اخبار تركيا

ناقش تقرير للصحفي والكاتب التركي قدير أوستون، أبعاد الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن غزة بعد لقائه بنيامين نتنياهو، والتي بدت وكأنها إنذار نهائي يلبّي شروط إسرائيل أكثر مما يقدّم حلًا متوازنًا.

يوضح أوستون في تقريره بصحيفة يني شفق أن جوهر الخطة يتمثل في نزع سلاح حماس وإدارة غزة عبر مجلس دولي برئاسة ترامب، مع مشاركة السلطة الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها، وهو طرح يفتقر إلى ضمانات حقيقية للسلام.

كما يبيّن أن العقبة الأساسية تكمن في تجاهل حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تُقدَّم الحرب كـ”دفاع عن النفس” بينما تستمر سياسات الاستيطان والتهجير. ويرى أن أي مبادرة سلام لا تُجبر إسرائيل على الاعتراف بكونها قوة احتلال لن تنجح.

وفيما يلي نصالتقرير:

الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبدو بمثابة إنذار نهائي يلبّي شروط إسرائيل، نظرًا لعدم اشتمالها على أي مفاوضات مع حماس. ترامب قال بوضوح: “إذا لم تقبل حماس فليكن، وحينها سأدعم إسرائيل في القضاء التام على حماس”، لكنه في الوقت نفسه تراجع ولو جزئيًا عن خطته السابقة المعروفة بـ “ريفييرا الشرق الأوسط”، والتي كانت تتضمن تهجير الفلسطينيين من غزة.

فالخطة الجديدة توحي بأن الفلسطينيين يمكن أن يبقوا في أماكنهم، وأن تكون لهم حرية الدخول والخروج من القطاع. غير أنّ أصعب ما في الخطة يظل مسألة نزع سلاح حماس. فالحركة سبق أن رفضت بند نزع السلاح، وليس واضحًا كيف يمكن أن تقبل به الآن. بل يُرجَّح أن تستخدم إسرائيل ذلك ذريعة لاستئناف الحرب من جديد.

ترامب يقترح أن تُدار غزة عبر “مجلس سلام دولي” برئاسته، مع اشتراط أن تعيد السلطة الفلسطينية هيكلة نفسها لتكون قادرة على حكم غزة. ومن الواضح أنّ نتنياهو قَبِل هذا الطرح لإرضاء ترامب. غير أنّ الخطة تواجه عقبات كبيرة تحول دون تطبيقها. ومع ذلك، يبقى الأمل بوقف المجازر المستمرة منذ أكثر من عامين قائمًا.

فالخطة جاءت بفعل جملة من العوامل: هجوم إسرائيل على قطر وردود الفعل العربية والتركية عليه، اعتراف عدد من الدول الغربية بفلسطين في الأمم المتحدة، خسارة أمريكا لجزء كبير من هيبتها الدولية، ورغبة ترامب في أن يُسجَّل في التاريخ كزعيم جلب السلام. ورغم أنّ الخطة لا توفّر ضمانات حقيقية لسلام دائم، فإن مجرد تحرك واشنطن وهي القوة الوحيدة القادرة على لجم إسرائيل تحت ضغط دولي يُعَد تطورًا مهمًا.

واقـــع الاحتلال

السبب الجوهري وراء فشل مبادرات الحل ووقف إطلاق النار ومساعي السلام المتكررة في القضية الفلسطينية هو أنّ إسرائيل نجحت في طمس حقيقة كونها قوة احتلال. فالحكومة الإسرائيلية، خلال العامين الماضيين، استطاعت أن تروّج في واشنطن لفكرة أنّ الدمار والإبادة الجماعية والتهجير القسري مجرد “رد على هجمات حماس” و”ضرورة لأمنها القومي”.

وهكذا لم تُجبَر على مواجهة واقعها كقوة احتلال. ومن هنا، فإن أي جهود سلام تتجاهل واقع الاحتلال أو تشرعن لإسرائيل “حق العمليات العسكرية في غزة” لن يُكتب لها الاستمرار. حتى لو تحقق وقف إطلاق نار، فإن غياب ضغط جاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي سيجعل الاتفاق لا يتجاوز حدود تبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية، والبدء بإعمار غزة.

الجميع يعرف أن إسرائيل استغلت مسار “عملية السلام” برعاية أمريكا لتوسيع الاحتلال وترسيخه. أما واشنطن فقد تهرّبت دومًا من ممارسة الضغط اللازم لفرض حل الدولتين على إسرائيل، خشية الكلفة السياسية.

فبينما واصلت إسرائيل بناء مستوطنات جديدة في تحدٍ للقانون الدولي وللقوانين الأمريكية نفسها، بقيت الإدارات الأمريكية عاجزة أو متواطئة. خلال العامين الماضيين، لم يذهب جو بايدن أبعد من تسريب امتعاضه من نتنياهو للصحافة، دون تطبيق أي “خطوط حمراء” رسمها. أما إدارة ترامب، فبينما تورطت بتأثير من إسرائيل في مواجهة عسكرية قصيرة مع إيران، فإنها لم تتخذ أي خطوة ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

هل سيكون ترامب راعي الاتفاق؟

من المعروف أن ترامب يتطلع لنيل جائزة نوبل للسلام وأن يُخلَّد كزعيم جلب السلام في كل من أوكرانيا وغزة. إذا ما طُبّقت خطته الأخيرة بالفعل، فقد تمنح الغزيين متنفسًا ولو جزئيًا. ومن السذاجة انتظار سلوك مختلف من حكومة نتنياهو، التي اعتادت إفشال كل محاولات وقف إطلاق النار والمفاوضات السابقة. فإسرائيل لن تلتزم بأي اتفاق ما لم تُجبرها أمريكا على ذلك، أي أنّ ترامب سيحتاج إلى استخدام نفوذه بصلابة، وهو ما سيتطلب منه دفع كلفة سياسية عالية.

لكن بالنظر إلى تجربته في حرب أوكرانيا، تتبدّى الشكوك، فقد اختار ترامب أن يترك عبء مواجهة روسيا على عاتق أوروبا بدلًا من أن يخاطر بمصالح أمريكا المباشرة، مكتفيًا بفرض عقوبات على تجارة الطاقة الروسية. ومن المرجّح أن يتصرف بالطريقة نفسها في غزة، ملقيًا بعبء تمويل الإعمار أو مسؤولية إقناع حماس على عاتق الدول العربية.

إن كُتِب للخطة النجاح، فترامب سيسارع إلى قطف ثمارها السياسية؛ أما إذا فشلت، فلن يتردد في تحميل حماس أو الفلسطينيين أو العرب المسؤولية.

وأقصى ما يمكن أن تقدمه واشنطن هو الاستمرار في دعم إسرائيل بذريعة “الدفاع عن نفسها”، دون أن تدفع كلفة حقيقية. فالخطة التي صيغت على مقاس مطالب إسرائيل تعطي حماس إنذارًا، وتطرح أن تُدار غزة في البداية عبر إدارة مشتركة بين ترامب وتوني بلير.

وفي ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع، فإن وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية سيكون في حد ذاته مكسبًا كبيرًا. غير أنّ خطة تنص على انسحاب تدريجي لإسرائيل، وإقامة منطقة عازلة على حدود غزة، لا تملك حظوظًا كبيرة للنجاح. فأي نموذج يتجاهل حقيقة الاحتلال، ويحرم الفلسطينيين من إدارة أنفسهم، لن يحقق سلامًا دائمًا، بل سيعني ببساطة تأجيل الحرب إلى موعد آخر.

شاركها.