اخبار تركيا

جبهتان في رقعة الصراع الإقليمي.. قبرص وسوريا

اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، في صحيفة يني شفق، تحوّلين جيوسياسيين بارزين في شرق البحر الأبيض المتوسط: الأول في جزيرة قبرص، والثاني في سوريا.

وأشار الكاتب إلى أن المفاوضات في قبرص بدأت تأخذ منحى جديدًا بعيدًا عن فكرة الاتحاد الفيدرالي، مع إشارات إلى قبول أممي ضمني بحل الدولتين، ما يشكل تحديًا للمحور الإسرائيلياليونانيالقبرصي الرومي.

وذكر أن سوريا تتعرض لمحاولات تقويض استقرارها عبر تحركات انفصالية لـ”قسد” بدعم غربي، واستفزازات أمنية إسرائيلية في الجنوب تستهدف المجتمع الدرزي، ما يكشف عن مساعٍ لإعادة تفكيك الدولة السورية من الداخل، وسط صمت دولي مريب.

وفيما يلي نص المقال:

سأتناول اليوم موضوعين مهمين: أولهما قبرص، والثاني سوريا. إذ برزت مؤخرًا مستجدات تشير إلى دخول القضية القبرصية مسارًا إيجابيًا جديدًا. وفي المقابل، تشهد الساحة السورية محاولات لإخراج البلاد عن مسارها من خلال استفزازات استخباراتية ممنهجة. وجميع هذه التطورات مترابطة وتشكل جزءًا من صراع قوى يتأثر بعضه ببعض. ولنبدأ الحديث عن قبرص.

وبينما تقرؤون هذه السطور، سأكون في قبرص لحضور مهرجان تكنوفيست. منذ فترة وأنا أسعى لتسليط الضوء على ما يجري على الجزيرة: المحور الإسرائيلي اليوناني القبرصي الرومي، والتنظيم الإرهابي الذي يجري تأسيسه في الجنوب، فضلًا عن خرائط التخطيط البحري المكاني (انظر: “أثينا تسبح في مياه خطرة”، 22 نيسان). إلا أن تطورًا بالغ الأهمية فيما يتعلق بالقضية القبرصية يحدث الآن من شأنه أن يستفز هذا المحور المعادي لتركيا. وهناك تطوران جديران بالانتباه:

أولًا: الأمم المتحدة تتخذ موقفًا جديدًا حيال قضية قبرص. فبعد أن كانت في السابق تدعم المفاوضات للتوصل إلى حل نهائي، تخلّت عن هذا الموقف بناءً على تقرير ممثلة الأمين العام، هولغوين، الذي لم يُكشف عن مضمونه، لكنه يتضمن تأكيدًا بعدم بقاء أرضية مشتركة بين الطرفين لإنشاء اتحاد فدرالي، ويشير إلى أن العقوبات الاقتصادية أثّرت سلبًا على حياة القبارصة الأتراك. لذا، يُقال إن الأمين العام غوتيريش بات يفضل التركيز على خطوات من شأنها تسهيل الحياة اليومية بدلًا من الحل النهائي. وهذا يعني ببساطة أن الأمم المتحدة تبتعد عن مطالب القبارصة اليونانيين بالاتحاد الفيدرالي وتتقبل واقع الجزيرة المقسمة لدولتين.

الاتحاد الفدرالي لم يُطرح لأول مرة

ثانيًا، تجلى انعكاس هذا الموقف الجديد في اجتماع قبرص الموسّع الذي عقد في جنيف حول قبرص في 18 آذار تحت رعاية غوتيريش. وقد بدأت كواليس الاجتماع تتكشف مؤخرا. ولأوّل مرة في تاريخ المفاوضات القبرصية الممتد لسنوات طويلة، لم يُطرح موضوع الفدرالية الذي يطالب به الروم. وبدلًا من ذلك، ركّز الاجتماع على استكشاف مجالات التعاون التي تعود بالنفع على كلا الشعبين، من قبيل فتح المعابر الحدودية بين الشمال والجنوب، وإزالة الألغام من الجزيرة، والتعاون في القضايا البيئية، وتركيب ألواح شمسية في المنطقة العازلة، وتوليد الكهرباء، وترميم المقابر، وتأسيس لجنة شبابية. ومن المقرر عقد اجتماع آخر في تموز لتقييم الخطوات المتخذة.

خلاصة القول: لأول مرة، اتخذت المفاوضات القبرصية مسارًا مختلفًا عبر اجتماع جنيف. ويُشبّه هذا التحول بتغير مسار سفينة شحن: “عندما تنحرف السفينة بمقدار درجة أو درجتين فقط، فإنها تصل في النهاية إلى وجهة مختلفة تمامًا.”

ماذا ستفعل الدول التركية؟

برزت قبرص أيضًا على الأجندة بعد أن قامت بعض الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية بتحديث علاقاتها مع الإدارة القبرصية اليونانية. وقد علّقنا حينها على أن هذا كان حادثًا عرضيًا، وأن الدول التركية انخرطت مع الاتحاد الأوروبي خوفًا من “أن توجه روسيا أنظارها عليها بعد أن تُغلق صفحة أوكرانيا”، وأكدنا أن هذا حساب خاطئ (انظروا: الأجندة الخفية وغير المعلنة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، 15 أبريل). وبعد صمت طويل، أغلق وزير الخارجية فيدان الملف قائلًا: “إنها مسألة داخلية”. ولكن المحادثات مستمرة بالطبع خلف الكواليس، حيث يجتمع الكبار في جمهورية شمال قبرص التركية. وفي الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ستُعقد قمة منظمة الدول التركية في المجر. ولا يُتوقع الخروج بنتيجة ملموسة من القمة، إلا أن هناك اعتقادًا سائدًا في أنقرة بأن تضيف الدول التركية بعدًا جديدًا لعلاقاتها مع جمهورية شمال قبرص التركية في الفترة المقبلة.

سوريا غير محصنة ضد الاستفزاز

لننتقل الآن إلى سوريا. البلاد هشة، تسير في بحر هائج بعد أن رسمت مسارًا يهدف إلى الحفاظ على وحدتها وسيادتها وشرعيتها. لكن بعض الأطراف تحاول تغيير هذا المسار. وثمة تطوران بارزان تجدر الإشارة إليهما:

أولًا: عقدت قسد مؤتمرًا بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا وبارزاني، طالبت فيه بالحكم الفيدرالي. وقد شرحنا سابقًا خلفية هذا القرار وكيف عملت الولايات المتحدة على جمع هذه الأطراف معًا (انظر: “إلى أين تتجه سوريا بعد قنديل؟”، 29 أبريل).

واليوم نطّلع على معطيات جديدة: فـ”قسد” لم تكتفِ بالمطالبة بالفدرالية فحسب، بل لم تلتزم بعدة نقاط كانت قد اتفقت عليها مع دمشق في مذكرة تفاهم وُقّعت في 10 آذار. ويقول المطلعون على الوضع الميداني إن التنظيم لم ينسحب بشكل كامل لا من حلب ولا من سد تشرين، كما أن التلاعب الديمغرافي مستمر في المناطق التي يسيطر عليها. وتتعالى في دمشق أصوات التذمّر. ويُنظر إلى مطلب الفدرالية باعتباره تطورًا يلغي اتفاق 10 آذار. وإذا ما انهار الاتفاق فما هي التداعيات المتوقعة؟

ثانيًا: إسرائيل لم تتخلَ عن مشروع الفوضى

خلال الأسبوع الماضي، وجّهت دمشق أنظارها من الشمال إلى الجنوب. ولم تتخذ إسرائيل أي خطوة تُذكر في سوريا منذ أن طلب منها الرئيس الأمريكي السابق ترامب أن “تتحلى بالعقلانية”، على الأقل فيما يتعلق بالقضايا التي تهم تركيا بشكل مباشر، ولكنها لم تتراجع عن سعيها لتقسيم سوريا ودفعها إلى الفوضى. وكما هو معلوم، تطالب إسرائيل بنزع السلاح من المناطق التي يقطنها الدروز في جنوب البلاد، وإبعاد الجيش السوري عنها.

وانتشر مؤخرا تسجيل صوتي مجهول المصدر نُسب إلى رجل دين درزي، تضمّن إساءة إلى النبي محمد ﷺ، ما أدى إلى زيادة التوتر واندلاع مظاهرات غاضبة. ومثل هذه التسجيلات المجهولة عادة ما تكون جزءًا من عمليات استخباراتية مُحكَمة تهدف إلى إثارة الفتنة، وكان ينبغي على الشعب السوري أن لا يقع في هذا الفخ. وبالفعل، فإن الجهات التي أعدّت هذا السيناريو كانت تخطّط للمرحلة التالية: ففي حي جرمانا جنوب دمشق، نصبت جماعات درزية مسلحة كمينًا لقوات الأمن التابعة للحكومة، واندلعت اشتباكات عنيفة. وقد شنّت إسرائيل هجومًا على القوات السورية المتوجهة إلى المنطقة باستخدام طائرات مسيّرة ومقاتلات حربية.

وهذه قضية حساسة، فدمج النظام السوري للمجتمع الدرزي في مؤسسات الدولة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على وحدة البلاد، خصوصًا أن “قسد” التي تطالب بالفيدرالية تراقب عن كثب تحركات الدروز. وأي تنازل صغير يُقدم في الجنوب قد يتسبب في تقسيم البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *