اخبار تركيا

ثورة سوريا.. بدأها الجولاني وأتمها الشرع

ياسين أقطاي الجزيرة مباشر

صدمات عديدة على مستوى المنطقة والعالم أحدثتها الثورة السورية، من أبرزها تلك الة بقائد المرحلة. من شخصية غامضة محاطة بأساطير، مطلوبة دوليا، ومرصود لها مكافآت ضخمة، إلى قائد عسكري وسياسي مرموق، بوجه مألوف وحضور لافت. إنه أحمد الشرع الذي لم يعرفه العالم عبر سنوات طويلة إلا باسم أبو محمد الجولاني.

ما حققه الشرع ليس إنجازًا عاديًا، فقد أطاح خلال 12 يومًا فقط بنظام جعل البلاد غير قابلة للعيش على مدار 14 عامًا، لكن اللافت ليس فقط في الإنجاز، بل بالطريقة التي تم بها، التي ستضمن له مكانة مميزة في تاريخ الثورات وحتى الحروب، فمنذ أسابيع قليلة فقط، كانت الدول العربية والأوروبية التي جمدت علاقاتها مع النظام منذ 14 عامًا تتسابق لإعادة تطبيع العلاقات معه، بل إن بشار الأسد نفسه وقف أمام منظمات دولية كمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ليتحدث ضد ممارسات إسرائيل في غزة دون خجل، ودون أن يلتفت إلى ما ارتكبه بنفسه، وحتى وقت قريب كانت الاجتماعات والخطط تعقد في وزارة الخارجية الأميركية بشأن مستقبل سوريا مع الأسد.

أن يقوم أحدهم بعكس تيار العالم بأسره ليس بالأمر البسيط. إن هذه الخطوة التي اعتمد منفذوها فقط على الله، تُظهر توافقًا واضحًا مع الروح والعقلية التي قادت أبطال غزة في “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر، فكلا الحدثين استمد قوته وإلهامه من المنبع الفكري والعقدينفسه،وكما ذكرنا مرارًا، فإن الأرضية الاستراتيجية التي جعلت من عملية 27 نوفمبر ممكنة استقرت بشكل كبير بفضل “طوفان الأقصى”.

وتشير سورة الفتح إلى أن من نتائج النصر أن يغفر ما تقدم وما تأخر من ذنوب المؤمنين. في الواقع ما تشير إليه الآية يتصل بعملية اجتماعية عميقة، إذ تؤدي الإنجازات الكبرى كالانتصارات والفتوحات، إلى إعادة تعريف الجريمة والمجرمين، فالأسماء التي كانت مدرجة في قوائم الإرهاب، مثل أحمد الشرع ورفاقه، ستُعاد صياغة صورتها في ضوء إسقاطهم لنظام الأسد الإجرامي، وما أحدثوه من فتح عظيم.

ومع تزايد الكشف عن تفاصيل ماضي أحمد الشرعوشخصيتهالتي تثير فضول الناس، بدأت تتضح معالم شخصية قيادية كاريزمية. الكاريزما هبة من الله ولها جانب فطري، ترتبط بطول القامة والجاذبية والقدرة التلقائية على التأثير، وحتى لو كان الشخص محظوظًا بامتلاك هذه الصفات، فإن الكاريزما لا تتكون بهذه الصفات وحدهاولا تستمر،بل يتطلب استمرارها تحقيق النجاحات.

وينبغي عدم إغفال الاهتمام الذي أبداه الشرع بقضية فلسطين في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وكذلك دور جده، قاسم الشرع، الذي ناضل ضد الاحتلال الفرنسي في مرحلة العشرينيات، حيث لجأ مع قائد الثورة السورية في ذلك الوقت، سلطان باشا الأطرش، إلى مدينة السلط في الأردن، ولاحقًا انتقلت العائلة من الجولان المحتل إلى دمشق بسبب خيانة الأسد، لتعيش مجددًا تجربة الهجرة والاحتلال، وبعد انتقال والد أحمد الشرع إلى السعودية بسبب نظام الأسد، وُلد أحمد الشرع هناك، مما يدل على أن روح مقاومة الاحتلال الإمبرياليوموروثهاستمر لأربعة أجيال في عائلته.

يبلغ الشرع من العمر الآن 42 عامًا، وعندما بدأ الحراك في سوريا كان عمره 28 عامًا فقط، وقد نضج خلال هذه الفترة من خلال خوضه الكثير من التجارب في ساحات المعارك. لقد تغير وتطور وربما تحول كثيرًا عن النقطة التي بدأ منها، ولكن في النهاية، كانت لديه أهداف ومبادئ لم يتخل عنها أبدًا، فبعد أن كان يتصور صراعه في البداية ضمن إطار جهاد عالمي، خصصه منذ عام 2011 لتحرير سوريا من نظام الأسد وركز عليه، ومنذ ذلك الحين، قرر ألا يتدخل في شؤون دول أخرى، وجعل تحرير بلاده هدفه الرئيس، وقد سمعت من العديد من الأشخاص أنه كان يعلن لسنوات أن هدفه الأول هو تحرير دمشق، ويقول أحمد منصور من قناة الجزيرة، الذي تابع مسار الثورة منذ بدايتها، إنه تلقى منه هذا التصريح مراتعدة، ولكن عندما سأله السؤالنفسهبعد الثورة مباشرة، أكد له رغبته في “إعادة إعمار سوريا من أجل شعبها”.

إن ما ذكره أحمد منصور عن مهاراته القيادية يتطابق تمامًا مع الانطباعات التي تكونت لدي من خلال مقابلاتي الطويلة معه، ومع الأشخاص المقربين منه الذين عملوا معه.

قد يُفاجأ أولئك الذين يبحثون عن القسوة والصلابة وراء نجاح أحمد الشرع عند التعرف إليه عن كثب، فالشخصية التي سيقابلونها هي شخصية مهذبة ورقيقة وبعيدة عن القسوة، ولها قدرة عالية على الاستماع والتفهم قبل أن تتحدث.

وقبل أن يصل إلى هدفه النهائي، أظهر في إدلب قدرات إدارية وتنظيمية كبيرة، كما أظهر قدرته على التعلم من الأحداث والتطورات والتكيف معها، فقد تعرض للاحتجاجات أثناء حكمه في إدلب، إلا أن هذه الاحتجاجات لم تُغضبه، بل دفعته إلى محاولة فهم الوضع بشكل أفضل والاستماع إلى مطالب المتظاهرين ليعمل على معالجة القضايا المتعلقة بإدارته.

وعندما أدرك أنه لا يمكنه تحقيق هدفه الأكبر، وهو إسقاط نظام الأسد، دون بناء وحدة حقيقية بين مختلف الفصائل المعارضة، بدأ عملية حوار جاد مع المجموعات المختلفة التي لم تستطع التحرك نحو هدفها الحقيقي المتمثل في إسقاط الأسد بسبب النزاعات فيما بينها، وبطريقة ما تمكن من حل مشاكلهم جميعًا.

وعند وصوله إلى دمشق قام بثلاثة أعمال أضفت إلى انتصاره لمسة من الرقي، كما منحت قيادته معنى عظيمًا من خلال محتواها الرمزي. أولًا، سجد سجدة شكر إيمانًا منه بأن النصر من عند الله، ثم توجه إلى الجامع الأموي وصلى فيه، وبعد ذلك توجه إلى منزله الذي وُلد فيهونشأ، فطرق الباب وأبلغ الشخص الذي فتح له الباب بكل تهذيب أن هذا المنزل يعود له، وأبلغه بلطف أن عليه إخلاءه في فترة زمنية معقولة، وبذلك قدم نموذجًا للسوريينجميعهمالذين عانوا من انتهاك حقوقهم في الملكية بوحشية على يد نظام البعث طوال سنوات، وأرشدهم إلى الطريق، كما أن استمراره في إظهار اللطف تجاه من اغتصبوا منزله، رغم حقه فيه، قد عزز من الطابع الإنساني للثورة.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *