جنرال الجيش الميت

اخبار تركيا كريتيك باكيش(المفكر التركي أحمد أوزجان)
الكاتب الألباني إسماعيل قادري، يحكي في روايته “جنرال الجيش الميت”، قصة جنرال إيطالي يأتي بعد 20 عامًا لاستعادة جثث الجنود الإيطاليين الذين احتلوا ألبانيا خلال الحرب العالمية الثانية. كان عليه جمع عظام جنوده وإعادتها إلى أوطانهم. جاب ساحات القتال والأماكن التي دارت فيها المعارك. في يده قائمة بجميع المعلومات عن القتلى: أعمارهم، أطوالهم، أسماؤهم، أماكن ولادتهم، عائلاتهم… كل منهم من منطقة مختلفة، أبناء حكايات مختلفة. أتوا إلى هنا من أجل “مهمة سامية” وماتوا في سبيلها.
تولى الجنرال هذه المهمة نتيجة اتفاق بين البلدين، وكان بحوزته تصريح رسمي. لكنه واجه مقاومة من السكان المحليين أو موظفين في العديد من المناطق. لأنهم جنود احتلال، والآن يأتون دون حتى اعتذار ليقوموا بالحفر في كل مكان، وهذا ما يزعجهم. ومع ذلك، يؤدي الجنرال مهمته بصبر وتفانٍ كبيرين. سيعيد ما تبقى من جنوده إلى عائلاتهم. بالفعل، قبل مجيئه، وقف المئات من الآباء والأمهات والأزواج على بابه قائلين: “أحضر لنا ابننا، زوجنا، حبيبنا، لنصنع له على الأقل قبرًا”، مما وضع عبئًا أخلاقيًا كبيرًا على كتفيه. قام الجنرال بهذه المهمة الصعبة مع الكاهن المرافق له بعد بحث طويل ومتعب. لكن في العديد من الأماكن، اختلطت الجثث ببعضها. بعض الجثث التي وجدها كانت تنقصها أطراف… يضع جمجمة أحدهم على هيكل عظمي لآخر، ويد أحدهم على ذراع آخر، يجمع ما يستطيع إكماله في أكياس بلاستيكية لإرسالها إلى إيطاليا…
جنرال الجيش الميت، خلال هذه المهمة، يغضب كثيرًا من قادة الحرب في ذلك الوقت، يقول إنهم اتبعوا استراتيجية خاطئة في هذا الجبهة، القائد تصرف مبكرًا عند دخول هذه القرية، هنا حفر الخنادق في مكان غير مناسب، هناك كان يجب الانسحاب بشكل منظم أكثر… الجنرال يدرك أن مهمته هي تصحيح أخطاء القادة القدامى الذين لم يعرفوا كيف يحاربون. إنه هنا لإنقاذ شرف أمته، وجمع ضحايا القادة الفاشلين مهمة أصعب من حربهم. يعيش الجنرال أيضًا مشاكل أخرى، وفي النهاية يغادر ألبانيا براحة الضمير بعد إنجاز مهمته…
في الفترة التي كنت أقرأ فيها هذه القصة المثيرة لإسماعيل قادري، عشت يومًا مليئًا بالمصادفات الغريبة. قابلت عشرات الأشخاص غير الين ببعضهم في نفس اليوم، واحدًا تلو الآخر، ودون سبب واضح، واضطررت لإجراء محادثات معهم. صادفت صديقًا قديمًا من اليسار في الشارع. تحدثنا قليلًا. ثم أثناء زيارتي لمكتب أحد رجال الأعمال، رأيت بالصدفة شخصًا من حزب الحركة القومية (MHP) وآخر من تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) يتواجدان في نفس المكان. دار بيننا حديث طويل. ثم وجدتُ نفسي في لقاء آخر مع صديق ما زال إسلاميًا وآخر سياسي قديم تحول إلى توجه جديد. بعد ذلك، انتهى بي المطاف في عزاء لأقاربي حيث كنت في قلب الهموم اليومية للناس. ثم صادفتُ في مكان آخر مجموعة من القوميين الكماليين وعلويين، وتحدثنا عن الأحداث الجارية لفترة طويلة.
بعد ذلك، قابلتُ أصدقاء من منظمة “ألبيرين أوجاقلاري” (تيار قومي ديني)، ثم آخرين من حركة معارضة جديدة انشقت حديثًا، ثم بعض الشباب الليبراليين، وأخيرًا رواد المقهى الذي أرتاده أنا أيضًا. وفي المساء، في أحد الاجتماعات، صادفتُ معارف من جماعة فتح الله غولن، وعند عودتي إلى المنزل، تحدثتُ مع جاري المهاجر من البلقان بجوار الباب قبل أن أتمكن من دخول المنزل منهكًا. ربما كانت هناك أيضًا بعض المكالمات الهاتفية التي نسيتها.
مع إرهاق هذا اليوم الغريب، تذكرتُ بطل الرواية ذلك الجنرال… وشعرتُ فجأة أنني أتشبه به. كنت حقًا مثل جنرال جيش ميت في ذلك اليوم. ملخص اليوم كان يمر في ذهني بشكل مشتت، متقطع، فوضوي. وجوه من هويات مختلفة، أعمار مختلفة، أجناس مختلفة، توجهات، مذاهب، معتقدات، هموم مختلفة، أفراح مختلفة، أعمال مختلفة، أماكن مختلفة… عشرات الوجوه، مئات الجمل، العديد من اللحظات، الإيماءات، تعابير الوجه، نبرات الصوت المختلفة، النظرات… كلها تتدافع في ذهني مختلطة ببعضها.
طوال اليوم، كنت كمن يجمع عظامًا، ولم أعد أميز أي كلمة خرجت من فم أي شخص، أو أي تعبير وجه بقي عالقًا في ذهني من أي حوار، أو أي صديق شاب شعره، أو من تعافى لونه، أو من نزلت عليه حجز لبيته بسبب ديون بطاقته الائتمانية، أو من سيُدرج اسمه في قائمة المؤتمر… عدت إلى المنزل بأكياس مليئة بـ “الهياكل العظمية”، وبدأت أخلطها ببعضها..
يمكن الوصول إلى النص الكامل للمقال الذي كتبه المفكر التركي أحمد أوزجان، عبر رابط مجلة كريتيك باكيش الفكرية