اخبار تركيا

قدم الكاتب والإعلام التركي طه قلينتش، لمحة عن سيرة العميد مناف طلاس وعائلته، مسلطًا الضوء على دوره خلال حكم نظام البعث في سوريا، خصوصًا دوره في القمع وحماية مصالح والده مصطفى طلاس، وزير الدفاع السابق.

يستعرض قلينتش في مقال بصحيفة يني شفق انشقاق طلاس عن النظام خلال “الربيع العربي” وانتقاله إلى المعارضة، وتصريحاته الأخيرة في مؤتمر بباريس حول إنشاء مجلس عسكري وطني علماني لإعادة بناء الدولة السورية.

ويحلل الكاتب التركي هذه التصريحات في سياق تاريخ طلاس السياسي، مشككًا في صدقيتها ومبرزًا احتمالية أن تكون جزءًا من إعادة فرنسا تدوير رموز النظام القديم في المشهد السوري. وفيما يلي نص المقال:

لفت العميد مناف طلاس، الذي كان أحد أبرز الشخصيات الرئيسية في نظام البعث السوري، الأنظار إليه الأسبوع الماضي بكلمة ألقاها في مؤتمر بباريس. وقبل الخوض في تفاصيل خطابه، دعونا نستعرض سيرته وسيرة والده مصطفى طلاس.

ولد مصطفى طلاس عام 1932 في بلدة الرستن بالقرب من حمص لعائلة سنية، وانضم إلى حزب البعث عام 1947 فور تأسيسه. وبعد مشاركته الفعالة في الانقلاب العسكري الذي أوصل البعث إلى السلطة عام 1963، عُين قائدًا للمنطقة الوسطى من البلاد. وقد كافأه حافظ الأسد على وقوفه معه في الانقلاب الذي حدث داخل حزب البعث عام 1970، حيث تولّى منصب وزير الدفاع عام 1972، وظل في منصبه لمدة 32 عامًا حتى عام 2004. وكان لطلاس دور محوري في أحداث عامي 1980 و 1982 التي شهدت قمعًا وحشيًا للمعارضة السورية، كما ساهم بشكل مباشر في وصول بشار إلى سدة الحكم بعد وفاة حافظ الأسد في عام 2000. فبعد أن ضمن مصطفى طلاس ولاء الجيش لـ بشار الأسد، اعتزل الحياة السياسية بعد أن وضع ابنه مناف في منصب بارز.

وعندما امتدت شرارة “الربيع العربي” إلى سوريا، غادر مصطفى طلاس البلاد متخذًا موقفًا براغماتيًا، وانتقل إلى باريس ليقيم عند ابنته التي تعيش هناك منذ سنوات. وبحكم خبرته الطويلة، كان قادرًا على استشراف الاتجاه الذي قد يسلكه نظام البعث في ظل الأحداث. وبالرغم من كونه أحد أبرز رموز القمع الدموي في تاريخ النظام، فقد آثر الصمت، لكنه شجّع ولديه مناف وفراس على الانضمام إلى صفوف المعارضة. وفي تموز/يوليو 2012، أعلن مناف “انشقاقه”، فانتقل أولًا إلى تركيا، ثم إلى باريس للالتحاق بوالده.

وقد أثار انشقاقه حينذاك صدى واسعًا في الإعلام الدولي الذي صاغ الحدث بعنوان: “حتى صديق طفولة بشار الأسد ينضم إلى المعارضة”. بل إن اسمه طُرح في بعض الأوساط كأفضل مرشح محتمل لرئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية. غير أن مناف، على غرار والده، لم يظهر أي ندم أو يُقدّم اعترافا علنيا بمسؤوليته عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بنفسه أو كان شريكا فيها في عهد نظام البعث. بل ذهب في مقابلة عام 2017 إلى حدّ تبرئة والده من أي صلة بمجزرة حماة عام 1982، زاعمًا أن دوره كان محدودًا للغاية ولم يكن صاحب القرار. لذلك، ما قام به مناف لم يكن اعترافًا بالخطأ أو توبة عن الماضي، بل كان خطوة انتهازية بحتة.

ولم نسمع صوت مناف طلاس منذ عدة سنوات، لكنه ظهر أخيرًا يوم السبت 13 سبتمبر في مؤتمر عقدته أكاديمية العلوم السياسية بباريس، حيث قدّم تقييماته للوضع الراهن في سوريا أمام جمهور من السوريين، واللبنانيين، والفرنسيين. وأبرز ما جاء في حديثه كان ما يلي:

“إذا تم إنشاء مجلس عسكري وطني وعلماني يمثل جميع الفصائل، فإن 90% من المشاكل التي تواجهها سوريا حاليًا ستختفي. أنا على اتصال بالآلاف من الجنود والضباط من الجيش السابق، وبالعديد من الأسماء من قسد، ومنطقة الساحل في اللاذقية، والسويداء. والجميع مستعدون للانضمام إلى مثل هذا المجلس. يجب نقل بعض صلاحيات رئيس الدولة إلى المجلس الذي ذكرته. وبهذه الطريقة، سيتم الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى حكم دولة قائمة على القواعد. ويجب على الجيش السوري الالتزام الصارم بمبدأ علماني يحترم التنوع الاجتماعي. لستُ معنيًا بالسياسة أو السلطة. أريد فقط إعادة بناء مؤسسات الدولة في سوريا على أساس العدالة والأمن.”

إن تصريحات مناف طلاس تبدو سخيفة في ظل الظروف الراهنة في سوريا، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار دوره خلال الفترة التي مارس فيها نظام البعث أعنف القمع على الشعب. كما أن محاولة تظاهره بأنه “عبقري سياسي” أمرٌ مأساويٌّ ومثير للسخرية. ولكن لا ينبغي الاعتقاد أن طلاس يتحدث من تلقاء نفسه أو بلا سبب. وبالنظر إلى أن فرنسا لم تقطع علاقاتها قط بأراضي انتدابها السابقة في لبنان وسوريا، فمن الوارد جدًا أن يكون طلاس قد أُعيد إلى الواجهة ليقوم بدور ” القائد المرشح المخضرم الذي سيتحمل مسؤولية البلد بعد الإدارة المؤقتة لأحمد الشرع”.

والسؤال هنا: هل يمكن لفرنسا أن تراهن على مثل هذا الحصان الخاسر؟ بالتأكيد، ولمَ لا؟ فالعادات القديمة يصعب التخلي عنها.

شاركها.