتهى، لا تُثيروا الأمر.” لكن هذا الأمر يرتبط بصحة “نظامكم المناعي” كمجتمع ودولة. فتركيا قوية اليوم، ولكن غدًا في حال ضعف قوتها، قد تعاود هذه القضايا الظهور. وهذا ما حدث دائماً.

إن أحد المعاني الأساسية للنظام العالمي الجديد هو التخلص من الأعباء القديمة ومواجهة الصدمات والتغلب عليها للمضي قدمًا. ولكن أكبر قدرة لهذا “الفيروس” تكمن في “التكيف”. فهو يعيد تشكيل نفسه ويجد طرقًا جديدة للظهور. لذا يجب تسوية جميع الحسابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *