اخبار تركيا

شهد حفل افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي لحظة لافتة، تمثلت في اللقاء العلني الأول منذ ست سنوات بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورفيقيه السابقين أحمد داود أوغلو وعلي باباجان. وجاءت المصافحة والحديث الودي بين الأطراف في ظل غياب المعارضة الرئيسية، ما منح المشهد رمزية سياسية تعكس رسائل أردوغان للداخل والمعارضة على حد سواء.

افتتح البرلمان التركي أمس الأربعاء دورته التشريعية الجديدة بحفل استقبال كبير رعاه رئيسه نعمانقورتولموش،وحضره الرئيسرجب طيب أردوغانإلى جانب نخبة من كبار المسؤولين.

وتحول الحفل إلى مظاهرة سياسية واسعة، حيث شارك فيها وزراء وقادة الأحزاب البارزة، وفي مقدمتهمزعيمحزب “الحركة القومية”دولت بهتشلي، ورئيس حزب “المستقبل”أحمد داود أوغلو، ورئيسحزب “الديمقراطية والتقدم” علي باباجان، ورئيس حزب “الهدى” زكريا يابجي أوغلو، ونواب عن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية.

عكست المراسم حدة الاستقطاب السياسي القائم في البلاد، مع غياب أبرز أحزاب المعارضة عن القاعة. إذ أعلنحزب الشعب الجمهوريمقاطعته للجلسة الافتتاحية وحفل الاستقبال احتجاجا على ما وصفه بـ”حملة تضييق واعتقالات” استهدفت رؤساء بلديات ومسؤولين محليين من صفوفه منذ أواخر عام 2024، بحسب تقرير لـ “الجزيرة نت”.

مقاطعة المعارضة

وبرر زعيم الحزبأوزغور أوزيلهذا الموقف بأن المشاركة السنة الماضية بدافع “احترام المنصب” لم تحقق أي نتائج، قائلا في خطاب حاد اللهجة “وقفنا احتراما في العام الماضي، لكن شيئا لم يتغير. هذا العام نبعث رسالة مختلفة: إذا حضر أردوغان فلن نستقبله لا وقوفا ولا جلوسا”.

وقد ترجمت قيادة الحزب هذا القرار بتنظيم تجمع جماهيري متزامن تحت شعار “الشعب يدافع عن إرادته” للتنديد بما تعتبره استهدافا سياسيا مباشرا لها.

لكن هذه المقاطعة لم تمر دون رد من المعسكر الحاكم. فقد وصف بهتشلي حليف أردوغان موقف الشعب الجمهوري بأنه “هجوم صريح على إرادة الأمة التركية”، مضيفا أن الحزب يعارض بذلك المبادئ التأسيسية للجمهورية، وأن رفضه حتى الاستماع إلى كلمة رئيس الجمهورية يمثل “تهورا سياسيا وانحلالا أخلاقيا يتجاهل الديمقراطية”.

وشهد الحفل لحظة استثنائية وصفتها الصحافة التركية بأنها “اللحظة الأكثر لفتا للانتباه في قمة قادة الأحزاب”، تمثلت في اجتماع أردوغان باثنين من أبرز رفاقه السابقين اللذين تحولا إلى معارضين له وهما أحمد داود أوغلو وعلي باباجان. إذ دخل كل منهما قاعة الاستقبال، وتبادلا معه التحية وأحاديث قصيرة اتسمت بالودية والمجاملات البروتوكولية، في أول لقاء علني بينهم منذ نحو 6 سنوات.

وتكتسب هذه اللحظة رمزية خاصة بالنظر إلى تاريخ الشخصيتين، فداود أوغلو شغل منصب رئيس الوزراء، في حين تولى باباجان حقائب الاقتصاد والخارجية لسنوات، وكانا من أقرب المقربين إلى أردوغان داخلحزب العدالة والتنميةالحاكم، قبل أن يستقيلا عام 2019 على خلفية خلافات حادة بشأن توجهات الحزب والانتقادات الموجهة إلى سياساته، ليؤسسا لاحقا حزبين انضما إلى صفوف المعارضة ضمن “تحالف الأمة”.

في السياق، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن ظهور أردوغان مع داود أوغلو وباباجان بعد سنوات من القطيعة لم يكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل مشهدا رمزيا أراد من خلاله الرئيس أن يقدم نفسه كزعيم قادر على جمع أطياف مختلفة حتى من خصومه السابقين.

رسائل أردوغان

وأضاف سراج أوغلو للجزيرة نت أن غياب حزب الشعب الجمهوري أفسح المجال أمام أردوغان ليملأ الصورة بوجوه أخرى من المعارضة المحافظة، في رسالة مفادها أن “المعارضة الغائبة لا تغيّب المشهد”. وأن اللقاء يوجه رسائل مزدوجة عبر طمأنة الحلفاء في تحالف الشعب من جهة، وإظهار الانفتاح أمام الناخبين المحافظين والمعارضة من جهة أخرى.

وأشار إلى أن أردوغان “بارع في توظيف الرمزية السياسية، فالصورة تمنحه فرصة لشق صفوف المعارضة واستعادة جزء من قاعدته السابقة”. لكنه يعتقد أن اللقاء “لا يعكس تقاربا سياسيا حقيقيا، بل يبقى مجرد رمز استغله الرئيس بذكاء في لحظة سياسية حساسة”.

لم يقتصر حضور أردوغان لحفل افتتاح العام التشريعي الجديد على الجانب البروتوكولي، إذ استثمر المناسبة لإجراء سلسلة من اللقاءات الجانبية مع قادة الأحزاب والشخصيات البارزة المشاركة.

ورصدت عدسات الكاميرات مشهدا لافتا للرئيس التركي وهو يتبادل حديثا وديا مع تونجر باكيرهان، الرئيس المشارك لحزب المساواة الشعبية والديمقراطية (الكتلة الكردية في البرلمان)، بحضور السياسي الكردي المخضرم ميثات سانجار، أحد أبرز أعضاء وفد المفاوضات مع الزعيم الكردي المعتقلعبد الله أوجلانفي إمرالي.

كما التقى أردوغان بحليفه التقليدي دولت بهتشلي في لقاء وصف بأنه امتداد للتنسيق المستمر بين الطرفين. وتواصلت هذه المشاورات في قاعة المرمر، حيث اجتمع أردوغان مع رئيس البرلمان نعمان قورتولموش وعدد من زعماء الأحزاب الحليفة، بينهم رئيس حزب “الاتحاد الكبير” مصطفى دستجي، إضافة إلى باكيرهان وتولاي حاتم أوغلو، الرئيسين المشتركين لحزب المساواة.

وبحسب ما رشح من أجواء الاجتماع، فقد كان إيجابيا وناقش سبل تعزيز التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية، في إطار أعمال لجنة برلمانية خاصة يتوقع أن تستكمل مهامها خلال الفترة المقبلة.

تشريعات مؤجلة

يتصدر ملف الترتيبات القانونية الة بعملية السلام الجديدة جدول أعمال البرلمان التركي مع انطلاق دورته التشريعية، غير أن المؤشرات تفيد بأن إقرار هذه القوانين قد يتأجل إلى ما بعد مطلع العام المقبل.

فاللجنة البرلمانية الخاصة المسماة “لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية” التي أُنشئت بعد إعلانحزب العمال الكردستانيحل نفسه رمزيا وإلقاء السلاح لم تستكمل بعد جلسات الاستماع إلى مختلف شرائح المجتمع. ولم يتضح حتى الآن متى ستنجز الصياغات القانونية اللازمة لتأطير العملية سياسيا وتشريعيا.

في هذا السياق، شدد قورتولموش على ضرورة التوازن في المسار، قائلا “لا يمكن أن يطلب من البرلمان اتخاذ كل الترتيبات القانونية فيما تنتظر اللجنة لتقرر لاحقا ما ستفعله. على الجميع أن يقوم بدوره”.

وبحسب ما تسرب من مداولات أولية، فإن المرحلة الأولى ستشمل إصدار قانون الاندماج الذي يعرف إعلاميا بقانون “العودة إلى الوطن” لأعضاء التنظيم، إلى جانب إدخال تعديلات على قانون العقوبات تتعلق بملف الإعدام، وذلك ضمن سلة تشريعية يراد منها منح العملية أساسا قانونيا متماسكا.

شاركها.